بحثاً عن الجولاني

خالد الخطيب

الأحد 2019/05/12
كشفت المعارك المستمرة في ريف حماة عن مدى ضعف أداء المعارضة المسلحة، وانعدام التنسيق في ما بينها، إذ بدت عاجزة عن الفعل ورد الفعل، وأثار انهيار دفاعاتها في وقت قياسي أمام مليشيات النظام الكثير من التساؤل والغضب.

مسؤولية "الهيئة"

بدأت "هيئة تحرير الشام" بعد سقوط حلب في تطبيق سياسة الهيمنة وإضعاف الفصائل، وجرى تجميع عناصرها من باقي المناطق التي سقطت تباعاً في الشمال، وتمكنت في الفترة ذاتها من القضاء على عدد كبير من المنافسين وسلبهم.

ومنذ بداية العام 2019 تحقق لـ"الهيئة" الاستحواذ والهيمنة الكاملة، عسكرياً ومدنياً، في ادلب وما حولها، وبات لديها حكومة وعشائر ولها السيطرة على المعابر الداخلية والخارجية، وبذلك باتت تتحمل مسؤولية الدفاع و في قبضتها السلاح والمال والعدد والسيطرة.

"الهيئة" المخادعة

لطالما صدّرت "الهيئة" نفسها بأنها القوة الوحيدة القادرة على حماية ما تبقى من مناطق المعارضة وصمام أمانها من الاجتياح والمصالحات وتوقيع "اتفاقيات العار"، وهو تبرير استخدمه بكثرة منظروها للفتك بالفصائل ونهب سلاحها. ولكن الواقع معاكس تماماً، وبدا ذلك أوضح في المواجهات الأخيرة مع المليشيات وقبلها معارك شرقي سكة الحديد.

وأثبتت "الهيئة"، أنها عصابة يقودها مخادعون لا مشكلة لديهم في سقوط المناطق، والتوقيع على الاتفاقات، والجلوس والتفاوض مع المحتل، مقابل بقاء إمارتهم المزعومة حتى لو أتيح لهم إقامتها في معبر باب الهوى على الحدود السورية–التركية.

معركة ريف حماة

لم تدافع "الهيئة" عن ريف حماة، وتركت المقاتلين من أبناء المنطقة المستهدفة ليواجهوا مصيرهم أمام المليشيات من دون أسلحة نوعية وعتاد ثقيل. وبدا أداء المجموعات المشتركة في المعركة انفعالياً، ومن دون تنسيق وغرفة عمليات موحدة. المقاتلون المتبقون من "أحرار الشام"، وغيرها من الفصائل التي أجبرتها "الهيئة" على تفكيك نفسها بريف حماة وجنوبي ادلب بداية العام 2019، كانوا قد مُنِعوا من إقامة مقرات ونقاط عسكرية وغرف عمليات مصغرة في المنطقة بموجب اتفاقات ملزمة جرت مع "الهيئة". "تحرير الشام" لم تدافع عن المنطقة، ولا هي تركت أبناءها وشأنهم ليدافعوا عن مناطقهم.

لم يشارك من تشكيلات "الهيئة" وجيوشها الجرارة في معارك حماة سوى عشرات قليلة من عناصرها، وهم في الغالب من أبناء المدن والبلدات المستهدفة في العملية العسكرية. ولم تُفجّر سوى سيارة أو اثنتين، من 1000 مفخخة وعد منظرو "الهيئة" بتسييرها للفتك بالمليشيات في حال فكرت في شن معركة.

ومُنِعَت عن مجموعات "الهيئة" القليلة المشاركة في المعركة الأسلحة النوعية والثقيلة والذخائر التي تمتلئ بها مستودعات "الهيئة"، وهي الأسلحة التي سبق وسلبتها من الفصائل، وآخرها من مستودعات "حركة الزنكي" والتي تحوي ترسانة متنوعة من الصواريخ والمضادات والدبابات والمدفعية والهاون.

لماذا لم تفتح "الهيئة"، الجبهات ضد المليشيات في حلب مثلاً، والتي تسيطر فيها بالمطلق، ويمكنها قلب موازين المعركة إن أرادت ذلك؟

أين قادة الهيئة ومنظروها؟

جرت العادة أن يخرج قادة ومنظرو "الهيئة"، أثناء قتال الفصائل ليتحدثوا عن مشروعية المعركة، ويشجعوا عناصرهم على الفتك بعدوهم الخائن، ويرافقوا الأرتال المدججة بالأسلحة الثقيلة ومجموعات المنغمسين. "أبو العبد أشداء" و"الزبير الغزي" و"أبو اليقظان المصري" و"أبو فتح الفرغلي"، غابوا عن مجريات معركة حماة، وكذلك زعيم "الهيئة" أبو محمد الجولاني.

في معركة حماة لم يجد هؤلاء مبرراً للظهور، وتولت "وكالة إباء" التابعة لـ"الهيئة"، التبرير للانهيار السريع في ريف حماة وعزته إلى القصف العنيف. وتبنت الوكالة ومراصد المناصرين لها في مواقع التواصل، غالبية الأعمال القتالية التي حصلت، ونشرت الأغاليط عن التعزيزات والوعود المخادعة.

وفي الوقت الذي كانت تنهار المناطق تباعاً في ريف حماة لحساب المليشيات، كان منظرو "الهيئة"، يتداولون تحليلاً عن اقتراب فتح دمشق. فالجولاني يرى بأن حرباً أميركية وشيكة على إيران ستغير المعادلة وتحتكر السماء لطائرات التحالف ولذا يجب أن تحافظ "الهيئة" على قوتها، ولا تفرط فيها في معارك جانبية.

أهون الشرين

نزوح وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين عن مناطقهم، وخسارة نصف المساحة لصالح المليشيات أهون على "الهيئة" من فتح الباب أمام فصائل "الجيش الوطني" للاشتراك في المعركة، أو السماح لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" بقيادة غرفة العمليات. فـ"الهيئة" ترى في الخيار الثاني فخاً سيسلبها هيمنتها وربما يكون بداية نهايتها. "الهيئة" تتخوف من مكيدة مفترضة، بأن تستدعيها الفصائل للانتشار والقتال وما أن تتوقف المعارك ستكون هي الهدف التالي.

توالى في الأيام الماضية ظهور تصريحات لعدد من قادة الفصائل، دعوا فيها "الهيئة"، إلى نسيان العداوة وتغليب مصلحة المعارضة والعمل بشكل جماعي لصد المليشيات. من بين الدعوات، تسجيل صوتي للقائد السابق لـ"حركة الزنكي" توفيق شهاب الدين. وقوبلت جميع الدعوات بالرفض.

الإنقاذ

لم يكفِ "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"الهيئة"، جني الأموال من الضرائب والمحاكم والمعابر، بل طلبت من أئمة المساجد أن يجمعوا التبرعات لأجل المعركة، وأعمال التحصين، وطلبت من الناس بذل المال والأنفس لصد المليشيات.

ومع ذلك، فشلت "الإنقاذ"، التي تسيطر فعلياً على مختلف قطاعات العمل الإنساني من خلال إدارة المهجرين، في التخفيف من معاناة المشردين بين البساتين. رغم أن مطالب غالبية النازحين هي خيمة للإقامة فيها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024