لماذا يُسهّلُ النظام توفية المفقودين؟

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2018/12/04
أكد مصدر قضائي في وزارة العدل، أن قصر العدل في دمشق يستقبل يومياً 70 طلباً للحصول على وكالات قضائية عن غائبين ومفقودين، لتسيير أمورهم الخاصة من وثائق ورواتب وعقارات وغيرها.

وكشفت صحيفة "الوطن" أن الآونة الأخيرة شهدت ارتفاعاً في طلبات إعلان وفاة مفقودين، من قبل ذويهم، بعد مضي أربع سنوات على فقدانهم. وأوضحت: "يجوز توفية المفقود في ظروف الحرب بعد  يوم واحد من مضي أربع سنوات على فقده، وانقطاع أخباره بالكامل"، في حين لا يعتبر المفقود في القانون السوري ميتاً قبل وصوله سن الثمانين، في الظروف العادية.

وميّز المصدر القضائي بين نوعين من الوكالات في هذه الحالة؛ الاولى "وكالة قضائية دائمة" لكل أعمال المُوكّل عنه، وتحتاج إلى إذن من القاضي لكل اجراء يقوم به، أما الثانية فهي "مؤقتة" وتختص بعمل محدد وينتهي مفعولها مع انتهاء هذا العمل.

ويحدد القانون السوري الفارق بين الغائب والمفقود، بحسب مراسل "المدن" فادي خوري. فالغائب هو من تأكدت حياته بشهادة آخرين، ولكنه مجهول العنوان والإقامة، أما المفقود فهو من لا يمكن الجزم بمصيره، ولا يمكن معرفة حياته من مماته. وفيما تشترط وكالة الغائب لإعطائها مرور سنة بعد تعذر التواصل معه، يجوز إعطاء وكالة المفقود من دون شرط انقضاء السنة.

واعتبر المصدر القضائي، أن المتواجدين في الأماكن "الساخنة"، ويتعذر عليهم الخروج منها لسبب او آخر، هم بحكم الغائب، ويجوز التوكل عنهم من القريب أو الصديق لتسيير أمورهم بما فيه مصلحة لهم وللغير، ويجوز قبض رواتبهم بالوكالة، وبالأخص المتقاعدين منهم.

إجرائياً، يتم تعيين الوكيل القضائي عن المفقود عن طريق طلب مقدم من ذويه إلى القاضي الشرعي للحصول على الوكالة، ويرفق بالطلب ضبط شرطة حول الموضوع إذا كان المفقود مدنياً، فيما يحتاج أهل العسكري المفقود إلى قرار من لجنة مختصة بشؤون المفقودين من وزارة الدفاع أو الامن الداخلي. ويحتاج مقدم طلب الوكالة إلى وثيقة "غير محكوم" وبيان عائلي لإثبات صلة القرابة مع المفقود، بالإضافة الى وثيقة من المختار مع شاهدين تثبت أهلية طالب الوكالة.

ورغم بساطة الاجراءات للحصول على الوكالات المطلوبة، كما يبدو، إلا أن التعقيدات الأمنية والإدارية والبيروقراطية تجعل من كل خطوة او ورقة مطلوبة مصيدة للابتزاز والرشاوى، بالإضافة للضرائب الرسمية المفروضة على الوكالات. وفي كثير من الأحيان، لا يعني الحصول على الوكالة تحقيق الأهداف المرجوة منها، اذ يجد الوكيل نفسه أمام تعقيدات جديدة واشتراطات لا تنتهي. الحصول على الوكالة ليس إلا خطوة في طريق طويل.

وفيما يتقصد النظام نشر هذه الاخبار وترويجها بصيغة تسهيلات مقدمة من قبله، فإنه  يهدف إلى أبعد من ذلك. تحويل المُغيّب الى غائب، بما يحمل مدلولاً إرادياً، وتحويل قضية المفقودين والمغيبين قسرياً في سجونه من قضية سياسية وانسانية إلى قضية  إجرائية أو فردية ذات طابع تقني تخص ذويهم. بهذا الاعلان  يتخفف النظام من عبء المساءلة عن مصير المفقودين، أو حتى إشهار وفاتهم من قبله، متجنباً الضجة التي حصلت قبل شهور بعد إرساله آلاف الاسماء الى النفوس لتثبيت وفاتها.

وتعتبر قضية الغائبين والمفقودين قسرياً واحدة من أقسى القضايا وأشدها تعقيداً، وما تزال من القضايا العالقة التي تترك آثارها المدمرة على عشرات آلاف العائلات. الشبكة السورية لحقوق الانسان أعلنت عن توثيق 95 ألف مفقود ومغيب قسرياً في سوريا منذ العام 2011 يتحمل النظام مسؤولية العدد الأكبر منهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024