من سيتراجع أولاً: النظام أم الشيخ شعبان؟

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2019/10/08
أعلن مئات الأطباء في سوريا، ومن كافة الاختصاصات، تضامنهم مع الشيخ شعبان منصور، في قضية المشفى الذي بناه بشكل تطوعي في مدينة سلحب ورفضت وزارة الصحة تسلمه. وأعرب الأطباء عن استعدادهم للتطوع جزئياً، وتخصيص أيام من الأسبوع للعمل في المشفى من دون مقابل، كما أعلن بعضهم استعداده لتقديم بعض الأجهزة الطبية المتوفرة لديه، بحسب مصادر "المدن".

وبالمثل أعلن عشرات الممرضين والممرضات استعدادهم للتطوع الجزئي والعمل في المشفى، بالإضافة إلى العديد من أصحاب الاختصاصات الأخرى المهنية والإدارية، بما ينسجم مع أعمال المشفى وتخديمه وصيانته، علما أن الكادر البشري المطلوب للعمل في المشفى يقدر بـ675 شخصاً، ويحتاج إلى 7 مليارات ليرة سورية لتجهيزه طبياً.

وفيما اكتفت الحكومة بالصمت وعدم الرد على الحملة المكثفة التي أشارت إليها بالاتهام والتقصير والتحلل من الاتفاقات والوعود، رفض الشيخ شعبان منصور، على لسان ابنه العقيد سليمان، المبادرات الفردية التطوعية لعموم الأطباء والمهن الأخرى، كاشفاً أن الاتفاق قد تم مع الحكومة، ونص على توليها تجهيز المشفى طبياً وتشغيله، وأن الموازنات الاستثمارية للأعوام الثلاثة الماضية رصدت في بنودها المبالغ اللازمة لتجهيز المشفى، وأن عليها الالتزام بذلك.

وأكد العقيد سليمان، في رسالة طلب نشرها، على ضرورة معرفة مصير الأموال المخصصة للمشفى في الموازنات الاستثمارية السابقة، ولماذا رفضت الوزارة تدويرها هذا العام، وهل ستبقى على موقفها الرافض للتمويل أم ستقوم بتعديله، كاشفاً أن وزير الصحة نزار يازجي، في آخر زيارة له قبل وشهر ونصف الشهر، اشتكى قلة السيولة ووعد بافتتاح قسمي الإسعاف والأشعة كمرحلة أولى ريثما يتوفر التمويل الكامل، غير أن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد تداولت كتابين من رئاسة مجلس الوزراء، ينصان على إدراج بند التجهيزات الطبية للمشفى المذكور ضمن الموازنة المستقلة للوزارة لصالح مديرية صحة مدينة حماة، للأعوام 2016-2018.

وتفاعل الشارع السوري بشكل كبير مع القضية اثر الإعلان عنها، وتحولت إلى قضية رأي عام توجه أصابع الاتهام إلى الحكومة ووزارة الصحة. ونشطت حركة تضامن مع الشيخ شعبان، باعتباره صاحب المشروع التطوعي. واللافت في حملة التضامن والمناشدات أنها خلت من التوجه إلى بشار الأسد، أو طلب مؤازرته لحل القضية، كما كان يحدث عادة.

عدم مناشدة بشار الأسد في حملات التضامن مع الشيخ شعبان، يُشكّلُ تحولاً في الخطاب الشعبي ويحمل مدلولات متعددة تندرج تحت عدم الفصل بين الحكومة والرئيس، كما درجت العادة سابقاً، واعتبارهما ضمناً كطرف واحد. كما يشير ذلك، إلى أن المواجهة المفتوحة ما زالت في بداياتها المنضوية تحت الاستياء السلبي من الأداء العام، ولم تصل بعد إلى طابع التحدي المكشوف، ويؤكد تلك الاستنتاجات امتناع الشيخ عن التصريح المباشر واكتفائه بالتصريح الذي أعلنه ابنه العقيد سليمان.

وفي الوقت الذي يكشف فيه رفض وزارة الصحة مزيجاً من الإفلاس الحكومي واستهتار النظام بمتطلبات حاضنته الشعبية على المستوى الخدمي، فان القضية باتت تحمل أبعاداً أعلى من المستوى الخدمي الظاهر على سطحها، لتتصل بحدود القوة الشعبية للشيخ شعبان، وحدود تحريك هذه القوة، أو تسييلها إلى نفوذ ضاغط.

النظام الذي تحلل في السنوات الماضية من كل الوعود العامة التي أطلقها في ما يخص الخدمات وتطوير مستوى المعيشة  العامة، يواجه لأول مرة إصراراً من حاضنته الشعبية على ضرورة  الالتزام بوعد المشفى وتجهيزه، وعدم خذلان الشيخ الذي بات يمثل حيثية شعبية ودينية مستمدة من الشارع مباشرة، لا من دوائر النفوذ والمناصب المعتادة، وهو أمر يضع الشيخ في موقع تنافسي مع النفوذ الرسمي.

النظام بات اليوم في موقع لا يحسد عليه، فامتناعه عن الاستجابة لمطلب الشيخ وقاعدته الشعبية التي بدأت تتجاوز حدود الطائفة العلوية، سيضعه في موقع تصادمي، ولو بالشكل المعنوي، مع تلك الحاضنة التي تشعر أنها كوفئت بالإذلال والإهمال. وفي المقابل فان الاستجابة لمطالب الشيخ ستعزز من قوته الذاتية ونفوذه الشعبي، وتشجع الاقتداء به، وفي الحالتين فإن النظام يبدو خاسراً في تلك المعركة التي يرفض أنصاره اعتبارها من عوارض إفلاسه المالي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024