هدنة بين "قسد" و"داعش" في ريف ديرالزور الشرقي؟

عروة خليفة

الأربعاء 2017/11/29
تناقلت مُعرّفات تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في وسائل التواصل الاجتماعي، صورة لما أسمته "اتفاق موادعة"، أي هدنة، مع "قوات سوريا الديموقراطية". وتضمنت الورقة بنوداً متعددة، سياسية وعسكرية واقتصادية. وأكد نص الإتفاق على "الإيقاف الفوري لإطلاق النار بين الطرفين إلى حين انتهاء المفاوضات". وتبدأ الهدنة، بحسب الاتفاق، في 28 تشرين الثاني، "لمدة شهر قابل للتمديد".

مدير المركز الإعلامي لـ"قوات سوريا الديموقراطية" مصطفى بالي، نفى صحة هذه الأنباء، في بيان نشره موقع "قسد"، مشدداً على استمرارهم في الحرب ضد الإرهاب.

مصدر مُطلع، قال لـ"المدن": "فعلاً تم توقيع هدنة بين تنظيم داعش وقوات سوريا الديموقراطية، عبر وساطة عشائرية استمرت في العمل لمدة إسبوعين، لأهداف إنسانية بشكل رئيسي"، وبرر المصدر تضارب التصريحات بأن "الاتفاق تضمن بنداً متعلقاً بسرية الهدنة وعدم الإعلان عنها. لكن يبدو أن التنظيم لم يجد ضمانةً سوى الإعلان عن بنود الاتفاق".



وظهرت هذه المعلومات في وقت حرج بالنسبة لجميع الأطراف في محافظة ديرالزور؛ فقد استهلكت قوات النظام قدرتها على التقدم بعد الانتصارات التي حققتها خلال السيطرة على مدينتي الميادين والبوكمال، وبدأت تتعرض لعمليات أمنية وانغماسية من قبل عناصر التنظيم في تلك المناطق، في الوقت التي لم تتمكن فيه من تأمين خطوطها الخلفية. وسجلت عملية للتنظيم، الثلاثاء في السخنة، وأخرى في بلدة معدان من ريف الرقة الجنوبي قبل أيام. كما تعاني "قسد"، بعد سيطرتها على مساحات واسعة من ريف ديرالزور الشرقي، من خطر اختراق التنظيم لمناطقها هناك، بعد انسحابه منها. الأمر الذي جعل من أنباء الهدنة غير مستغربة.


(المصدر: LM)

وأكد المصدر لـ"المدن"، أن: "قسد تواجه صعوبة في حماية خطوط تماسها مع داعش، فيما يفضل التنظيم توجيه طاقته ضد عدو واحد، خاصة أن النظام قد دخل آخر المدن التي كان يسيطر عليها داعش في سوريا. لذلك، كان اتفاق الهدنة منطقياً في ظروف المعارك ضمن ريف ديرالزور الشرقي". وحول بنود الاتفاق تابع المصدر: "البنود التي تم الاتفاق عليها بشكل واضح هي البنود العسكرية، فيما لم تكن بقية البنود ذات أهمية، لأي من الطرفين".

مدير صفحة "البادية 24" عبد الله عبد الكريم، قال لـ"المدن"، إنه لم يستغرب توقيع اتفاق الهدنة "باعتبار أن قوات سوريا الديموقراطية قد وصلت إلى حدود المنطقة المتفق عليها بين روسيا والولايات المتحدة عند حقل التنك".

ومن الواضح أن المشكلة الرئيسية كانت في الإعلان عن الهدنة بين "قسد" و"داعش"، لا في توقيعها، فالطرفان يحتاجان إلى تأمين خطوط التماس بينهما لأسباب عسكرية واضحة.

توقيع الهدنة لا يعني بالضرورة توقف المعارك بين "قسد" و"داعش"، لكنه مؤشر على المدى المُرهق الذي وصلت إليه المعارك في محافظة ديرالزور. وعلى الرغم من سيطرة النظام و"قسد" على أهم المدن في الشرق السوري، إلا أن التنظيم ما زال يمتلك القوة على زعزعة هذه السيطرة، كما يتضح في المعارك الخاطفة التي يخوضها ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية في مدينتي البوكمال والميادين.

وتوقيع اتفاق الهدنة، قد يمثل فرصة لخروج المدنيين من البلدات التي ما زالت بيد التنظيم، رغم عدم وجود أي مؤشرات حول إمكانية فتح ممرات آمنة لهم حتى اللحظة. شبكة "فرات بوست" قالت إن قصفاً جوياً يُرجح أنه روسي استهدف معبر البقعان النهري، ما تسبب في مقتل 10 مدنيين على الأقل، وذلك إثر محاولة المدنيين الفرار باتجاه مناطق سيطرة "قسد" شمالي الفرات. ويهرب المدنيون أمام تقدم مليشيات النظام، مفضلين اللجوء إلى مناطق "قسد" بعد الأخبار المتواترة عن عمليات الإعدام الجماعية التي تنفذها مليشيات النظام للسكان في مناطق سيطرة "داعش" السابقة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم عقد اتفاقات تهدئة مع "داعش"، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها تداول نص هذه الهدنة بشكل واسع من قبل معرفات تابعة للتنظيم. وهذه السابقة قد تكون الأخيرة على الأغلب، في ظل الإصرار على إنهاء التنظيم شرقي سوريا.

الولايات المتحدة فضّلت عدم التعليق عن الموضوع. وعند توجيه سؤال حول هذه الأنباء، قال مصدر أميركي مسؤول لـ"المدن"، فضّل عدم الكشف عن اسمه: "لقد اطلعنا على تقارير إعلامية بهذا الخصوص. الرجاء توجيه استفساراتكم لقوات سوريا الديموقراطية".

وقد يحمل غض النظر الأميركي عن هذا الاتفاق إشارة عن الاستياء من روسيا، وقد تكون محاولة من طرف "التحالف الدولي" لكسر الغرور الروسي شرقي سوريا بعدما استغلت موسكو انهيار التنظيم في سوريا للمسارعة بالسيطرة على المدن الكبرى في محافظة ديرالزور للدخول كشريك في القضاء على "داعش".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024