السودان:صراعات العسكر قد تسفر عن دكتاتورية أسوأ

المدن - عرب وعالم

السبت 2019/04/13
قال الرئيس الجديد لـ"المجلس العسكري الانتقالي" في السودان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، السبت، إن حكومة مدنية ستشكل بالتشاور مع القوى السياسية وتعهد بأن الفترة الانتقالية الجديدة ستستمر لعامين بحد أقصى.

وقال في أول خطاب تلفزيوني له إنه ألغى حظر التجول الذي فرضه سلفه، وأمر بإطلاق سراح كل المحتجزين بموجب الطوارئ التي فرضها الرئيس المعزول عمر البشير.

كما أعلن عن وقف إطلاق النار في كل مناطق السودان، متعهداً بملاحقة كل المسؤولين عن الفساد ومحاكمة كل من تورط في قتل الأبرياء. كما تعهد البرهان بالعمل على "إعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة وفق القانون"، مشيرا إلى أن مهمة المجلس تتمثل في إنفاذ القانون وتهيئة المناخ السياسي بما يفضي لانتقال السلطة.

وأثنى على شباب الحراك "ووعيهم الثوري" وسلميتهم، داعياً "المواطنين السودانيين للمساعدة في العودة للحياة الطبيعية.. واستكمال شعارات الثورة معا".

وسائل إعلام سودانية، السبت، ذكرت أن مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبدالله قوش، قدم استقالته من منصبه مساء الجمعة، بعد ساعات من تنحي رئيس المجلس العسكري الانتقالي عوض بن عوف ونائبه. وأوضح التلفزيون السوداني أن البرهان وافق على استقالة قوش من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

وقال المجلس في بيان: "صادق الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبدالرحمن رئيس المجلس العسكري الانتقالي على الاستقالة التي تقدم بها الفريق أول مهندس صلاح عبدالله محمد صالح من منصبه كرئيس لجهاز الأمن والمخابرات الوطني" مساء الجمعة.

من جهة أخرى، دعت الناطقة باسم الاتحاد الأفريقي إيبا كالوندو، الأطراف السودانية إلى المسارعة بالعودة إلى النظام الدستوري. في حين أكدت جامعة الدول العربية أنها تتابع تطورات الأوضاع في السودان، وتحث الأطراف السياسية على التمسك بالحوار لتلبية تطلعات الشعب.

في حين حثّ المندوب الألماني لدى الأمم المتحدة كريستوف هويسغن، الرئيس السوداني المعزول عمر البشير على تسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وفي حركة مفاجئة، طلب المجلس العسكري الانتقالي مساعدات مالية من دول المنطقة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتردية في البلاد. وخلال اجتماع مع دبلوماسيين عرب وأفارقة قال رئيس اللجنة السياسية في المجلس الفريق أول عمر زين العابدين، إن السودان بحاجة إلى مساعدة هذه الدول ويعاني نقصا في مواد أساسية، مثل الدقيق والوقود.

البرهان

"فرانس برس" نقلت عن ضابط في الجيش طلب عدم الكشف عن هويته إن "برهان ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة، لكنه في الأساس جندي مخضرم". وأضاف "لم يكن يوما تحت الأضواء كما هو الحال بالنسبة لابن عوف أو (رئيس أركان الجيش) الفريق أول ركن كمال عبد المعروف". وقضى البرهان فترة كملحق السودان العسكري لدى بكين.

وقالت ويلو بيردج، مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" واستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل، إنه بموجب توليه الملف اليمني، عمل البرهان عن قرب مع قوات الدعم السريع السودانية. وأضافت أن دعم هذه المجموعة أوصله "الآن إلى السلطة" على ما يبدو.

وأوضحت أن "دور قوات الدعم السريع، التي يصفها كثيرون بأنها نسخة معدّلة لميليشيات الجنجويد التي ارتكبت فظاعات واسعة في دارفور، في هذا التحرك الأخير ستثير ريبة الكثيرين". ولفتت إلى أن المجموعات المتمردة المتعددة في دارفور ستتوجس على وجه الخصوص.

وقال الضابط الذي لم يكشف عن هويته إن "البرهان لا يتبّع أي توجهّات سياسية. إنه جندي متمرّس". لكن بصفته زعيم البلاد بحكم الأمر الواقع الآن، لن يكون بإمكانه التهرّب من اتخاذ قرارات سياسية صعبة.

ديموقراطية أم مسرحية للجيش؟

جاء في مقال مشترك لأربعة من كتاب مجلة "فورين بوليسي"، ترجمته "الجزيرة"، أن المحتجين السودانيين "المنتشين" مزقوا صور الرئيس البشير في شوارع العاصمة الخرطوم، مضيفة أنه من غير المؤكد ما إذا كان يوم 11 أبريل/نيسان يمثل إيذانا بحلول الديموقراطية في السودان أم بالانتقال من دكتاتورية إلى أخرى أو إلى شيء أنكى من كل ذلك.

ونسبت إلى الناشط السياسي السوداني أمجد فريد الطيب، قوله لمجلة فورين بوليسي إن الشعب السوداني لم يخرج إلى الشوارع طوال أربعة أشهر "من أجل استبدال طاغية بآخر".

ونقلت عن أستاذ الدراسات الأفريقية والإسلامية في جامعة مكغيل الكندية خالد مدني، قوله إن التجارب الديموقراطية الماضية في السودان كانت تقودها الأحزاب السياسية التقليدية، مضيفا أن "هذا الحراك الجديد بقيادة محامين وأطباء ومهندسين وتنظيمات نسوية".

وكشف أعضاء في تجمع المهنيين ونشطاء آخرون للمجلة الأميركية أنهم أحجموا عن دعوة الجيش للانضمام إلى الاحتجاجات حتى بلغت ذروتها الأسبوع الماضي.

واستنطق مؤلفو المقال المشترك المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي أليكس دي وال، الذي علق قائلا إن الأطراف السودانية توافقت حتى الآن على تجنب اندلاع حرب أهلية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر السودان دولة راعية للإرهاب وفرضت عليه عقوبات اقتصادية فإنها تحتفظ بعلاقة أمنية معه تقوم على التعاون في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.

ويرى الباحث في الحركات الاحتجاجية والسياسة الأفريقية بكلية فاسار الأميركية زكريا مامبيلي، أن أحزاب المعارضة الحالية في السودان لا تتوافر على قيادات كافية، الأمر الذي يجعل الساحة خالية من أي شخصية سياسية واضحة أو حزب بإمكانه أن يتقدم الصفوف ليتولى السلطة. وأضاف "هذا هو السبب الذي جعل الجيش قادرا على الانفراد بالساحة حتى الآن".

ويمضي الكتاب الأربعة في مقالهم إلى القول إن ثمة سؤالا واحدا يفرض نفسه في أعقاب "الانقلاب" هو ما إذا كان قادة السودان الجدد سيسلمون البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، الإطاحة بالبشير بأنه "خبر استثنائي"، معربا عن أمله في أن يتخذ الجيش الخطوة الصحيحة بتسليمه إلى المحكمة الدولية في لاهاي.

ومع أن الأمير زيد قال إنه يعتقد أن البشير سوف يرسل إلى دولة مجاورة على الأرجح ليعيش بقية عمره هناك إلا أنه يرى أن سقوطه يتيح للحكومة العسكرية فرصة إصلاح علاقاتها مع القوى الغربية الرئيسية.

وانتقل المقال إلى التحدث عن مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات في السودان صلاح قوش، الذي يوصف بأنه واحد من أكثر الشخصيات نفوذا في رسم مستقبل بلاده. وأردفت المجلة أن لصلاح قوش سجلا من التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) في جهود مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أنه ولي هذا المنصب بدعم من السعودية والإمارات.

وزعمت أن الرياض وأبو ظبي أنفقتا مئات الملايين من الدولار من أجل تعزيز نظام البشير والاقتصاد السوداني في إطار تنافس بين دول الخليج العربي للحصول على نفوذ في منطقة القرن الأفريقي.

وختمت فورين بوليسي مقالها بعبارة لمدير برنامج العدالة الدولية في منظمة "هيومن رايتس ووتش" ريتشارد ديكر، قال فيها إن "البشير ومن هم على شاكلته ظلوا يتوارون خلف الحجة التي تزعم أن من هم على رأس مناصبهم من زعماء الدول لا يمكن مقاضاتهم حتى على أفدح الجرائم، وعلى أي حال فإن الشعب السوداني قضى على هذه الحجة".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024