هل قصفت اسرائيل مواقع "الحرس الثوري" في حلب الغربية؟

خالد الخطيب

السبت 2018/09/22
هزت انفجارات متعددة مواقع عسكرية إيرانية في أحياء مدينة حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، مساء الجمعة، وظلت النيران فيه مشتعلة لساعات، وسط حركة كثيفة لسيارات الاسعاف، وتطويق مليشيات النظام للمنطقة ومنع المدنيين من الاقتراب منها.

الانفجارات استهدفت مواقع ضمن المربع الأمني المحيط بنقطة المراقبة الإيرانية المتمركزة في الأكاديمية العسكرية في حي الحمدانية؛ مشروع 3000 شقة جنوبي الأكاديمية، وبرجيات الروس في الحي الثالث بالحمدانية، ومشروع 1070 شقة القريب من خطوط التماس مع المعارضة المسلحة.

والمواقع المُستهدفة هى مبانٍ تحوي إحداها غرفة عمليات مصغرة، وأخرى مخصصة للمبيت والسكن العسكري، لمليشيات "حزب الله اللبناني" و"حركة النجباء العراقية"، و"الحرس الثوري الإيراني".

إعلام النظام الرسمي تحدث عن وقوع انفجارات ضخمة "مجهولة المصدر" في حي الحمدانية، ولم يتحدث عن عدد القتلى أو الجرحى، واستخدم صوراً تناقلها ناشطون محليون تُظهِرُ تصاعد الدخان من موقع بعيد. أما الشبكات الموالية في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصرت على توجيه أصابع الاتهام نحو المعارضة المسلحة المتمركزة في ضواحي حلب الغربية؛ في الراشدين وخان العسل، وأكدت أن سبب الانفجارات هو قصف للمعارضة بصواريخ محلية الصنع من العيار الثقيل.

مصدر خاص من حلب أكد لـ"المدن" عدم سماع صوت طيران حربي يحلق في الأجواء أثناء وقوع الانفجارات، وعدم ملاحظة تحليق للطيران الحربي الروسي أو أي طيران آخر. المصدر أكد أن طائرة مروحية هبطت في الأكاديمية العسكرية في الحمدانية، ليل الجمعة/السبت، وشوهد طيران الاستطلاع يحلق في أجواء المدينة والضواحي الغربية.

ونظراً لقوة الانفجارات التي وقعت، والاستهداف المركز للمواقع، يُرجّحُ مراقبون أن يكون القصف ناتج عن صواريخ إسرائيلية بعيدة المدى، كتلك التي استهدفت مواقع "الحرس الثوري" الإيراني قبل مدة قرب مطار حلب الدولي شرقي حلب، وأوقعت حينها أكثر من 50 قتيلاً من قادة وعناصر مليشيات "حزب الله" و"الحرس الثوري".

الناطق الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي مصطفى، نفى لـ"المدن" علاقة "الجبهة" بالقصف، وأكد أن اتهام المعارضة بالوقوف خلف التفجيرات هو "محاولة يائسة من إعلام المليشيات المفلس للتغطية على الحادثة، التي تبدو أنها مكلفة من حيث عدد القتلى والخسائر في صفوف المليشيات".

ويتواجد في منطقة الحمدانية ثاني أكبر تجمع للمليشيات المدعومة من إيران في حلب، بعد قاعدة جبل عزان، وقد تمركزت فيها المليشيات بعد سيطرة النظام الكاملة على أحياء حلب الشرقية أواخر العام 2016. وأنشأ "الحرس الثوري الإيراني" بداية العام 2017 قاعدة عسكرية له في الأكاديمية العسكرية، التي تتوسط التجمعات السكنية الحديثة، وفي ما بعد تحولت الأكاديمية إلى نقطة مراقبة إيرانية تابعة لـ"الحرس الثوري"، وحولت المليشيات التجمعات السكنية المحيطة بالأكاديمية لمنطقة عسكرية لم يسمح إلا للقليل من العائلات بالعودة اليها، وباقي الشقق والأبنية استخدمتها المليشيات لأغراض عسكرية وللسكن.

القائد العسكري في "الجبهة الوطنية" النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، أكد لـ"المدن"، أن القصف أوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف المليشيات، ولذلك تحاول المليشيات التستر على الحادثة وإلصاق التهمة بالمعارضة المسلحة. ورجّح عبدالرزاق أن سبب الانفجارات هو صواريخ إسرائيلية بعيدة المدى ضربت أهدافاً محددة، وربما استهدفت اجتماعاً لقيادات من "الحرس الثوري" و"حزب الله". وأضاف أن هذه المليشيات تسيطر على كامل خطوط التماس مع المعارضة غربي حلب، إذ لا تواجد لقوات روسية هناك.

وكالة "الأناضول" التركية كانت قد نشرت، الخميس، خريطة بعنوان "إنفوجرافيك: إدلب السورية تحت حصار الإرهابيين الأجانب"، أوضحت فيه مواقع تمركز المليشيات الإيرانية في محيط إدلب، إلا أنها لم تكن دقيقة تماماً. وربط البعض بين نشر "الأناضول" للخريطة والتفجيرات للمواقع الإيرانية في الحمدانية، التي قالوا إنها نتجت عن قصف لطيران "التحالف الدولي"، الأمر الذي لم يتم تأكيده من أي طرف.

"الحرس الثوري" عاد خلال الشهرين الماضيين للتركيز على قواعده في حلب وريفها. وشهد مطارا حلب الدولي والنيرب العسكري، المتلاصقان، اللذان يسيطر عليهما "الحرس" حركة ملاحية غير مسبوقة مؤخراً. وتنتشر حول المطارين مقار وثكنات عسكرية تابعة لمليشيات "لواء القدس" و"حزب الله" و"لواء الباقر" و"زينبيون" و"فاطميون" و"النجباء" و"أبو الفضل العباس" و"عصائب أهل الحق".

وشهدت قاعدة جبل عزان العسكرية في ريف حلب الجنوبي، مقر العمليات المركزي لـ"الحرس"، خلال الفترة القصيرة الماضية، إنشاء مهبط للمروحيات. وفي القاعدة مستودعات للأسلحة والذخائر، عالية التحصين، قد تم إنشاؤها خلال العامين 2016–2017. وتحيط بالقاعدة مقار وثكنات عسكرية للمليشيات تمتد حتى أطراف بلدة الحاضر التي تقع على تماس مباشر مع المعارضة المسلحة في العيس. وللمليشيات المدعومة من إيران ثلاثة معسكرات تمركز مهمة في المنطقة؛ الأولى قرب قرية الوضيحي، والثانية في المنطقة الواقعة بين وادي غزالة وشغيدلة، والثالثة في تل غدير قرب قرية الحميدية جنوب شرقي الحاضر بريف حلب الجنوبي.

ولا تواجد لثقل عسكري للمليشيات الإيرانية في خطوط التماس مع المعارضة المسلحة من أبو ضهور وحتى أبو دالي، على عكس ما نشرته "الأناضول"، فالمنطقة تكاد تكون حكراً على القوات الروسية، و"الفيلق الخامس" ومليشيا "النمر". منطقة أبو دالي شهدت خلال الشهر الماضي وصول تعزيزات عسكرية من مليشيات "لواء الباقر" و"لواء القدس"، لكنها ليست كبيرة مقارنة بالقوات الروسية والمليشيات التابعة لها المنتشرة في المنطقة.

ويعود الثقل العسكري لـ"الحرس الثوري" في ريف حماة الشمالي، إلى القاعدة العسكرية القريبة من طيبة الإمام، التي تنتشر بالقرب منها ثكنات لـ"لواء الباقر" و"لواء القدس". وقسم كبير من عناصرهما من أبناء ريفي حماة الشمالي والشرقي، ممن تم تجنيدهم خلال العامين الماضيين. كذلك تتمركز في المنطقة مجموعات من "جيش المهدي" و"حركة النجباء العراقية". وبالقرب من خطوط التماس في ريف اللاذقية الشمالي، ومناطق جنوب غرب جسر الشغور في ريف ادلب الغربي، تتمركز مجموعات كبيرة من المليشيات الإيرانية، وتشرف على انتشارها نقطة المراقبة الإيرانية القريبة من قرية كنسبا بريف اللاذقية.

قائد "جيش حلب الشهباء" النقيب أمين ملحيس، أكد لـ"المدن"، أن المليشيات المدعومة من إيران تمتلك ستة مواقع استراتيجية في محيط ادلب، وقد شهدت خلال الشهر الماضي تحركات عسكرية كبيرة وعمليات إعادة انتشار وتمويه، في النقاط والمواقع الفرعية القريبة من خطوط التماس مع المعارضة، وتم نقل الكثير من التجمعات والأسلحة إلى أماكن أكثر تحصيناً خوفاً من استهدافها. وفي أحياء حلب الغربية في الحمدانية وحلب الجديدة تحاول المليشيات الإقامة في التجمعات المأهولة بالسكان خوفاً من القصف. ورجّح ملحيس، أن تستمر عمليات استهداف قواعد "الحرس الثوري" في الشمال والمليشيات التابعة لها خلال الفترة القادمة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024