مضيق هرمز:حافة الحرب.. حتى تخفيف العقوبات

ريم جبر

الثلاثاء 2019/08/06
انضمت بريطانيا الى القوة الأميركية الرامية الى حماية حركة السفن في مضيق هرمز من الخطر الإيراني. وخلصت نيويورك تايمز إلى أن الخطوة هذه هي في مثابة إقرار بريطاني بتعثر مساعيها إلى تشكيل قوة أوروبية لحماية الملاحة في المضيق. 

والتوتر بين بريطانيا وإيران تعاظم إثر تبادل البلدين احتجاز ناقلات نفط. وسعت بريطانيا الى إنفاذ قوانين أوروبية على حركة ناقلات النفط واليوم ضمت جهودها الى جهود الولايات المتحدة في حفظ أمن المضيق، بعد تردد الاوروبيين. 

في هذا الوقت، تلتزم باريس الحذر، ولا ترغب في الظهور في مظهر من يؤجج التوترات، على ما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، وقبل أيام أعلن وزير الخارجية الألمانية أن بلاده، على خلاف المملكة المتحدة، لن تنضم الى حلف تقوده أميركا في الخليج. فباريس شأن برلين ترغب في النأي بنفسها عن نزاع قد تخوضه أميركا مع إيران. وفي وقت توقعت دير شبيغل الألمانية منازلة أخيرة بين حكومة بوريس جونسون، وجلها من صقور المحافظين المناوئين لأوروبا، وبين الاتحاد الاوروبي، يبدو أن رئيس وزراء بريطانيا بدأ المنازلة هذه بالنأي عن الاتحاد الاوروبي عسكرياً.
استراتيجية الاستفزاز المحسوب
ويخشى المراقبون وقوع حادثة في الخليج تودي بالمنطقة الى نزاع منفلت. ويرى ميشال دوكلو، سفير فرنسي سابق ومستشار في معهد مونتاين الفرنسي، أن جعبة الايرانيين خاوية في هذه المواجهة إلا من استراتيجية الوقوف على شفير الانفجار أو الهاوية وتأجيج النزاع في المنطقة من طريق استهداف حلفاء واشنطن هناك إلى حين استهداف مباشرة المصالح الاميركية. 

ويلفت الباحث الفرنسي برونو ترتريه إلى ان ما يفاقم خطر الوضع في الخليج هو الخلافات في أعلى الهرم، في أميركا وإيران، على حد سواء. ومنذ أيار/مايو 2018 حين انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تركت السلطات الايرانية سياسة "الصبر الاستراتيجي وصارت تعول على سياسة الاستفزازات المحسوبة. فهي تتخفف تدريجاً في الملف النووي من بعض قيود الاتفاق النووي". وهي منذ تموز/يوليو الماضي، لم تعد تلتزم قيود الاتفاق النووي على مخزونها من اليورانيوم المخصب (300 كلغ)، وتحررت من عتبة التخصيب عند 3.67 في المئة. ولكن أحد الديبلوماسين الفرنسيين ينبّه إلى أن الايرانيين إلى اليوم لم يخرجوا على الاتفاق النووي إلا لماماً. وخروجهم الثانوي على الاتفاق في المتناول العودة عنه، وما هو إلا تنبيه موجه الى موقعي الاتفاق، الاوروبيون في المقام الأول، بضرورة التصدي لإحكام طوق العقوبات الاميركية على إيران. 

ويأتي القرار البريطاني بالانضمام الى المساعي الاميركية بعد تسلم بوريس جونسون رئاسة الوزراء البريطانية نهاية الشهر الماضي. فهو يولي الأولوية لتعزيز العلاقات بالولايات المتحدة. وتعود هذه الاولوية في شطر منها إلى سعيه إلى اتفاق تجارة حرة مع واشنطن. ومثل هذا الاتفاق هو ركن سياسة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. 

ويقضي الاتفاق الجديد بين بريطانيا وأميركا بمرافقة البحرية البريطانية السفن التجارية التي تملكها شركات بريطانية أو تحمل شحنات بريطانية أو ترفع علم المملكة المتحدة، على أن يزودها الأميركيون بالمعلومات الاستخباراتية، على ما أفادت وول ستريت جورنال.  

وحرص البريطانيون على ربط دورهم بالتهديد الايراني لحركة النقل في مضيق هرمز، وتعهدوا بسحب قواتهم البحرية، فرقاطة ومدمرة، حين انحسار الخطر. فمرابطتها في مياه هرمز موقتة، على ما طمأن مسؤول بريطاني طهران. وتلاحظ وول ستريت جورنال أن المملكة المتحدة متنازعة بين هدفين متباينين من أهداف سياستها الخارجية في الملف الايراني. وهي، شأن الاتحاد الاوروبي، لا تريد التفريط بالاتفاق النووي، وتسعى الى نزع فتيل التوتر من جهة، وترمي إلى التصدي للعمليات الايرانية والتقرب من أميركا من جهة أخرى. 

ولا شك في أن الخصمين الايراني والأميركي حريصان على تفادي مسؤولية "سفك الدماء" في الأزمة. فالردود الايرانية محسوبة ومقيدة، شأن الردود الايرانية. فالرئيس الاميركي ألغى في اللحظة الاخيرة ضربة جوية على ايران رداً على إسقاط الأخيرة طائرة درون أميركية تجنباً "لسقوط كثير من القتلى". 

والردود الايرانية محسوبة وهادفة ترمي الى رفع العقوبات عن طهران أو تخفيف وقعها. لذا، زار الدبلوماسي الإيراني عباس عراقجي باريس في نهاية الشهر المنصرم، وكأن طهران تسعى في مواجهة الأحادية الأميركية وسلاح العقوبات، الى ترجيح كفة عالم متعدد الاقطاب، ولكنها الى اليوم تتوجه إلى الأوروبيين فحسب، وليس إلى روسيا أو الصين. 

ولكن أليست بكين وهي أكبر مستوردي النفط الايراني وازنة في النزاع هذا مع واشنطن؟ نقل موقع سي أن بي سي الاميركي خبراً يفيد بتجميد بكين الملايين من براميل النفط الايراني (12 إلى 14 مليون برميل) القابعة في المرافئ الصينية وتفادي استخدامها مخافة العقوبات الأميركية. وربما وراء وقوف الصين موقف المتفرج هو النزاع التجاري مع أميركا، وهي لجأت أخيراً الى خفض قيمة عملتها في مواجهة الضرائب الأميركية على سلعها. 

هرمز عصي على السيطرة
وينبه المؤرخ الاميركي ألن جايمس فروهرمز في مقالتين الاولى في فورين أفيرز والثانية في لوس أنجلوس تايمز إلى أن مضيق هرمز عصي على السيطرة. ففي الجانب المطل على مسندم بقيت مجموعات مستقلة بعض الشيء عن مسقط. وعلى الضفة الشمالية الفارسية، موقف إيران هش شأن السفن العابرة في المضيق. وكانت إيران نقلت مصب تحميل النفط إلى جزيرة لاراك في مياه هرمز بعد أن هاجم العراق منشآتها السابقة في جزر خرج. ولاراك وهرمز وقشم هي جزر يقطنها خليط من الفرس والعرب السنة الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية قبل أن تبصر النور الحدود البحرية الدولية، وهؤلاء السكان يغردون خارج الأغلبية في إيران.

فالبلوش في التلال القريبة و"جند الله"، الحركة الانفصالية البلوشية، شنوا هجمات دموية على ايران أدت واحدة منها في 2009 الى سقوط 15 عضواً من الحرس الثوري. وتنوع السكان على ضفاف هرمز كبير. وحري بالولايات المتحدة، وهي القوة البحرية الأقوى في العالم، أن تحفظ أمن الحركة التجارية النفطية في هرمز، ولو كانت حاجتها الى النفط الايراني تراجعت. 
ويدعو فروهرمز إلى الاستعانة بالخبرات البريطانية في حراسة أمن هذا المضيق. فهي طوال أكثر من قرن، سيطرت على هذا الممر المائي، ومدت شبكة علاقات وطيدة مع جماعات وشيوخ هذه المنطقة الشائكة.

وينبه فروهرمز الى أن حاجة الولايات المتحدة الى هذا المضيق لم تنتفِ مع انتاجها وكندا النفط الصخري. فتعاظم احتمالات اندلاع نزاع نووي مع استئناف طهران تخصيب اليورانيوم، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، يغير وجه الديناميات الأمنية في المنطقة. 

وتسعى دول الخليج إلى حيازة التكنولوجيا النووية، وهي في متناولها بعد تزويد أميركا لها بمعدات نووية حساسة ونقل التكنولوجيا اليها. وأمن مضيق هرمز ليس وثيق الصلة بالتجارة فحسب. فالنزاع في هرمز قد تصل نيرانه إلى ما وراء الخليج. والتجارة عبر هرمز تعاظم حجمها مع بروز دول الخليج النفطية الثرية. 

كذلك استثمرت أميركا مبالغ ضخمة في قواعدها البحرية في البحرين وقطر وغيرهما. والممر الوحيد إلى هذه القواعد هو مضيق هرمز. فهو أبرز الممرات المائية على وجه المعمورة، وهو نقطة عبور لا غنى عنها على المستوى العسكري، مهما انخفضت أسعار النفط. وأميركا تعتمد على ازدهار نظام التجارة العالمية ولا يسعها الاستغناء عن ممر آمن للسفن في مضيق هرمز ولا مفر من نزع فتيل التصعيد النووي في المنطقة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024