"صفقة القرن" تبدأ بالإقتصاد.. لأنّ نتنياهو يرفض البنود السياسية؟

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/05/20

يتضح من إعلان البيت الأبيض نيته طرح المرحلة الأولى من خطته للسلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلامياً بإسم "صفقة القرن" والمتمثلة بالشق الإقتصادي مع ضبابية الحلول السياسية، أنه لا أحد يعلم تحديداً ما هو التكتيك الذي تنتهجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فالتسريبات التي خرجت حول الصفقة الأمريكية طيلة الفترة الماضية لم تسعف أحداً في فك الشيفرة الخاصة بالأسلوب أو المضمون خاصتها؛ والدليل أنه خلافاً لما قيل عن الإعلان عن كل البنود الشهر المقبل، فإن البيت الأبيض سيعلن مضامين إقتصادية لا سياسية وأمنية بالمرحلة الأولى.

وقد يكون التلميح للشق الإقتصادي مجرد تمويه تتبعه الإدارة الأميركية، لتوفير عنصر "المفاجأة" لدى الأطراف جميعها لأنها واقعياً ستعلن عن كل البنود الشهر القادم؛ أملاً في عمل إرباك لديها يحول دون الترتيب المسبق لقول كلمة "لا" سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين. الحقيقة، لا أحد لديه جزم مُطلق بصحة هذا التخمين من عدمه. قد يكون صحيحاً، ربما.

البيت الأبيض يقول إنه سيكشف النقاب عن الجزء الأول من خطة ترامب التي طال انتظارها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عندما يعقد "ورشة عمل اقتصادية" في البحرين يومي 25 و26 يونيو/حزيران لتشجيع الإستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولعل إطلاق تعبير "ورشة إقتصادية" يدل على أن المشاركين من الممثلين والمسؤولين التنفيذيين بقطاع الأعمال من أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، سيشاركون أيضاً إلى جانب واشنطن في وضع المقترحات والآليات لذلك.

وسيترأس هذه الورشة صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، ومبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، اللذان أمضيا أكثر من سنتين في تطوير الاقتراح. لكن مسؤولاً أميركياً أحجم عن القول عما إذا كان مسؤولون إسرائيليون و فلسطينيون سيشاركون في المؤتمر المرتقب، كما ذكرت وكالة "رويترز"، على الرغم أن مصادر تحدثت عن مشاركة وزير المالية الإسرائيلي موشي كحلون في ذلك المؤتمر.

لعل التساؤل الأبرز في هذا السياق، يتركز على أسباب رغبة الولايات المتحدة بأن تبدأ بإعلان الشق الإقتصادي الخاص بصفقة القرن دون السياسي والأمني؟.. هل هي (الصفقة) قائمة فعلياً على مراحل تتسم بالتتالي لا بالتوازي؟ أم هي محاولة من واشنطن للهروب ب"ذكاء" من استحقاق هذه الصفقة التي تشعر أن مصيرها الفشل، كونها لن تكون مرفوضة فلسطينياً فقط بل وإسرائيلياً أيضاً؟

الواقع أن ما وصل إلى "المدن" من معلومات خلال الساعات الأخيرة يجيب على هذه التساؤلات بأكثر من اتجاه، فقد كشف مصدر مطلع لـ"المدن" أن ثمة تحفظات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على بنود في صفقة القرن، المزمع إعلانها بعد عيد الفطر.

ويبدو أن نتنياهو مرتاح في مكنونات نفسه من تأخره في تشكيل حكومته الجديدة تحت حجة أن مفاوضاته مع أحزاب اليمين "عسيرة" إثر اشتراطاتها المعقدة، فهو يريد أن يقول بذلك للولايات المتحدة أن حكومته القادمة ستكون فيها قوى لن تقبل بمضامين في صفقة القرن.

وهذه نقطة مركزية تدركها واشنطن، ويظهر أن الأخيرة لا تريد تفجير خطتها بالمسارعة إلى الإعلان عن مضامينها السياسية، ما يعني أن هذا التكتيك المبني على نشر الشق الإقتصادي من صفقة القرن ثم المقترحات السياسية والأمنية لاحقاً- إن صح- مبني على المزاج والمصلحة لإسرائيل. فالمعضلة هنا ليس فقط الرفض الفلسطيني وإنما الإسرائيلي أيضاً.

فهل تريد واشنطن قتل صفقة القرن عبر إعلان شقها الإقتصادي أولاً؛ ذلك أن الطرف الفلسطيني سيرفض ذلك، وسيتعطل إعلان المراحل التالية؟

ولكن.. ومع هذا الإعتبار، يعود مسؤول أمريكي ويقول "إنه يدرك أنه يجب ان تطرح المقترحات السياسية بموازاة الإقتصادية، لكن الأخيرة مهمة لتعزيز الحل السياسي"، وكأنه يريد أن يقول "إن الكيانات الناجحة إقتصادياً لا الفاشلة في المنطقة ستكون أهلاً بالحل السياسي ودون ذلك، فلا".

مؤشر آخر يوحي بأن واشنطن ربما تحاول الهروب من استحقاق الإعلان "الشامل" عن صفقة القرن، هو ما أكده مصدر سياسي واسع الإطلاع لـ"المدن"، على خلفية ما نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" مؤخراً حول ما قالت إنها مضامين الصفقة والتي عنوانها "فلسطين الجديدة". ويوضح المصدر أن ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية كانت بالفعل مضامين للخطة الأميركية في مرحلة معينة، ولكنها خضعت للتغيير والتبديل لاحقاً. ويعني هذا أن حكاية "المقترحات السياسية" في الصفقة تبدو طويلة!.

وبالرغم من رفض القيادة الفلسطينية مسبقاً لأي شق إقتصادي أو سياسي لصفقة "القرن"، إلا أن مصادر قيادية فلسطينية تكشف لـ"المدن" عن أسلوب ممنهج لقول "لا الرسمية". فالسلطة الفلسطينية تسعى لخروج "لا الرسمية" من فم نتنياهو أولاً.

وفي ما يتعلق بطريقة إتخاذ الموقف الفلسطيني الرسمي حينما تعلن الصفقة الأميركية أو جزء منها، فتوضح مصادر "المدن"، أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" صائب عريقات سيعلن على الفور عن اجتماع للجنة التنفيذية، ثم ستقوم الأخيرة بالدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي. وحينذاك، ستعلن القيادة الفلسطينية رفضها الرسمي للصفقة الأميركية.

ويبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ممتعض من عدم إستخدام كل الدول العربية- حينما تجلس مع مسؤولي الإدارة الاميركية- للعبارة المعهودة التي يريدها عباس والمتمثلة ب"ما يقبله الفلسيطينون، نحن نقبله". فيتضح أن بعض الدول العربية يستخدم هذه العبارة، وليس كلها، وهو الأمر الذي يثير غضب عباس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024