إدلب: تصعيد روسي لتحصيل مكاسب شرقي الفرات؟

عبيدة الحموي

الإثنين 2019/02/18
تشهد مناطق المعارضة في إدلب وحماة وحلب، تصعيداً هو الأعنف منذ اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، الموقع بين تركيا وروسيا في سوتشي نهاية العام 2018. ويبدو أن روسيا، بعد ترتيب الجبهات مع مناطق المعارضة في حماة وإدلب، تسعى إلى تحقيق غايات جديدة بعيداً عن إدلب، رغم التوافق الذي حدث في سوتشي قبل أيام بين رعاة أستانة.

في كل مرة كانت مليشيات النظام، بدعم إيراني، تُصعّد عسكرياً ضد مناطق المعارضة، كانت روسيا تضغط على النظام لوقف القصف. إلا أن القوات الروسية استعدت هذه المرة لهذا التصعيد؛ فأعادت تمركز قواتها بعيداً عن خطوط التماس مع فصائل المعارضة، واستقدمت تعزيزات عسكرية موالية لها، ونفذّت تغييرات في التشكيلات العسكرية على خطوط التماس مع المعارضة، خاصة في ريف حماة الغربي. إذ سيطر "الفيلق الخامس" المدعوم روسياً، على معظم خط التماس في حماة الغربي، مع فصائل المعارضة، بعد تحييد "الفرقة الرابعة". وبات تواجد الإيرانيين يقتصر على مرآب بالقرب من قرية العشارنة.

مصدر خاص، قال لـ"المدن"، إن القوات الروسية أعدت معسكرات تدريبية في محيط مناطق المعارضة. ويقتصر تواجد الروس في معسكر الترابيع، على المدربين والمستشارين، في حين تحول مطار حماة العسكرية إلى قاعدة روسية للقوات البرية. وأحاطت القوات الروسية نقاطها في أرياف حماة وإدلب، بمليشيات موالية لها، تأتمر بأمرها.

ويشير ذلك، بحسب مصدر "المدن"، إلى أن التصعيد الذي تشهده مناطق المعارضة هو بأمر روسي. وأضاف المصدر أن القرى التي هُجّر أهلها في محيط مناطق المعارضة، تستخدمها المليشيات المُستقدمة حديثاً كمعسكرات ومساكن لها، كقرية الشيخ حديد والجلمة. وأبرز المليشيات التي استقدمت إلى المنطقة هي "الفيلق الخامس" و"الفرقة التاسعة" و"الفرقة 11"، ومليشيا "النمر" لسهيل الحسن، وجميع هذه القوات تأتمر بالأمر الروسي مباشرة.

كلام بشار الأسد، الأحد، تضمّن هجوماً حاداً على تركيا، وربط الوضع في إدلب بالوضع شرقي الفرات، وقال: "لم يبق لديهم سوى إدلب وبعض المناطق التي فيها مجموعات تقاتل لصالح الأميركي.. هنا أصبح دور التركي ضرورياً وأساسياً من أجل خلط الأوراق لكن بالنسبة لنا بغض النظر عن هذه المخططات فأي أرض أو شبر من سوريا سيحرر وأي متدخل هو عدو وأي محتل سنتعامل معه كعدو.. هذا ليس رأياً سياسياً هذا رأي وطني.. هذه بديهية وطنية غير خاضعة للنقاش وهي ليست رأي دولة.. هذا موضوع محسوم".

القائد العام لـ"حركة تحرير الوطن" العقيد فاتح حسون، استبعد في حديثه لـ"المدن"، قيام النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بأي بعملية عسكرية في الوقت الحالي، رابطاً الاحداث بالاجتماع الأخير في سوتشي، وقال: "على الرغم من أن العملية السياسية والانسحاب الأميركي من سوريا كانا من المواضيع الأساسية في قمة سوتشي الأخيرة، إلا أنه من الممكن القول إن هذه القمة سحبت فتيل الأزمة التي أحدثتها هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب، واستطاعت تركيا من خلالها أن تنجح بمنع تنفيذ عملية عسكرية شاملة فيها كانت ستؤدي لمزيد من القتل والتهجير". لكن هذا، لا يعني بحسب حسون، "عدم التصعيد في بعض المناطق التي ترى روسيا أنها يجب أن تكون منزوعة السلاح".

واعتبر حسون، أن أحد أسباب التصعيد هو محاولة روسية للضغط على تركيا وأميركا، لتحصيل مكاسب شرقي الفرات، مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي. وتوقع حسون مزيداً من التصعيد، وقال: "على الجانب الآخر هنالك إشارات بأن هذا بالنسبة لروسيا مرتبط بمنطقة شرق الفرات، والمصالح التي يمكن أن تحققها روسيا بعد الانسحاب الأميركي منها. وما دام لا يوجد هناك من يعطي روسيا أي دور شرقي الفرات فسنرى ازدياد ضغطها من خلال القصف المستمر على إدلب التي تمنع تركيا والولايات المتحدة أي عملية واسعة فيها، خاصة أن نقاط المراقبة التركية ما زالت تزيد من قواها ووسائطها".

تصعيد النظام دفع بفصائل المعارضة للرد، فاستهدفت مواقع قوات النظام المتمركزة في معسكر جورين وسلحب ومحيط محردة بريف حماة الغربي. كما استهدفت المعارضة قوات النظام المتمركزة في جبل زين العابدين بريف حماة الشمالي. وامتد الرد ليشمل مواقع للنظام على جبهات اللاذقية وحلب، إذ تم استهداف منطقة الوضيحي بريف حلب الجنوبي، ومواقع لقوات النظام في البيضا ومحيط سقوبين والقرداحة على جبهة اللاذقية. واستخدمت المعارضة في ردها المدفعية الثقيلة وصواريخ الغراد. وشارك في القصف "الجبهة الوطنية للتحرير" و"جيش العزة" و"هيئة تحرير الشام". ورفعت فصائل المعارضة جاهزيتها على كافة الجبهات مع قوات النظام.

الناطق الرسمي باسم "جيش العزة" النقيب مصطفى معراتي، قال لـ"لمدن"، إن الاستعدادات لمواجهة النظام قائمة ولن تتوقف، لأن مليشيات النظام، ومن خلفها روسيا وإيران، لا عهد ولا أمان لها. وأشار إلى إن هجوماً محتملاً لقوات النظام وحلفائه، لن يكون "مجرد نزهة". وأوضح معراتي، أن النظام يستهدف المدنيين في الخطوط الخلفية لأنهم حاضنة الثورة في محاولة للتأثير عليهم.

وتزامن مع التحرك العسكري من قبل فصائل المعارضة، تحرّك مدني للضغط على نقاط المراقبة التركية لوقف القصف، باعتبارها الضامن من جهة المعارضة. وزار وفد من وجهاء سهل الغاب بريف حماة الغربي النقطة التركية في شير مغار، للوقوف على الوضع الحالي.

وقال أعضاء من الوفد لـ"المدن"، إن المسؤولين الأتراك في نقطة شير مغار أبلغوهم بوجود اتصالات مستمرة بين الروس والاتراك لمعالجة مسألة الخروق المتكررة. ورجح الاتراك أن الأمور تسير نحو الأفضل مستبعدين قيام النظام بعملية عسكرية برية لاجتياح المنطقة أو قصفها من قبل الطائرات طالما أن نقاط المراقبة موجودة، ونفى المسؤولون الاتراك الأخبار عن انسحابهم، رابطين وجودهم في المنطقة بإيجاد حل نهائي للوضع في سوريا يعيد إليها الأمان والاستقرار.

ويجري حالياً تشكيل وفد ثانٍ يشمل وجهاء وأعيان من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، للاجتماع مع المسؤولين الاتراك في نقطة مورك، لوقف القصف على بلدات وقرى ريف إدلب وحماة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024