القانون رقم 10: سلب أملاك السوريين.. بقوة التشريع

مجد الخطيب

الخميس 2018/04/26
يتقاطر الناس إلى المديرية العامة للمصالح العقارية الواقعة في منطقة ساروجة داخل العاصمة دمشق. الحركة غير الاعتيادية للمراجعين هدفها الاستفسار عن "القانون رقم 10" للعام 2018، والذي أثار الكثير من الجدل، وطرح سؤالاً محيراً لأصحاب العقارات في المناطق التي ستشملها "المناطق التنظيمية" الجديدة.

أحد مراجعي مبنى السجل العقاري، قال لـ"المدن"، إنه اضطر لبيع بيت له في ضواحي دمشق لدفع تكاليف تثبيت ملكية منزله الواقع في شارع بغداد، والذي كان يملك فيه صك بيع قطعي ورثه عن والده، لكنه قام بالإسراع بهذه العملية خوفاً أن يكون المنزل ضمن المناطق التي سوف يشملها القانون رقم 10.

وانعكس تخوف الناس من أن يجردهم القانون الجديد من منازلهم أيضاً، على العاملين في السجل العقاري. إحدى الموظفات في الشؤون القانونية في السجل قالت لـ"المدن": "يأتينا العشرات يومياً إلى هنا يسألوننا عن تفاصيل القانون بينما نحن إلى الآن لم يصلنا أي تفصيل عن تطبيقه". وتضيف الموظفة أن حالة الفوضى التي تحدث مردها إلى مادة في القانون تثير الكثير من اللبس، فنص القانون يدعو المالكين إلى تثبيت ملكيتهم، وفي هذا تناقض كبير، "فكيف لمالك مسجل لدينا له حقوق مصانة، أن يثبت ملكيته وهي مسجلة أصلاً".


(Getty)

السؤال الثاني الذين يواجهه الموظفون في مبنى السجلات العقارية يتعلق بأي المناطق التي سيطبق فيها القانون؟ الدائرة القانونية في السجل العقاري لا تملك أية إجابة عن هذا السؤال، لعدم تضمن نص القانون أية اشارة إلى ذلك، وعدم صدور تعميم أو مرسوم رئاسي يوضح الخرائط التي سوف يطبق فيها القانون. الموظفة في السجل قالت: "رغم  حصولنا على نسخة من القانون، لكن إلى الآن لا أحد يعلم ما هو السبب الذي صدر لأجله هذا القانون وما المشكلة التي يسعى إلى حلها".

"المدن" حملت سؤال الموظفة في السجلات العقارية عن الدافع وراء اصدار القانون، وعن المشكلة التي يسعى إلى حلها، إلى حقوقي خبير في الشؤون العقارية، فقال: "تكمن خطورة هذا القانون في هذه النقطة: ما سبب صدور القانون؟ فالمشرع لم يذكر سبب الإصدار، وقد غُيبت المناقشات التي حصلت في البرلمان حول هذا القانون، وكان حرياً بالتلفزيون نقل هذه الجلسات إلى الناس أسوةً بالجلسات التي ينقلها عادة، لتبيان هدف المُشرِّعِ من الإصدار. كل هذا لم يحدث، وقد استفاق الناس على إصدار قانون جديد يهددهم في بيوتهم كأنما أسقط من مظلة، وستفصح الأيام القادمة عما سيفضي إليه هذا القانون".


(Getty)

منبع الخطورة في القانون، هو تاريخ صدوره الذي سيحرم ملايين اللاجئين والمهجرين من إثبات ملكيتهم. ملايين السوريين خارج مناطقهم، مُهجّرين أو نازحين، معتقلين ومفقودين، أو مطلوبين أمنياً، سيتلاشى حقهم في ملكياتهم العقارية، بسبب استحالة استكمال الأوراق المطلوبة لتثبيت الملكية، وبالتالي ملكيتهم لهذه البيوت، بقوة القانون.

ونص القانون على أن "الأملاك الداخلة ضمن المنطقة التنظيمية على الشيوع الاجباري، تعتبر ملكاً مشتركاً بين أصحاب الحقوق فيها". يضيف المحامي: "عند قراءة القانون نجد أن طيف قانون تنظيم المدن الصادر في العام 1933 حاضر بقوة في مواد القانون الجديد، ويشكل الجذر التاريخي للقانون رقم 10". ويشترك القانونان بثلاث نقاط أساسية: الأولى: أنه يعتبر المالكين في المنطقة التنظيمية شركاء على الشيوع. الثانية: المدة المحددة التي منحها القانون للمالكين بالتصريح عن ملكياتهم. النقطة الثالثة: السماح لأقارب ذوي العلاقة بالقيام باثبات الملكية نيابة عن المالك الأساسي.


(Getty)

قانون تنظيم المدن للعام 1933، جاء لترخيص العقارات التي لم يسبق أن سُجّلت في السجل العقاري، أيام الانتداب الفرنسي. وإذا كان "القانون 10" سيشمل المناطق المنظمة، أي الموجودة أصلاً في السجل العقاري، فكأنه يريد إعادة المناطق المنظمة إلى حالة الشيوع، وسيكون للمالك حصص سهمية، ليعاد توزيعها وفق ما يريده المُستثمرون. المالكون الأصليون سيصبحون أصحاب أسهم، ستتم عملية توزيعهم على مبانٍ جديدة وفق حصصهم السهمية، ووفق المخططات التي سوف تصممها الشركات العقارية.

في حال طبق القانون 10 على الغوطة الشرقية وريف دمشق، لا يمكن للسكان المتبقين إعادة بناء بيوتهم من جديد، لأن القانون 10 جعل للمالكين حصصاً سهمية يتم الاعتراف بملكيتها وفق المخططات التي سوف تحضرها شركات إعادة الإعمار لتلك المناطق. وبالتالي سيتم مسح الذاكرة المكانية لتلك المناطق، وتاريخها العمراني.


(Getty)

وقد أكدت الفقرة ج من المادة 22، من القانون 10، أن جميع مقاسم المنطقة التنظيمية المخصصة للمالكين وأصحاب الحقوق، تُعدُّ مملوكة على الشيوع في ما بينهم.

النقطة الثانية في القانون أنه يحرم المالكين من اختيار حصصهم السهمية، وبحسب نص القانون فإن الوحدة الإدارية؛ بلدية أو محافظة، هي من تختار حصص المالكين وتعطيهم إياها، وهذا سيكون باب نزاع كبير بين المالكين، وسيفتح المجال للمحسوبيات والوساطات التي سوف تدخل لتحدد الحصص للمالكين حسب الرشاوى التي سوف يقبضها رؤساء الوحدات الإدارية من المالكين من جهة، والشركات المنفذة من جهة ثانية، في سوريا التي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في أكثر بلدان العالم فساداً.


(Getty)

وفي حال لم يكن لدى المالك القديم الرغبة بالتخصص بمقسم، أو لم يكن جزءاً من شركة مساهمة، فستقوم الوحدة الإدارية ببيع أسهمه بالمزاد العلني، وفق المادة 32 من القانون.

ورغم منع القانون للمالك الجديد الذي استملك بعد صدوره من الحصول على أكثر من مقسم، بهدف منع الاحتكار، إلا أن القانون ترك الباب مفتوحاً من جهة ثانية، بحيث سمح باقامة شركات مساهمة مغفلة، تقوم على استثمار المقاسم بطريقة تجارية.


(Getty)

كذلك فتح القانون الباب أمام إحداث مناطق تنظيمية في أي مكان تقترحه وزارة الإدارة المحلية، وأعطى صلاحيات للوحدات الإدارية بتشكيل لجان إدارية غير قضائية، في محاولة لإبعاد سلطة القضاء والقانون. وتقوم هذه اللجان بإعادة تشكيل المناطق التي سوف يطبق عليها القانون، ما سيفتح باباً جديداً للفساد وللتغيير العمراني وفق مصالح رؤساء تلك الوحدات.

وبموجب هذا القانون سيتم تشكيل وحدات ادارية تبتلع ملكية الأراضي، وتعوض أصحابها إن استطاعوا إثبات ملكيتهم بملكية سهمية في مخططات تنظيمية، وهذا سيؤدي إلى إلغاء هوية المكان وتاريخ ساكنيه.


(Getty)

ومما لا شك فيه، بحسب الخبير القانوني، أن القانون 10، عند تطبيقه، سيكون مصدراً كبيراً للأموال التي ستدخل إلى خزينة النظام، من المناطق التي سيشملها التنظيم، لأنه سيلغي قانون تنظيم العمران الصادر في العام 2015 الذي يعفي المناطق المتضررة من الحرب من الرسوم المالية. ولم يذكر القانون رقم 10 أية اشارة إلى الإعفاء من الرسوم أو الأعباء المالية لهذه المناطق، ما سيدخل ملايين الدولارات إلى خزينة النظام، جراء رسوم "إعمار" تلك المناطق.

إلى الآن لم تصدر أي توجيهات بالمناطق التي سيفترسها القانون 10، ويشير خبراء القانون إلى أن المناطق التي قد يشملها، ستتغير كلياً من الناحية السكانية والعمرانية، في أكبر عملية سلب لملكية السوريين، وبقوة القانون.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024