السيسي بعد تفجير الكنيستين: القضاء على القضاء

المدن - عرب وعالم

الأربعاء 2017/04/12

يحترف النظام المصري استغلال الفرص دوماً وتحقيق مكاسب منها، رغم أن شعبية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي انخفضت إلى مستويات قياسية نظراً لعدم وفائه بوعود قطعها للمصريين في جوانب اقتصادية ومعيشية، فضلاً عن تعهده بحماية مصر من الإرهاب، قبل أن يكتشف العديد من المصريين أن كل ذلك لم يكن إلا وهماً.

وبينما توقّع محللون أن يغيّر استهداف كنيستي طنطا والاسكندرية من سلوك النظام، جاءت كلمة السيسي التي تلاها بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطني، بمثابة ترسيخ للفشل في مواجهة التحديات، واستغلال الحدث للاستمرار في سياسة القضاء على الخصوم، وفرض سيطرة تامة على مؤسسات الدولة، من دون التفكير بإجراء أي مراجعات استراتيجية أو أمنية لحالة الفشل الأمني المستمر، فجميع المسؤولين الأمنيين ما زالوا في مناصبهم، وعلى رأسهم وزير الداخلية، باستثناء إقالة مدير أمن الغربية.

لكن حتى إقالة مدير أمن الغربية اللواء حسام الدين خليفة، لم تكن أسبابها كما اعتقد كثيرون ناجمة عن التفجيرين، بل جاءت لاعتبار وزير الداخلية مجدي عبدالغفار أن هيبة الشرطة انكسرت، بعدما تعرض خليفة إلى الضرب من قبل أشخاص مفجوعين داخل كنيسة مارجرجس في طنطا، عندما حاول زيارة مكان العملية الإرهابية والتأكيد على أن السلطات المصرية حاضرة وتتابع عملها بشكل كامل.


بعد الحادث قال السيسي كلاماً واضحاً لخصومه في مصر، والإشارة الأولى جاءت من فرض حالة الطوارىء، وهي في ظرفها الحالي تشبه إعلاناً رسمياً بتأميم البلاد، في وقت يسعى السيسي إلى تسجيل الانتصارات على الجميع وتحقيق ما حال اعتراض الآخرين دون تحقيقه.

ولعل إحالة اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية إلى اللجنة التشريعية في مجلس النواب بعد دقائق من دخول حالة الطوارىء حيز التنفيذ، كان أول حصاد للنظام من مأساة التفجيرين، حيث تجاهل انتظار صدور حكم المحكمة الدستورية المرتقب في تفكيك حكم المحكمة الإدارية العليا التي قضت ببطلان الاتفاقية، وهذا يجعل
 مصير أي تحرك شعبي لمواجهة قرار التسليم غامضاً، فسيف الطوارىء مسلّط الآن على رقاب الجميع. ووفقاً للقانون الذي أعلنه السيسي والتعديلات التي أقرها البرلمان، سيسمح لأجهزة الدولة بالقبض على أي أحد من دون إذن، والاحتجاز لمدة مفتوحة من دون عرض المحتجز على النيابة أو القضاء.


ومن الاستحقاقات التي عذّبت السيسي وجاء الأوان لتحقيقها هو رفض القضاء لمشروعيه بتعديل قانون الاجراءات الجنائية، الذي يحدد ويكفل ضمانات التقاضي للمتهمين، وقانون السلطة القضائية الذي يتيح لها اختيار رؤساء الهيئات القضائية بدلاً من الطريقة المعمول بها حالياً باعتبار الأقدمية المطلقة. وتلك المساعي ليست جديدة، إذ إن الرئيس المصري طرحها في أعقاب اغتيال النائب العام هشام بركات في يونيو/حزيران 2015، وهو يعتبر أن القوانين الحالية "تكبل عمل القضاء وهو لن يصبر عليها". وبموجب التعديلات المقترحة سيصبح من حق القاضي تجاهل سماع الشهود، وتجاهل حق هيئة الدفاع في مناقشة الشهود، واختزال درجات التقاضي إلى درجتين، بدلاً من أربع درجات كما هو معمول به حالياً.

وعلى الرغم من أن الهيئات القضائية اعتبرت أن التعديلات تخل بسير العملية القضائية برمتها، كما أعلنت جميعها الوقوف في وجه مشروع اختيار رؤساء الهيئات القضائية، إلا أن هناك من يعتبر أن النظام أصبح قادراً الآن على تبديد كل الأصوات المعارضة لتلك التعديلات، والحديث عنها، في المناسبة، فُتح مرتين، الأولى عقب تفجير كاتدرائية القديس مرقس في ديسمبر/كانون الأول 2016، والثانية عقب تفجيري كنيستي مارجرجس والكنيسة البطرسية.


وآخر صراعات السيسي التي تنتظر الحسم، هي المعركة التي اتخذت شعار "تجديد الخطاب الديني" والتي تحولت إلى صراع مفتوح بين السيسي ووزير الأوقاف من جهة، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، حيث يسعى الرئيس المصري من خلال هذا المشروع إلى السيطرة على الأزهر، الذي ساهم في وضع حد لرغبات السيسي مرات عديدة. وقد لا ينسى الرئيس المصري أن شيخ الأزهر في يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة نبّه السلطة من العنف وإراقة الدماء.

لا شكّ أنها صورة قاتمة في مصر الآن، ومحاولات رسم صورة مضادة تبدو نادرة، فحتى الآن لم يجرّب أحد مواجهة السلطة بعد الطوارىء سوى المحامي الذي قاد معركة إبطال اتفاقية ترسم الحدود البحرية خالد علي، حيث قدم بلاغاً رسمياً للنائب العام للتحقيق مع السيسي ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ووزيري الخارجية والداخلية، لاتهامهم بالإضرار والمساس باستقلال البلاد، ووحدتها وسلامة أراضيها، وهي جرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام إذا ما كان للقانون من كلمة في مصر. لكن هناك من يقول: من سيوقف السيسي بعد الآن؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024