السلطة الفلسطينية:التنسيق الأمني مع إسرائيل لم يتوقف..بل إنخفض

أدهم مناصرة

الإثنين 2020/06/01
كشف مصدر أمني فلسطيني ل"المدن"، أنه خلافاً لما أعلنته القيادة السياسية للسلطة في رام الله، فإن التنسيق الأمني لم يتوقف حتى اللحظة، وإنما تم تخفيضه لأدنى مستوى، وتحويله الى الشكل السري.

وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعلن في وقت سابق وقفاً نهائيا للتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة وكامل الاتفاقيات رداً على إعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها تنفيذ خطوة الضم للضفة الغربية وغور الأردن وفرض "السيادة" عليها مطلع الشهر المقبل.

وكشف المصدر أن عمليات الاعتقال الليلية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية لا سيما المصنفة "أ"- خاضعة لسيطرة السلطة وفق تقسيم اتفاق أوسلو- تم استئنافها منتصف الأسبوع الماضي بعدما توقفت لثلاثة أيام في أعقاب إعلان عباس وقف التنسيق الأمني. وقد عادت الاعتقالات نتيجة التنسيق الميداني بين السلطة وإسرائيل.

ودرجت العادة أن ينسحب عناصر الأمن الفلسطينيين من الشوارع خلال اقتحام جيش الاحتلال لمناطق "أ" لمنع الاحتكاك خلال تنفيذ عملية اعتقال أو لداعٍ أمني آخر.

ويبرر ضابط الأمن الفلسطيني هذا التنسيق الميداني بالاضطراري وللمصلحة الفلسطينية أيضا؛ لأن غيابه سيعطي مبرراً للاحتلال للتمادي في المناطق الخاضعة للسلطة وربما إشعال الميدان.

اللافت أن الجهات الأمنية في تل أبيب ترفض الإجابة على سؤال الصحافة الاسرائيلية حيال حقيقة وقف التنسيق او استمراره، إذ تلتزم الصمت التام وفق ما يقول مصدر واسع الاطلاع من فلسطيني 48 ل"المدن".

بيدَ أنّ المصدر يشير إلى امتلاكه معلومة من جهة إسرائيل ومفادها أن "التنسيق الأمني مستمر لكن مستواه انخفض، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تلتزم السرية وترفض التعليق؛ رغبةً منها في عدم إحراج رئيس السلطة محمود عباس بعدما أعلن وقف التنسيق هذه المرة".

ويضيف المصدر "عندما ترى أن بطاقات الشخصيات المهمة (VIP) التي تمنحها إسرائيل لكبار الشخصيات في السلطة الفلسطينية، وال(BMC) لرجال الأعمال قد تم سحبها نهائياً، فإنه حينئذ فقط يكون قد توقف التنسيق.. ودون ذلك، يكون التنسيق مستمراً. حتى ولو أنه يتم تجديد البطاقات كل ثلاثة اشهر، وبطاقات وزراء ومسؤولين لم تُجدّد بعد قرار وقف التنسيق، إلا ان هناك شخصيات عالية المستوى لا تزال تمتلك هذه البطاقة".

وكانت منظمة "التحرير" أعلنت أكثر من مرة  عبر مجلسيها "المركزي" و "الوطني" وقف التنسيق الأمني من منطلق الرد على تنصل إسرائيل من الاتفاق المبرم بين الطرفين وإمعانها في فرض الوقائع الجيوسياسية، وكمحاولة منها لتغيير وظيفتها الأمنية التي أريد لها أن تؤديها حصراً.. لكن هذا لم يحدث، ثم رُوّج للقرار الأخير بأنه حاسم وجدي هذه المرة.

الواقع، في ذروة توتر علاقة السلطة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في السنتين الأخيرتين، ترصد "المدن" أن اجتماعات أمنية ثلاثية قد جمعت أكثر من مرة قيادات أمنية فلسطينية وإسرائيلية وأميركية وكانت تحرص على ارتداء لباس مدني لا عسكري، وفق ما يقول مصدر دولي في القدس المحتلة ل"المدن".

ويوضح المصدر المذكور أن أساس العلاقة بين السلطة من ناحية والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى هو الشق الأمني بالدرجة الاولى، ما يحول دون المساس بهذا الأمر لمصلحة الجميع مهما توترت العلاقة السياسية.

كما أن السلطة تعتبر أن التنسيق الثلاثي مهمٌ للجميع وإثباتاً لجدارتها، فضلاً عن ضمان بقاء الوضع الراهن وقطع الطريق أمام أي جهات بينها حركة "حماس" من السيطرة على الضفة الغربية.. ووفق المعطيات المتوفرة فقد كشفت السلطة خلال السنوات الماضية -بفعل المعلومة الإسرائيلية- العديد من "الخلايا" و"المجموعات" التي كانت تخطط لاغتيال مسؤولين فلسطينيين وتنفيذ عمليات تُربك الساحة.

ولهذا، تفيد جهات مسؤولة ل"المدن"، أن من يحكم البلد فعلياً هو الأمن الفلسطيني.. وأن الأخير هو الذي يقرر كيف يطبق قرار وقف التنسيق وإلى أي درجة، لا الجهات السياسية التي تبني قراراتها الداخلية في أحيان كثيرة بناءً على "توصيات وتقارير أمنية".. وقد تكون قيادات مسؤولة في السلطة تعتقد بالفعل ان التنسيق قد توقف تماماً؛ لأن المعلومة الحقيقية تمتلكها فقط دائرة ضيقة جداً في السلطة، كما تقول المصادر.

وفي الحال الراهن، فهم الأمن الفلسطيني قرار وقف التنسيق ب"التخفيض لا القطع"؛ تحت عنوان "المصلحة العامة" وخاصة في ظل المعركة الخفيّة على خلافة عباس في حال غياب الأخير بشكل مفاجئ لأي سبب كان.

النقطة الأخيرة تقود إلى فهم سياق قرارات السلطة الغاضبة من إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، حيث تسعى السلطة من خلالها إلى المحافظة أمام الرأي العام الفلسطيني على شرعية وجودها واستمراريتها.

المستغرب أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتستر على التنسيق الأمني المستمر رغم قرار عباس بوقفه، كي لا تحرج السلطة أمام الشعب الفلسطيني.. تل أبيب تعتقد أن هذا مهم ما دام يحفظ ماء وجهها أمام الشعب الفلسطيني ويمنع انهيار السلطة ويبقي لها شرعية خاصة في المرحلة "الحساسة"؛ ارتباطاً بالسؤال المركزي "كيف سيكون اليوم التالي لرحيل عباس ومن سيخلفه؟".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024