مصر تفرج عن فلسطينيين..مقابل هدوء "الجهاد الإسلامي"؟‎

المدن - عرب وعالم

الجمعة 2019/10/18

أفضت تفاهمات توصلت إليها حركة "الجهاد الإسلامي" بعد مباحثات لأربعة أيام مع المخابرات المصرية في القاهرة، إلى الإفراج عن معتقلين فلسطينيين في سجون مصر من قطاع غزة، بينهم عناصر ينتمون لجناح "الجهاد" العسكري.

وبحسب ما أفاد مصدر من غزة لـ"المدن"، فإن السلطات المصرية أفرجت عن ستة وعشرين من المعتقلين الفلسطينيين لديها، عادوا إلى القطاع عبر معبر رفح البري، ليل الخميس، بصحبة وفد "الجهاد" العائد من مباحثات القاهرة التي تطرقت إلى ثلاثة ملفات رئيسية هي "الأمن القومي لمصر" والحدود مع قطاع غزة والتهدئة مع إسرائيل، على أن يُطلق سراح معتقلين آخرين لاحقاً.

مصدر واسع الاطلاع كشف لـ"المدن"، أن هذا الإفراج كان برضا اسرائيلي وتنسيق حثيث، وبعد تفاهم جرى بين تل أبيب والقاهرة مؤخراً حول "ضرورة المضي قدماً في تحقيق التهدئة في غزة"، خاصة وأننا شهدنا هدوءاً نسبياً على جبهة قطاع غزة في الأيام الأخيرة.

الواقع أن البعض قرأ هذا التفاهم بين مصر و"الجهاد" كما لو أنه بمثابة شراء لهدوء الحركة في قطاع غزة، ومحاولة لإبعادها عن دائرة التأثير الإيراني، حيث تستغل القاهرة والأطراف الإقليمية والدولية عاملاً لافتا لتحقيق هذه الغاية، ألا وهو شح الدعم القادم من طهران لصالح الفصائل في القطاع؛ وذلك بفعل الضغوط الإقتصادية التي تتعرض لها إيران من قبل الولايات المتحدة.

وتوصلت "الجهاد" إلى الإتفاق مع المصريين بمشاركة الأمين العام للحركة زياد النخالة وعدد من قيادييها في غزة، فضلاً عن قادة "سرايا القدس" في العاصمة القاهرة. وكان من ضمنهم ثلاثة من قيادات المجلس العسكري لـ"السرايا"، وهم بهاء أبو العطا، خالد منصور وخليل البهتيني.

إذا ما تمعنّا في تشكيلة وفد "الجهاد" الذي شارك في المباحثات مع مصر، فقد كانت شاملة وجامعة لقادة سياسيين من غزة أو من القيادات الخارجية، وحتى العسكرية.

وسعت القاهرة من خلال جلب هذه التشكيلة القيادية المتنوعة، بحسب مصادر "المدن"، أن تذلل خلافات داخلية أو اختلافات بوجهات النظر بين قيادات الحركة أنفسهم إزاء التهدئة مع إسرائيل، سواء تلك القيادات التي تُعتبر مقربة من "حماس" أو التي يُقال إنها "متأثرة بالقرار الإيراني".. فحاولت مصر-من منطلق مصلحتها- أن تعمل توازناً في الآراء بحيث يتم تقليل مساحة الخلاف الداخلي في "الجهاد" عبر تقديم شيء مقنع للحركة، عله يشجعها على التوحد حول موقف التهدئة وعدم الذهاب إلى التصعيد. هذا إن علمنا أن إسرائيل اتهمت الحركة بالوقوف وراء إطلاق صواريخ اتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع في الأشهر الماضية، والتخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية على الحدوء الشرقية، ب"إيعاز إيراني".

وتقول المصادر إن مصر أرادت من وراء المباحثات المعمقة الأخيرة، تأكيد التفاهمات السابقة بينها وبين "الجهاد" مرة أخرى في عهد مكتبها السياسي الجديد؛ إذ اعتُبرت الحركة بأنها باتت "أكثر تمرداً" في العهد الجديد مقارنة بما كانت عليه أيام المكتب السياسي السابق بزعامة الأمين العام الراحل لـ"الجهاد" عبد الله شلح، حيث شهدت العلاقة بين الحركة وإيران حينها مرحلة فاترة جداً بسبب رفض شلح إتخاذ موقف واضح بشأن سوريا واليمن وأمور أخرى.

ولهذا، فإن المحادثات التي جرت بين المخابرات المصرية وقيادات "الجهاد" أظهرت جدية بمحاولة مصر استمالة "الجهاد الإسلامي" وإبعادها عن دائرة التأثير الايراني، مستغلة شح الدعم القادم من طهران نتيجة الضغوط والعقوبات الأمريكية عليها. وكذلك لشراء الهدوء من طرف "الجهاد الإسلامي"، التي لطالما ادعت إسرائيل بأن الحركة هي المتهمة الأولى بإطلاق صواريخ اتجاه المستوطنات المجاورة للقطاع من دون أن تعلن مسؤوليتها، إضافة إلى التخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية "بأوامر ايرانية"، على حد زعم تل أبيب.

كما حاولت المخابرات المصرية، وفق معلومات "المدن" أن تلعب على وتر العملية الإنتحارية التي نفذها عنصران من "الجهاد" ضد حاجزين للشرطة التابعة لحركة "حماس" في غزة قبل أكثر من شهر، إذ سعت القاهرة لتخويف "الجهاد" من أن التباينات الداخلية ستعزز اختراقات في صفوفها من قبل "الجماعات المتطرفة" و"الدواعش" وأن هذا هو خطر داهم في حال عدم توحيد القرار وترسيخ التهدئة في غزة.

كما وظفت القاهرة مسألة منعها لحرب إسرائيلية كانت ستكون وشيكة على غزة قبل أسبوع على انتخابات الكنيست، كي تقول إنه "لولا التدخل المصري لوقعت الحرب"، فحذر ضباط المخابرات المصرية قيادة "الجهاد": "في حال لم تنجح جهود التهدئة فإن إسرائيل ذاهبة لحرب مدمرة وحتمية على قطاع غزة خاصة في ظل تهديد زعيم (أزرق ابيض) الجنرال السابق بني غانتس بضرب حماس والجهاد في حال أصبح رئيساً للحكومة.. فالأمور أخطر من ذي قبل".

حركة "حماس" من جهتها، أكدت أنها الحاضر الغائب في مباحثات "مصر-الجهاد"، إذ إن ما تقوم به مصر أيضاً يهدف إلى تقريب المسافة بين حركتي "حماس والجهاد" في ما يخص التهدئة، إذ لطالما شعرت "حماس" بحرج في التقدم بمسألة التهدئة مع إسرائيل في ظل تلكؤ الاخيرة في تنفيذ استحقاقات التهدئة، كما لم تستطع منع "الجهاد" من إطلاق صواريخ، ما تسبب في جولات من التصعيد الاسرائيلي بين الفينة والأخرى.

وتقول "حماس" إن القاهرة أبلغتها أن المحافظة على التهدئة في جنوب قطاع غزة في هذا الوقت "الدقيق" مطلوبة، لأن المشهد السياسي في إسرائيل غامض ويشوبه إرباك.. فلا يعرف حتى اللحظة الشخصية الاسرائيلية الأقدر على تشكيل الحكومة الجديدة، وما إذا الدولة العبرية ستكون على موعد مع انتخابات ثالثة في غضون أشهر قليلة للخروج من مأزق اللاحسم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024