بائعات الهوى في أثينا: لا للاجئين!

عدنان نعوف

الأحد 2019/08/25
لا كاميرات أو لوازم تخييم أو خرائط. مِثلُ هذه الأشياء لم تكن ضرورية بالنسبة لهُم، فجَولتُهم السياحيّة ليست بقصد رؤية المعالم الأثرية أو الاستجمام، بل لمعاينة أجساد بائعات الهوى بِالنّظَر، أو باليدِ أيضاً إذا سنحتْ الفرصة!.

"سياحة جنسيّة" مجانيّة كان ثلاثة لاجئين سوريين وصلوا حديثاً إلى أثينا يستعدون للقيام بها. وبعدما استكشفوا محيطهم وعرفوا أين تباع الخضار والثياب واللحم "الحلال"، بقيَ أن يبحثوا عن حد أدنى من "المتعة"!.

أبو مراد وسامي ونبيل، قادَتهُم أحلامهم إلى اليونان، وساقتهُم رغباتهم إلى بيوت الدعارة لكنْ كمتفرّجين لا أكثر. من بينهم مَن يَخاف "الانغماس التامّ"، ومَن يخشى الأمراض التي تنتقل بالجنس، ومَن يَشغَلُه التفكير بالسفر إلى بلد أوروبيّ أفضل قبل انتهاء موسم التهريب.

تعميم

هذه الأسباب ليست هي ما يَمنَع اللاجىء فعلياً من قضاء ليلة حمراء في أحد بيوت الدعارة المُرخّصة، وتجعله يكتفي بزيارة فُرجة ومُساوَمة. وإنما القوانين التي تنظّم "سُوق الجنس"، وتفرض على العاملات في هذا القطاع عدم التعامل مع اللاجئين.

"نصف المواخير التي دخلتها قالوا لي: فقط لليونانيين"!. هكذا عبّرَ أبو مراد عن امتعاضه بعدما قُوبل بالرفض مرّات متعددة. وأياً تكُن التأويلات والانطباعات الشخصية التي قد يثيرها هذا الردّ المتكرر، فإنه بالنتيجة يأتي التزاماً بتعميم مفاده "مَنع اللاجىء من شراء الجنس، وذلك حمايةً له من الاستغلال المادّي".

إلّا أن ذلك لا يُثني الباحثين عن المتعة في ظل التقيّد النسبي بالقوانين، وانتشار البيوت غير المرخصة، فضلاً عن وجود بدائل متعددة كنوادي التعري والبارات ومراكز التدليك. كل ذلك في بلد عُرِفَ بمحاولة تنظيم هذا القطاع بجُهود ومتابعة الحكومة، أو بالشراكة مع مُنظمات.

تنظيم العمل ومعالجة الظواهر

يُعدّ تنظيم ملف العاملين والعاملات بسوق الجنس sex workers جزءاً من مسؤوليات الحكومة اليونانية، وذلك بناءً على قانون عام 1999 الذي لم يكتفِ بإضفاء الطابع المهني على الدعارة الطوعية، بل وَضَع شروطاً وأحكاماً تفصيلية لممارسة العمل.

لكن على الأرض لم تَصمُد هذه التشريعات كثيراً، فازدادت التجاوزات وتغوّلت لتبلغ ذروتها مع موجات الهجرة بعد العام 2013. إذ ظهرت سلعة جديدة مرغوبة بنظر جميع المستفيدين في سوق الجنس ألا وهي اللاجىء. ولم يَعُد الأمر مقتصراً على وصول زبائن جُدد يَرتادون بيوت الدعارة، فقد تحوّل بعض اللاجئين واللاجئات لبائعي وبائعات هوى، وبرزت حوادث غير مسبوقة في حينها، بينها حادثة شهيرة لشابَّينِ سُوريّيَن تم إغواؤهما من قبل رِجال كبار بالسنّ لممارسة الجنس مقابل مبلغ مالي. وفي ما بعد تبيّن أن ما جرى تمّ تصويره ورفعه على شبكة الانترنت كأفلام إباحية.

في هذه المرحلة وتحت عنوان "حماية اللاجىء من الاستغلال الجنسي"، ظهرت منظمات غير ربحية استطاعت احتواء ومعالجة الظواهر المستجدة.

أصحاب التأثير

هنا بَرزَ اسم منظمة "المظلة الحمراء-أثينا" Red Umbrella Athens كفاعل أساسي على الساحة اليونانية يُدير هذا الملف، من دون أن يكون في الواجهة التنفيذية المتروكة للأجهزة الحكومية.

وتُعتَبر هذه المنظمة جزءاً مما يسمى بـ"الشبكة العالمية لمشروعات العمل الجنسي" (NSWP) التي تهدف إلى "دعم المشتغلين بالجنس على مستوى العالم، وربط الشبكات الإقليمية التي تدافع عن حقوق هؤلاء من الإناث والذكور والمتحولين جنسياً.

وبحسب مُعَرَّفاتها على الانترنت، فإن هذه الشبكة تتكوّن من "المنظمات المحلية أو الوطنية أو الإقليمية التي يقودها العاملون في مجال الجنس" في مناطق متعددة من العالم.

وفي اليونان، تشمل مجالات عمل "المظلة الحمراء" جوانب متعددة بينها: "حماية العمل الجنسي من التجريم والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان، والدعوة لتوفير الخدمات الصحية لجميع العاملين".

وتؤكد مَصادر وثيقة الِصلة بالمنظمة لـ"المدن"، أن مهامها "تتجاوز التوعية والتمكين والمساعدة، لتكون هي صاحبة التأثير في القوانين الخاصة بالعمل الجنسي، مُستفيدةً من سنوات شهدت تداخلاً بين أدوار حكومات يونانيّة هشّة، ومنظمات مجتمع مدني".

وفي هذا السياق صدَرت تعليمات بعَدَم قبول اللاجىء كزبون في بيوت الدعارة المرخصة "حفاظاً على أموال اللاجئين وإمكاناتهم المحدودة من الهدر". وتشير المصادر إلى أن من يَقِف فعلياً خلف هذا التعميم هو منظمة "المظلة الحمراء-أثينا" نفسها، علماً أن بائعات الهوى اللاتي قُمنا بسؤالهن حول هذه النقطة امتنعنَ عن تأكيدها أو نفيها.

وبينما تبدو خطوات كهذه في صالح اللاجئين، وتعطي انطباعاً بالالتفات لأحوالهم، فإنها في الواقع تمثّل معالجات شكليّة لا تحمي اللاجىء من حالات الاستغلال الأخطر.

الزبون يصبح بائعاً

في وقت تنشغل فيه "المظلة الحمراء" ومثيلاتها من المنظمات بالاشتباك مع الحكومات بهدف تحصيل اعتراف بفئات محدّدة من "المضطهدين جنسياً"، فإن الحوادث العابرة نَمَتْ وأصبحت مِهناً جديدة!.

وليس على الزائر لأثينا إلا المرور بساحة أمونيا ليلاً، ليكتشف أن ما حدثَ لبعض الشبّان السوريين قبل سنوات باتَ ظاهرة معروفة تُسمّى بـ"الجنس بهدف البقاء حيّاً" Survival sex إذ باتَ مهاجرون يعملون كـ"فِتيان متعة" ضمن أحد أشكال "دعارة الشارع" فيبيعون أجسادهم حسب العرض والطلب.

أمام ذلك، يصبح السؤال مشروعاً عن جدوى انتشار منظمات إنسانية كالفطر في اليونان، وممارستها دوراً أبوياً بين الحين والآخر دون أن يؤدي ذلك لتحسين حياة اللاجئين أو حمايتهم.

يُدرك غالبية المهاجرين هذه الحقيقة، لذلك فهُم لا يُضيّعون وقتهم على طريقة "أبو مراد" ورفاقه بالسياحة الجنسية وغيرها، بل يحاولون الاستفادة من كل يوم يَمرّ للخروج من اليونان، قبلَ أن يضطّر أحدهم في لحظة ما لبيع جسده، والانخراط في "سوق الجنس" كعامل، أو كضحية للاتجار بالبشر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024