اللاجئون السوريون: العودة مؤجلة..الأسد باع البلد

مصطفى محمد

الأحد 2020/09/20
لا يعوّل السوريون في الخارج على عودة دائمة لبلادهم، خاصة وأن كل المؤشرات تنبىء باستحالة حصول تعافٍ اقتصادي على المدى القريب، في حال تم التوصل إلى حل سياسي.

الحرب وآلتها التي لا زالت دائرة، ورهن اقتصاد البلاد باتفاقيات يسترضي النظام بها حلفاءه، والفرز المجتمعي على أسس لم يعتد عليها السوريون، وضبابية المستقبل، وغيرها من الحسابات، تسببت في نشوء حالة من اليأس لدى الغالبية العظمى، من مستقبل بلادهم.

وينطبق ما سبق، على نتائج استبيان أجراها قسم الدراسات في "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" على عينة من السوريين في تركيا، اطلعت "المدن" على نسخة منها.

ثلث لا يفكر بالعودة مطلقاً

في ردهم على الاستبيان عن سؤال حول مدى رغبتهم بالعودة إلى سوريا، أجاب ثلث أفراد العينة البالغ عددها قرابة 1200، أنهم لا يفكرون بالعودة مطلقاً.

نتائج الاستبيان، أظهرت وجود ترابط عكسي بين مستوى التعليم والتفكير في العودة إلى سوريا، فكلما ارتفع مستوى التعليم، انخفضت نسبة التفكير في العودة، وكذلك تأثراً بالسن، بحيث أن الفئات الأصغر سناً (40 سنة فما دون)، كانت أقل رغبة وتفكيراً في العودة، مقارنة بمن هم أكبر من 40 سنة، وأن المتزوجين هم الأكثر تفكيراً في العودة، مقارنة بالعازبين.

وأكدت أن تفكيك الأجهزة الأمنية التي تبعث الخوف في نفوس السوريين لا تعني نهاية المشكلة، حيث أكد 47 في المئة من أفراد العينة أنهم لا يوافقون على العودة الدائمة إلى سوريا، مقابل 53 في المئة، قالوا إنهم يوافقون على العودة في هذه الحالة، أما في حال بقاء الأجهزة الأمنية دون تفكيك، فقد ارتفعت نسبة الرافضين للعودة، حتى مع ضمان عدم الاعتقال، إلى 54 في المئة.

في أوروبا الأرقام أكبر

ولم يغب عن بال "مركز حرمون" مدى صعوبة الأوضاع الاقتصادية والقانونية التي يعيشها السوريون في تركيا، حيث جزمت الدراسة بأن نسبة الرفض للعودة الدائمة إلى سوريا ستكون أكبر، في حال تم توجيها للاجئين في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.

في المقابل، توقع المركز أن تكون رغبة اللاجئين السوريين بالعودة في كل من لبنان والأردن أكبر بكثير، موضحاً أن "الرغبة بالعودة، مرتبطة بتوفر شروط العيش الكريم ومصادر الدخل وتأمين التعليم والضمان الصحي والسكن، في بلدان لجوئهم".

الخوف من النموذج العراقي

نتائج الاستبيان، لم تكن مفاجئة للباحث بالشأن الاقتصادي السوري، أدهم قضيماتي، فبرأيه تتجه سوريا لأن تكون نسخة ثانية عن النموذج العراقي.

ويوضح قضيماتي في حديث ل"المدن"، أن "العراق لازال دولة مصدّرة للاجئين، رغم انتهاء الحرب منذ مدة طويلة، بسبب الفشل السياسي والاقتصادي والتركة الثقيلة للحرب والصراعات الطائفية والقومية".

وبالعودة إلى الحالة السورية، يرى الباحث أن الفرص التي تلقفها عدد مقبول من اللاجئين السوريين، في محطاتهم الجديدة، وتركيا واحدة منها "جعلتهم يؤسسون لحياة جديدة في دول يحكمها قانون ولا تحكمها عصابات كما هو الحال في سوريا".

وما يقلّل من حظوظ العودة، كما يرى قضيماتي، استمرار الأسد في بيع المقدرات السورية، موضحاً أن "المشكلة في سوريا لم تعد اليوم محصورة بالأسد، فرحيله لا يعني انتهاء العقود الجائرة التي وقعها مع روسيا وإيران، للبقاء بالحكم".

وأضاف أن "الروس في زيارتهم الأخيرة أمهلوا النظام وقتاً حتى يوقع 40 اتفاقاً جديداً في مجالات استثمارية عدة، وذلك يعني بيع ما تبقى من مقدرات الدولة، وإغراقها بالديون لعقود وعقود، وهذا يعطينا قراءة أولية عن مستقبل البلاد اقتصادياً".

لكن أستاذ إدارة الأعمال في جامعة ماردين التركية، الدكتور عبد الناصر الجاسم يقول إن "إقرار حل سياسي ملائم، من شأنه دفع قسم كبير من اللاجئين إلى تعديل موقفهم من العودة".

وأضاف في حديث ل"المدن"، أن "كل الاتفاقيات التي عقدها ويعقدها النظام، ستكون قابلة للمراجعة، لأن شكل الحل سيتضمن بنوداً حول كيفية التعامل مع اتفاقيات الإذعان التي وقّعها الأسد، وخصوصاً أن القانون الدولي يتيح ذلك، رغم الصعوبات القانونية الكبيرة، التي لا بد منها لإعادة النظر والمراجعة بتلك الاتفاقيات".

ويبدو أن المستقبل غير الواضح للدولة السورية، يجعل النظرة التشاؤمية طاغية لدى غالبية اللاجئين، ما يدفعهم إلى شق طريقهم في المجتمعات الجديدة، على نحو تغيب عنه حسابات العودة، على الأقل مرحلياً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024