محمد مرسي.. مراجعة عابرة في يوم الحزن

موفق نيربية

الخميس 2019/06/20
كانت وفاة الرئىس المصري السابق محمد مرسي في جلسة محاكمته مفاجأة محزنة لكثيرين من المصريين وأنصار حقوق الإنسان في العالم، ومزعجة بالطبع للسلطات المصرية العسكرية تضيف إلى أعبائها العادية أعباءً لا تمتلك الكفاءة للقيام بها، بحيث لم تسمح مثلاً بتداول الخبر إلا في زوايا داخلية صغيرة جداً في الصحف، وعلى شكل رد فعل عصبي غير مدروس في بعض محطات التلفزيون.

وكانت السلطة الحالية قد ابتدأت صلاحياتها عن طريق انقلاب، وبيان يقول إن القوات المسلحة قد استشعرت "انطلاقاً من رؤيتها الثاقبة أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم، وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته"، ولذلك قامت بتعطيل الدستور مؤقتاً… كما وجهت القوات المسلحة في البيان نفسه التحية للقوات المسلحة وباشرت السلطة والحكم.

وعلى الرغم من الحزن والمرارة، بل الغضب أيضاً من هكذا مصير للرئيس الوحيد المنتخب ديموقراطياً في تاريخ مصر، إلا أن مراجعة سريعة لما حدث، ولتقليب الأمر وتحديد المسؤوليات ربما تكون مفيدة لنا جميعاً، نحن الذين نتمسك بظلال الربيع العربي، بعد فشلنا في التمسك به بذاته.

أقيمت الجولة الأولى من الإنتخابات يومي 23 و24 أيار/مايو من عام 2012، وأقيمت الجولة الثانية يومي 16 و17حزيران/ يونيو. وكانت نسبة التصويت العامة 46.4 في المئة، وذلك أمر لافت. في الجولة الأولى حصل محمد مرسي على 24.8 في المئة، وأحمد شفيق على 23.7 في المئة، وحمدين صباحي على 20.7 في المئة، وعبد المنعم أبو الفتوح على 17.5 في المئة، وعمرو موسى على 11.1 في المئة. وهذا يعني أن "المدنيين" أو "العلمانيين" الثلاثة قد حصدوا ما يقارب 55.5 في المئة من الأصوات الفعلية. إلا أن الجولة الثانية بين الناجحين الأولين أعطت محمد مرسي نسبة 51.7 في المئة، ففاز عن جدارة وحق.

وكان الرئيس الراحل مرشحاً كاحتياطي لمرشح الإخوان الرئيس خيرت الشاطر، الذي قيل لاحقاً من قبل بعض المنشقين إنه كان الحاكم الحقيقي من وراء ستار، لتغطية بساطة الراحل وقلة خبرته.

في يوم الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012،  أصدر محمد مرسي "إعلاناً دستورياً" قام من خلاله بتوسيع صلاحياته بشكل كبير، وأعطى لنفسه حق اتخاذ اي تدابير او قرارات "لحماية الثورة" على النحو الذي ينظمه القانون. كما حصن الاعلان الدستوري الجديد الاعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة من الرئيس حتى نفاذ الدستور بجعلها نهائية ونافذة ولا يجوز الطعن عليها، كما جاء في ديباجة الاعلان الدستوري المذكور "أن ثورة 25 يناير 2011 حملت رئيس الجمهورية مسؤولية تحقيق أهدافها خاصة هدم بنية النظام البائد وإقصاء رموزه والقضاء على أدواته في الدولة والمجتمع والقضاء على الفساء واقتلاع بذوره وملاحقة المتورطين فيه وتطهير مؤسسات الدولة". فبسمل كثير من المصريين، وحوقل وتعوذ، مما يمكن أن يعنيه ذلك من تحول محتمل باتجاه المزيد من الانفراد والإقصاء، أو ربما القمع أيضاً.

في الوقت نفسه، كانت العملية الدستورية التي يُفترض أن ينتج عنها دستور حديث ديموقراطي، تسير على مسار وعر تعتوره الشبهات أيضاً، في بلادٍ في الشرق لا تستطيع الحياة من دون شرط التوافق والرضا. فقد تم تشكيل اللجنة الدستورية أو "الجمعية التأسيسية" من أغلبية إسلامية تستند إلى أغلبية في البرلمان، وسارت النقاشات على شكل أعطى "الأغلبية" دوراً كبيراً في الصياغة والتمرير، حتى لجأت الأقلية "المدنية" أخيراً إلى الانسحاب من العملية كلها، وصدر رغم ذلك مشروع الدستور، بروح إسلامية قوية لا تخفى، وبلغة مثلها أيضاً.

جاء في المادة (2) كذلك أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". وفي المادة (3) أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية". وورد في المادة (6) أنه "لا يجوز قيام حزب سياسي على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين"، مما يشكل التفافاً يبيح تشكيل الأحزاب على أساس ديني. كما قالت المادة (219) إن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة"... كأمثلة متفرقة غير جامعة.

وماذا يعني هذا السياق غير ما كان خصوم الإخوان ومرسي والديموقراطية معاً يقولونه من أن تلك "أخونة" للدولة، وأسلمة لها، وتوجه نحو الإمساك بكل خيوط الحكم، وربما وصولاً إلى الديكتاتورية الدينية، حتى ولو ابتدأت، كأغلب الديكتاتوريات، على شكل سمح ووجه متسامح. فابتدأ تجميع المجاميع النافرة المتنافرة، في خيط وحلقة موحدة تبدأ من الاحتجاج الشعبي، وتنتهي إلى الاستعانة بالعسكري وطلب تدخله. لم يكن ممكناً مع كل ذلك التجييش المحتدم بدعم خارجي ثابت، أن يتوقف، وخصوصاً لأن قوى الحرية والديموقراطية كانت ذاهلة ومتباعدة وربما غير مدركة لهول الخيارات المفتوحة باتجاه وحيد: حكم العسكر، الذين ألفوا الأمر وتوارثوه، في جو خارجي "استشراقي" يفضل الاستبداد لنا أولاً وآخراً، ولو مرّ في غرام عابر للتحديث والديموقراطية، لنا أيضاً.

لدينا إذاً معضلتان أحلاهما مرّ: الإخوان والعسكر، ووجودهما على شكل معوّقين، مانع مهم لنهضة بلادنا واستكمال ربيعها، وبيئة ممتازة لنجاح التدخلّات الخارجية. ولن يكون ممكناً انفتاح أبواب الحرية والعدالة والمعاصرة من دون معالجة هاتين العقبتين، وتحييد أثرهما الضار. كما لن يكون ممكناً أيضاً مواجهة هاتين المعضلتين من دون سياقٍ داخلي، يضغط عليهما حتى تفيئ إلى الحق والصحيح، فيبتعد الجيش عن ممارسة السياسة باسم الوطنية، ويبقى حارساً للشعب وحريته وخياراته، كما يبتعد الإخوان عن ممارسة السياسة أيضاً تحت نظرية "الإسلام هو الحل".

ورغم ذلك، وربما من أجله، ولكونه رئيساً منتخباً تمت إزاحته بالقوة العسكرية، ولكونه سجيناً سياسياً قضى أثناء محاكمته، وبسبب ظروف اعتقاله المخالفة لأبسط مبادئ حقوق الإنسان.. نحيي روح محمد مرسي، وسوف نذكره دائماً. ولكننا، من جهة أخرى، لن ننسى أن الإخوان والعسكر، مهما بلغت الدماء بينهما، لن يستغني أحدهما عن الآخر!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024