رئيسٌ وِحش للبيع

فادي الداهوك

الخميس 2016/02/25

خلال رحلة عودة مع صديقين من مصر إلى بيروت، في أبريل 2012، صادف أن كان طريقنا من الجيزة إلى مطار القاهرة طويلاً بما يكفي لسائق تاكسي، ليتحدث عن ثورة 25 يناير، إلى ثلاثة أشخاص غادروا السجن الكبير في سوريا حديثاً، ووجدوا أنفسهم في ميدان التحرير العظيم: "إحنا على مشارف مجازر.. لأن طبعاً إحنا الثوار مش عاجبنا المجلس العسكري، والمجلس الحاجة الوحيدة الأمان ليه إنو يفضل في الحكم، وعلشان يطلع من الحكم يبقى معنى كده إن هو هيتحاكم.. فمين ده اللي يخرج من جحره على شان ياخد إعدام؟" قال السائق.

آنذاك، كان محمد مرسي مجرد اسم يتداوله الناس في الشارع كمرشح للانتخابات، إلى جانب عبدالمنعم أبو الفتوح، وعمرو موسى، وأيمن نور، وعمر سليمان... وكان كل الناس تقريباً يحتجون، أو يعتصمون في مصر دعماً لأحد المرشحين؛ قرب قصر الاتحادية هناك تجمّع للناس، وأمام المحكمة العسكرية هناك تجمع آخر، وعند مساكن الضباط كذلك.. أما ميدان التحرير الذي كان قبل سنة نشرة أخبار رئيسية يتابعها جمهور كبير حول العالم يومياً على شاشات الفضائيات، يبدو وكأنه مكان هاجر سكّانه الأصليون بعيداً، وتحوّل إلى مزار للغرباء أمثالنا.


كان السائق يسهب في شرح المشهد الانتخابي في مصر، وأنا منهمك بتسجيل الحديث، مثل عادة الصحافيين السيئة. يطرح السؤال ويجيب عليه بنفسه: "إنت عارف هو اتعزل ليه عمر سليمان؟ على شان في محافظة ناقصاها 40 توكيل.. هل الجيش لو عايز عمر سليمان مش قادر يجبلو 2000 توكيل من المحافظة اللي هو حصل فيها العجز؟ قلّك لاء أنا سيب نسبة العجز دي علشان لما جيه أطيّرو، أطيّر معاه خيرت الشاطر، وحازم أبو اسماعيل وأيمن نور.. وإيه؟ وحوالى ستة تاني جنبيه.. علشان الساحة تفضى شوية ويبقى ممكن يلعب (المجلس العسكري) على أحمد شفيق، وعمرو موسى وبعدهم محمد مرسي بتاع الإخوان.. فالتلات فروض دول هو اللي بيلعب فيهم اليومين دول.. يا أمّا هيجيب واحد مش عالبال".


في شهر يناير 2014، دعا المجلس العسكري عقب عزله لمرسي، وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي "للاستجابة لرغبة الشعب المصري" بترشحه للانتخابات الرئاسية. ومنذ ذلك الحين، صدقت نبوءة السائق، وأصبح عبدالفتاح السيسي الرئيس الذي لم يكن في بال أحد.

بالأمس، خطب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي طويلاً. وكعادته، لم يقل جملة مفيدة. فظهر وكأنه الشخصية المفقودة من مسرحية الزعيم، بل لو أن مخرج فيلم "اللي بالي بالك" تعرّف عليه أثناء تصوير الفيلم، لكان اختاره ليؤدي دور البطولة عوضاً عن محمد سعد، المشهور بشخصية "اللمبي".


جاء خطاب السيسي خلال فعاليات إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، في محاولة ربما لتقليد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وضع قائمة من الأهداف لما يعرف بـ"رؤية تركيا 2023" التي تتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. وفي قراءة أولى لعنوان مناسبة الخطاب، يخال المرء أن السيسي حقق لمصر كل ما فقدته خلال السنوات الماضية، ونفّذ وعد مشروع المليون وحدة سكنية، والعاصمة الإدارية، ومحور تنمية قناة السويس..، ولم يعد أمامه إلا أن يحدث "وزارة للسعادة"؛ إلا أن المفاجأة كانت في إعلانه للمصريين عن وجود مخاطر جديدة، وتحديات إضافية عليهم تحمّلها، لأن "الإرهاب لم ينفع.. والضغوط لم تجدِ"، وأعداء مصر سيقومون الآن "بتجربة اشياء جديدة"، وغالباً هو كان يلمح بكلامه ذلك إلى الاحتجاجات المتصاعدة ضد انتهاكات الداخلية، والأطباء الذين نزلوا قبل نحو أسبوعين إلى الشارع، ليرسموا جزءاً من المشهد اللازم لانتشال البلاد من واقعها الحالي المذهل.


في واقع الأمر، لا يمكن أن يدفع خطاب السيسي كاتباً إلى تضييع وقته في تقديم قراءة تحليلية، جدّية، للخطاب مثل خطابات الرؤساء الطبيعيين، حتى الديكتاتوريين منهم، الذين يقولون كلاماً عن خطة ما، أو يعلنون ملامح حول مرحلة مقبلة؛ لكن يمكن القول إن الرئيس أفصح للمصريين عن إنجازاته طوال 20 شهراً، افتتح خلالها 5 آلاف طريق بعضها تحمل اسمه "وستكتمل إلى 6 آلاف سيكونوا جاهزين آخر هذا العام إن شاء الله"، فضلاً عن "133 كوبري"، وكأن نجاح تجارب الرؤساء تقاس بالأمتار التي امتدت عليها الطرق خلال عهودهم، وفي ذلك، بالمناسبة، خصلة من خصال "دولة البعث" في سوريا، التي كان سقف الحضارة والإنجازات التي قدّمتها للسوريين هي جسر "السيد الرئيس" في دمشق، ومستشفى باسل الأسد في معظم المحافظات السورية.

تفرض مناسبة الخطاب (رؤية مصر 2030)، أن يعلن السيسي عن قائمة أهداف، وخطة لتحقيقها، لكن تبيّن من الخطاب، أن الرئيس لا يملك خطة، ولا أهدافاً، وإذا ما كان فعلاً يحاول مجاراة خصمه التركي، فإن أردوغان أعلن عن أهدافه، وحقق عدداً منها قبل "مئوية الجمهورية". تضمّنت قائمة أهداف الرئيس التركي في مجال الاقتصاد أن "تصبح تركيا واحدة من أكبر عشر اقتصادات العالم"، وفي مجال الطاقة "تشغيل ثلاث محطات طاقة نووية"، وفي النقل "طائرات منتجة محلياً، وإنتاج طائرات بدون طيار وأقمار صناعية". لكن ماذا لدى السيسي؟ طرقات، وكوبريهات "عايز تعالج ملايين من المصريين من فيروس سي ومش قادرين، وعايز تعمل سكن للناس في المناطق العشوائية لكي تأخذهم منها" قال الرئيس المصري. والحل لكل تلك المعضلات أن يدفع 10 ملايين مصري فقط من مجموع السكان، جنيهاً واحداً من خلال الهواتف المحمولة، صباح كل يوم، ليحققوا "عدالة اجتماعية"، لأن هذه المسألة يجب أن تكون بتضافر جهود الجميع وليس الرئيس وحده: "إحنا صحيح عايزين عدالة اجتماعية، أنا اعمل عدالة اجتماعية؟ ولا نحن اللي نعمل عدالة اجتماعية؟".

"أنا هقول تعبير صعب جداً والله العظيم"، والكلام بالطبع للسيسي.. "أنا لو ينفع اتباع لاتباع". حسناً فعل ذلك المصري اللماح الذي عرض السيسي للبيع في موقع المزادات العالمي "ايباي". لو أن تلك الرغبة قابلة للتحقق، لكان البيع قد تم قبل حلول العام 2030، أو ربما قبل أن يقوم الموقع بحذف ذلك العرض مساء أمس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024