اليورانيوم والكادميوم، والطمع الروسي في الفوسفات السوري

مروان كيالي

الأربعاء 2018/08/01
استحوذت روسيا عبر شركة "ستروي ترانس غاز" على انتاج الفوسفات السوري بعقد مدته 50 عاماً. إلا أن حاجة روسيا، رابع منتج للفوسفات عالمياً، للفوسفات السوري ظلت لغزاً، خاصة بعدما قامت بإخراج إيران بالقوة من حقل "التنافس".

ووصل انتاج الفوسفات في سوريا، في العام 2018، بحسب مدير عام الشركة العامة للفوسفات والمناجم غسان خليل، إلى 200 ألف طن شهرياً، أي بحدود 2.4 مليون طن سنوياً، وسط سعي لزيادة الإنتاج إلى 5 ملايين طن سنوياً. وكان انتاج سوريا من صخور الفوسفات قد وصل إلى 2.8 مليون طن في العام 2010. وتراجع الانتاج مع سني الثورة الأولى، إلى أن توقف مع سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على حقلي خنيفيس والشرقية في بادية حمص الشرقية.

سيطرة الشركة الروسية على انتاج الفوسفات السوري جاءت بعد استيلاء روسيا عبر "قوات النمر" على حقلي خنيفيس والشرقية في تدمر، من يد مليشيات إيرانية كانت قد استولت على المنطقة وطردت منها تنظيم "الدولة الإسلامية". المليشيات الإيرانية كانت قد استولت في العام 2017، على حقول الفوسفات بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس، إلى طهران، لابلاغها بمنح الشركات الإيرانية حقوق استخراج الفوسفات. وسرعان ما تدخلت "قوات النمر" للسيطرة على المنطقة، ولابعاد المليشيات الإيرانية عن ثاني أكبر احتياطي عربي من الفوسفات في سوريا.

مصدر مسؤول في "المؤسسة السورية العامة للجيولوجيا"، كان قد قال للإعلام، إن الاتفاق تم مع الشركة الروسية، التي تملك إمكانية إنتاج واستثمار الفوسفات في سوريا، على تقاسم الإنتاج. وأوضح أن "حصة المؤسسة (السورية) 30 بالمئة، مع دفع قيمة حق الدولة عن كميات الفوسفات المنتجة، وتسديد قيمة أجور الأرض والتراخيص". وتابع: "إضافة إلى أجور ونفقات إشراف المؤسسة والضرائب والرسوم الأخرى والبالغة بحدود 2 بالمئة، ولمدة 50 عاماً، بإنتاج سنوي قدره 2.2 مليون طن من بلوك يبلغ احتياطه الجيولوجي 105 ملايين طن".

وشركة "ستروي ترانس غاز" المختصة بالنفط والغاز، ليست جديدة على السوق السورية، بل دخلتها منذ العام 2005 عبر تنفيذ "خط الغاز العربي"، كما استحوذت على مشروع معمل الغاز جنوبي المنطقة الوسطى. لكن أن يصل تسليم قطاعات حيوية سورية إلى روسيا إلى حد التنازع شبه العلني مع إيران، ودفع النظام لنقض تفاهم مبدئي سابق مع إيران على استثمار الفوسفات، هو ما يثير الشك في نية روسيا الحقيقية.


الأسباب الروسية المعلنة لاهتمامها بالفوسفات السوري تدور حول رغبتها بزيادة احتياطيها من الفوسفات، المقدر بـ700 مليون طن، بعدما وصل انتاجها السنوي في العام 2017 إلى 12.5 مليون طن متري.

إلا أن الاهتمام الروسي بالفوسفات السوري قد يعود ربما إلى مركب جانبي هو الكادميوم، المادة المُسرطنة الموجودة في الفوسفات. وقد سبق أن دفعت مخاوف الاتحاد الأوروبي الصحية بشأن نسب الكادميوم المرتفعة، لتحديد كمية مخلفات الكادميوم المسموح بها في واردات الأسمدة الفوسفاتية. وتحتكر روسيا سوق الأسمدة في الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من انتاجها لرواسب فوسفات الأباتيت منخفضة الكادميوم. مصادر مطلعة قالت لـ"المدن" إن الفوسفات السوري يمتاز أيضاً بانخفاض معدل الكادميوم، الذي يتراوح بين 3 إلى 5 جزء من المليون. وقد يمثل هذا سبباً مهماً في الاستحواذ الروسي على الفوسفات السوري، على الرغم من صغر حجم الإنتاج السوري مقارنة بنظيره الروسي.

وقد تستفيد روسيا من زيادة مخزونها من الفوسفات السوري، لمواجهة تحديات المنافسة في سوق الأسمدة داخل الاتحاد الأوروبي، وتجنباً لزيادة مخاطر العناصر الكيماوية السامة على نوعية الفوسفات المصدر للاتحاد الأوروبي. مؤشرات متعددة أظهرت وصول الفوسفات السوري، المنتج روسياً، إلى الأسواق الأوروبية.

صحيفة "الوطن"، التي يملكها رامي مخلوف، نقلت في آذار/مارس 2018، عن مدير عام الشركة العامة للفوسفات والمناجم غسان خليل، قوله إن "الشركة بدأت بتصدير كميات من إنتاجها إلى السوق الأوروبية". ويغلب الظن بوجود شركات وسيطة في روسيا تقوم بإعادة تصدير الفوسفات السوري إلى السوق الأوروبية، بعدما حظرت العقوبات الأوروبية التعامل مع حكومة النظام مباشرةً في القطاعات العسكرية والبتروكيماوية ومشتقات النفط.

كما أن هنالك سبباً اضافياً لتركيز روسيا على الفوسفات السوري: أثناء عملية تحويل الفوسفات إلى أسمدة، ينتج مكون ثانوي هو اليورانيوم المشع. ويحوي الفوسفات السوري، نظرياً، على يورانيوم بنسبة قد تصل إلى 300 غرام في الطن المتري الواحد، بحسب مصادر "المدن". وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بغيرها من أنواع الفوسفات التي لا تتجاوز نسبة اليورانيوم فيه 200 غرام في الطن المتري. وليس معروفاً بالنسبة لمصادر "المدن" كيفية استخلاص اليورانيوم من الفوسفات، ولا إن كان السوريون، قبل الثورة، قد تمكنوا من فصل اليورانيوم عن الفوسفات.

حجم الأعمال الكبير في قطاع الفوسفات الروسي يدفع للشك في ما إذا كانت روسيا ترغب حقاً في تنويع مواردها من الفوسفات، أم أنها احتكرت حق استخراج الفوسفات السوري لغايات أخرى كالاستفادة من نسبة الكادميوم المنخفضة، ونسبة اليوارنيوم المرتفعة في الطن المتري الواحد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024