انتهاء الحرب على "جند الأقصى" لصالح "فتح الشام"

عقيل حسين

الجمعة 2016/10/14
رغم الانتقاد الذي وجهته "جبهة فتح الشام" لكلمته، يمكن القول إن ظهور قائد حركة "أحرار الشام الإسلامية" في خطاب مسجل تم بثه مساء الأربعاء، كان بمثابة إعلان انتهاء المعركة رسمياً مع "لواء جند الأقصى" عقب انضمامه إلى "فتح الشام".

وبعد أسبوع من المواجهات بين "أحرار الشام" وفصائل أخرى من جهة، و"جند الأقصى" من جهة ثانية، ظهر المهندس مهند المصري "أبو يحيى الحموي"، القائد العام لـ"أحرار الشام" في تسجيل مصور أعلن فيه انتهاء المواجهات، بعد مشاورات بين الحركة والفصائل التي قدمت الدعم لها ضد "الجند". وذلك عقب استكمال عملية انضمام "جند الأقصى" إلى "جبهة فتح الشام" وإطلاقها سراح أكثر من مئة وثلاثين من عناصر "الأحرار" ممن كانوا محتجزين لديها.

وعلى عكس العنوان الضمني للكلمة؛ "انتهاء الحرب"، فقد جاءت تفاصيلها شديدة اللهجة، حيث هدد المصري لواء "جند الأقصى" برد قاس في حال لم يلتزم ببنود البيعة التي قدمها لجبهة "فتح الشام"، وهي بيعة قبلتها الجبهة بشروط، يأتي على رأسها الالتزام بقرارات المحكمة التي شكلت للنظر في القضايا المرفوعة ضد اللواء، وتسليم المتورطين من عناصره بعد تفكيكه بشكل كامل، لضمان تذويبه في الجبهة وعدم السماح بتكتله داخلها. وهدد المصري بأن الحركة لن تتوانى عن مواجهة أي عودة جديدة للواء وبكل قوة.

قائد "أحرار الشام" ذكّر بالأسباب التي دعت إلى إعلان الحرب على "جند الأقصى" الذي وصفه بالـ"جرثومة الخبيثة"، وأنه ضم "شرذمة من الأنجاس" الذين حوّلوا مقراتهم إلى بؤرة يقصدها "عناصر الخوارج" بينهم أمنيون تابعون لتنظيم "داعش"، بغية اختراق الفصائل وتنفيذ عمليات انتحارية واغتيالات.

لكن المتحدث باسم جبهة "فتح الشام" حسام الشافعي، انتقد خطاب المصري، مؤكداً أنه تم القبول ببيعة "جند الأقصى" للجبهة بعد الاتفاق على شروط، أهمها "قبولهم بالمحكمة الشرعية، وتسليم المتورطين، وتقديم من تثبت عليه تهمة الخوارج للمحكمة، وتبني السياسة العامة للجبهة".

واستغرب الشافعي الأوصاف التي نعت بها قائد "أحرار الشام" لواءَ "جند الأقصى"، وقال في سلسلة تغريدات له على موقع تويتر بعد بث كلمة المصري: "إننا لم نقبل بيعة شرذمة نجسة، بل مجاهدين أطهار سمع الجميع بصولاتهم في معركة تحرير إدلب، ومعركة الفوعة الشهيرة، ومعركة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، وما فتح الله عليهم في حماة مؤخراً ليس بخاف على أحد".

ويتسق هذا الرد مع موقف جمهور التيار السلفي الجهادي، الذي ينتمى إليه لواء "جند الأقصى"، والذي انتقد بشدة الهجوم على اللواء، على الرغم من أن توتراً شبه دائم طبع العلاقة بين "الجند" من جهة، وجبهة "فتح الشام" والمنظرين البارزين للتيار من جهة أخرى. وشهد العام 2016 محطات بارزة على هذا الصعيد.

نهاية العام 2015، بعد إعلان "جند الأقصى" انسحابه من "جيش الفتح"، سعت المرجعيات الجهادية المعروفة بدعمها لتنظيم "القاعدة"، إلى ضم اللواء لـ"جبهة النصرة" قبل فك الارتباط وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام". لكن هذه المساعي فشلت بسبب موقف "الجند" الرافض قتال تنظيم "الدولة الإسلامية".

وفي شباط/فبراير 2016، أعلن العشرات من كوادر "جند الأقصى" انشقاقهم والانضمام إلى "النصرة"، الأمر الذي تسبب بسجالات واسعة بين الجانبين، حيث اتهمت قيادة اللواء كل من "جبهة النصرة" ومرجعيات التيار السلفي لجهادي المعادية لتنظيم "الدولة"، بالعمل على بث الخلافات داخل اللواء وشق صفه، من أجل اجباره على الانضمام للجبهة.

تلك الاتهامات ردت عليها بعض الشخصيات التي قادت هذه المساعي، حيث وصف عبد الكريم الغربي، وهو من كوادر "القاعدة"، تم تعيينه مندوباً عن المرجعيات الجهادية التي تدخلت في القضية وقتها، وصف قيادة "لواء جند الأقصى" ممثلة بالقائد العسكري أبو ذر الجزراوي، والمسؤول المالي أبو أحمد القطري، بـ"الانحراف والفساد"، ما أدى إلى اختراق "جند الأقصى" من قبل "الغلاة" والمخابرات أيضاً، حسب قوله.

وبينما التزمت قيادة الجبهة الصمت حينها، اتهم الناشط الجهادي محمود كلّم، المقرب من الشيخين أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي، لواء "جند الأقصى" بالتقصير في المشاركة في العمليات القتالية، وسعي قيادته لعرقلة عمل "اللجنة الشرعية" في اللواء، وصولاً إلى إيقاف أعمالها بشكل رسمي، وذلك بسبب ما قال إنه "نشاط اللجنة في مواجهة فكر الغلو المنتشر داخل اللواء، بالإضافة إلى رغبة قيادته بالاستئثار بالسلطة والدعم، استجابة لإملاءات الممول".

الطرفان في النهاية تمكنا من تجاوز هذا الخلاف، قبل أن يتجدد التوتر بين لواء "جند الأقصى" و"فتح الشام" مرتين خلال الصيف الماضي، الذي كان ساخناً جداً بينهما، حيث شهدت مناطق ريف حماة حادثتين كادتا أن تتسببا بمواجهات، إلا أنه تم احتواؤهما لصالح الجبهة.

في حزيران/يونيو 2016، قام "قاطع البادية" التابع للجبهة، والذي يتمتع فيه عضو مجلس قيادتها، العراقي أبو ماريا القحطاني بنفوذ واسع، بفرض إغلاق مقرات عسكرية لـ"جند الأقصى" في منطقتي الشيحة وقصر ابن وردان في ريف حماة الشرقي، بسبب المخاوف من أن يسمح ذلك بوضع اللواء على تماس شبه مباشر مع مناطق سيطرة تنظيم "الدولة". وهو أمر طالما اتهم "جند الأقصى" بالسعي له، من أجل التمهيد لإدخال التنظيم إلى مناطق سيطرة المعارضة، أو على الأقل فتح طريق أكثر سهولة بين المنطقتين، بما يسمح بعبور مقاتلي التنظيم إلى هذه المناطق، وتنفيذ عمليات أمنية ضد الفصائل فيها.

ويتألف "قاطع البادية" من تكتل عشائري يقوده مقاتلو عشيرة الشعيطات الذين غادروا محافظة ديرالزور بعد سيطرة تنظيم "داعش" عليها، وتنفيذه مذبحة بحق المئات من أبناء العشيرة عام 2014.

وفي تموز/يوليو أوقف "قطاع البادية" معركة كان يعد لها لواء "جند الأقصى" ضد قوات النظام في ريف حماة الشرقي، واحتجز أسلحة ومقاتلين تابعين له، بسبب تخوفهم من أهداف هذه المعركة، التي قالوا إنها جاءت بتنسيق مع تنظيم "الدولة" في المنطقة.

وبسبب كل هذا وغيره، كان انتقاد الكثيرين للحياد الذي أعلنته "جبهة فتح الشام" من الحرب التي شنتها حركة "أحرار الشام" على لواء "جند الأقصى" أخيراً، وهو موقف اعتبره أنصار الجبهة بأنه كان الخيار الأفضل، وأنه لولاه لكانت دماء مقاتلي الطرفين ظلت تسيل بلا طائل، في وقت عصيب على جميع الفصائل ولا يخدم سوى النظام وحلفائه.

تفسير عبّر عنه بوضوح صريح المتحدث باسم "فتح الشام" حسام الشافعي، الذي قال إن موقف الجبهة جاء "ليأخذ القضاء مجراه بعيداً عن التشويش والتخويف أو التصعيد الذي يوغر الصدور، فنعود من خلاله للمربع الأول لحرب طويلة ‏لا يمكن أن يحسمها أحد الأطراف، ويخرج الأمر من دائرة العقلاء، ليستلم مصير الساحة مجموعة من أصوات المغامرين تحلق خلفهم أمنيات الحالمين".

لكن هذه التعليقات قوبلت بمن رأى أن الأحلام الحقيقية، هي التي صاغت موقف "فتح الشام" من هذه المسألة، وهي أحلام تحقق بعضها بالفعل، بينما لن يكون بعضها الآخر مضموناً.

وحسب هؤلاء، فقد كانت الجبهة المستفيد الأول من هذه الحرب، التي حققت لها الهدف الذي سعت نحوه دائماً، وهو ضم لواء "جند الأقصى" إليها، ما يشكل مكسباً مادياً كبيراً بالفعل، حيث يمتلك اللواء أسلحة لا يستهان بها، إلى جانب ما لا يقل عن 800 مقاتل معروفين بتمرسهم وشدة بأسهم، الأمر الذي سيشكل إضافة كبيرة للجبهة.

لكن هذا المكسب يحيط به تهديد خطير لن يكون من السهل احتواؤه، ويتمثل بالسؤال المطروح حول إمكان السيطرة على الجناح الأكثر تطرفاً في "جند الأقصى"، والذي تتفق الجبهة مع الجميع على وجوده وبقوة داخل اللواء، مع ما يشكله ذلك من مخاطر تقع عليها بالدرجة الأولى. على الرغم من أن قيادة "فتح الشام" والمناصرين لها، يرون أن الجبهة قادرة على احتواء هذه الحالة ومعالجتها، وهو حلم يقول الآخرون إنه لن يتحقق بسهولة كما تحقق الأول.

ما بين الاتهامات الموجهة لجبهة "فتح الشام" بالتعامل مع هذه القضية ببراغماتية، قدمت فيها مصلحتها الخاصة ومصلحة تيارها على المصلحة المشتركة لحلفائها من الفصائل الأخرى، وبين رد الجبهة الذي يقول إن تدخلها كان الخيار الأفضل لكل الأطراف، رغم ما يلقيه عليها ذلك من مسؤولية وتبعات، يرى المراقبون أن أهم ما تحقق بالفعل حتى الآن، هو انتهاء وجود لواء "جند الأقصى" الذي طالما شكل صداعاً مزعجاً لجميع الفصائل، بما في ذلك جبهة "فتح الشام" نفسها. أما ما تبقى فلن يعدو أن يكون مجرد تفاصيل، ستضيع مثل غيرها، في زحمة الأحداث.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024