النظام السوري يضبط تجارة المخدرات: أوهام وحقائق

المدن - عرب وعالم

الثلاثاء 2020/05/19
منذ مطلع هذا العام، لا يكاد يمر يوم من دون أن تعلن وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري مصادرة كميات من المواد المخدرة أو الحشيش، ومن وقت لآخر تكشف الوزارة عن عمليات نوعية بهذا الصدد، تتعلق بكميات ضخمة يثير الحديث عنها تساؤلات وشكوك، خاصة وأن الوزارة لا تفصح عن مصدر هذه المواد أو عن نتائج التحقيق، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن هذه التجارة لا يمكن لأشخاص عاديين أن يقفوا خلفها.

دعاية داخلية
آخر العمليات النوعية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية كانت في 17 أيار/مايو، حيث نجح قسم مكافحة المخدرات، حسبما أعلنت الوزارة في صفحتها على الفيسبوك، بمصادرة نحو 800 كيلو من مادة الحشيش في ريف حمص.

كمية يثير الحديث عنها الفضول، ليس فقط بالنظر إلى ضخامتها، بل والأهم أن مثل هذه الكمية لا يمكن إلا أن تقف خلف انتاجها أو تسويقها جهة ذات ثقلٍ كافٍ داخل النظام لتمتلك الجرأة من أجل القيام بهذه العملية، الأمر الذي يقود إلى سؤال آخر لا يقل أهمية، وهو: ما الذي دفع النظام لمواجهة هذه الجهة وضرب تجارتها؟

والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي "ينجح" فيها قسم مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية بإحباط عمليات إتجار كبيرة بالحشيش أو غيره من المواد الممنوعة، بل إن آخر عملية بهذا الحجم كانت قبل أسبوعين فقط، عندما أعلنت وزارة الداخلية عن مصادرة أكثر من تسعة ملايين حبة "كبتاغون" في طرطوس، وهو رقم كبير جداً بطبيعة الحال.

اللافت في إعلانات داخلية النظام المتكررة تلك أيضاً أنها لا تحدد المنطقة التي جرت فيها الحادثة بدقة، ما يزيد من الشكوك حول صحة هذه المعلومات، حيث يسود اعتقاد لدى الكثيرين أن عدم تحديد المكان، وتجاهل إعلان نتائج التحقيقات، وتكرار الحديث عن هذه العمليات خلال أوقات متقاربة مؤخراً، كلها مؤشرات تؤكد أن ما تتحدث عنه الوزارة مجرد دعاية إعلامية لا أساس لها في الواقع.

تجارة "حزب الله"
يستند أصحاب وجهة النظر هذه على معطيات لها من القوة ما يجعلها مقبولة، فتجارة المخدرات، مثل أي حقل اقتصادي آخر في سوريا، تسيطر عليها جهات ذات ثقل ونفوذ كبير داخل النظام، بل وغالباً هي جزء من النظام ذاته، ولا يستبعد طبعاً أن تكون تجارة المخدرات هي أحد مصادر دخل القوى الرئيسية فيه، ما يجعل الحديث عن التصدي لها أمراً غير متصور.

يضاف إلى ذلك، دخول "حزب الله" اللبناني بقوة إلى سوريا بعد قيادته عملية السيطرة على مدينة القصير في ريف حمص، وما تلاها من انتشار كبير له في المناطق الحدودية مع لبنان، سواء في حمص أو ريف دمشق، حيث انتقلت سوريا، بالنسبة للحزب، من مجرد منطقة عبور لتجارة المواد المخدرة، إلى منطقة زراعة وانتاج.

الناشط وسيم سعد الدين، وهو من ريف حمص، أكد ل"المدن" أن حزب الله بدأ منذ عام 2013 في استثمار مساحات واسعة في المنطقة الحدودية مع لبنان لزراعة مادة الحشيش، وهذه المزارع تعمل بطاقة انتاج كبيرة وبشكل علني تقريباً، وجزء مهم من الانتاج يتم بيعه في السوق المحلية، بعد تفشي ظاهرة تعاطي الحشيش والمواد المخدرة في سوريا، حيث كشفت أرقام صادرة عن القضاء الرسمي عام 2018 أن 60 في المئة من الملفات المنظورة أمام المحاكم والتي تخص فئة الشباب، تتعلق بترويج وتعاطي المواد المخدرة.

ويضيف سعد الدين أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تكتفي دائماً بملاحقة صغار المروجين غير المحميين، بالإضافة إلى بعض المتعاطين بين الحين والآخر، بينما تغضّ النظر، بل وتحمي التجار الكبار، أما الحديث عن عمليات نوعية ومصادرة كميات ضخمة فهو لذر الرماد في العيون وإيهام المواطنين أن الحكومة تكافح هذه الظاهرة بعد أن باتت مثار استهجان وتخوف الجميع.

لكن الناشط سعد الدين لا يستبعد، مثل العديدين، أن يكون للروس دور في التصعيد الأخير ضد تجارة الحشيش التي بات يسيطر عليها "حزب الله" في سوريا، ضمن ما يقال عن صراع النفوذ بين روسيا وإيران، كما أن روسيا تسعى للتقرب أكثر من المواطن العادي، وتعتبر أن تدخلها في هذا الملف سيعزز من صورتها كمدافع عن مصالح الشعب ضد تفشي الظواهر السلبية في الدولة والمجتمع، وهو ما أمكن ملاحظته بوضوح مؤخراً من خلال الحملة الإعلامية ضد الفساد في حكومة النظام، وهي حملة مرتبطة بحسابات سياسية لا علاقة لها بمصلحة الشعب السوري.

دعاية خارجية

الدعاية الخارجية فرضية لم يستبعدها ضابط منشق عن الأمن الجنائي، أكد ل"المدن"، أنه إذا صحت المعلومات التي تتحدث عنها وزارة داخلية النظام بهذا الصدد، فإنه لا يوجد تفسير آخر لها إلا وقوف روسيا خلف عمليات المكافحة الكبيرة هذه، ومع ذلك فهي فرضية ضعيفة.

ويؤكد الضابط، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الجهات الأمنية التابعة للنظام لا تستطيع بأي حال التصدي ل"حزب الله" وشركائه السوريين المحميين من قبله حتى في ملفات أقل خطورة من ملف تجارة المواد المخدرة. ويذكر أنه وقبل أسابيع فقط قتل الحزب أربعة من رجال شرطة النظام في دير الزور لاعتراضهم شحنة دواجن غير قانونية من دون أن يسفر عن ذلك أي شيء، وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة التي تؤكد على ما سبق.

ويضيف "أرى أن ما دأبت وزارة داخلية النظام على نشره مؤخراً بخصوص مصادرة كميات كبيرة من المواد المخدرة هو مجرد دعاية إعلامية ضمن سياق حملة النظام لإظهار جديته في مكافحة الفساد بشكل عام، دون أن نغفل أن هذا التطور لم يأتِ إلا بعد إعلان دول عديدة احباط عمليات كبيرة لتهريب مخدرات من سوريا إلى الخارج، الأمر الذي يجبر النظام في النهاية على السعي لإظهار أنه يعمل ضد هذه الظاهرة بعد أن تحولت إلى فضيحة".

تتفق الأراء في المجمل على أن حديث النظام المتكرر عن تحقيق نجاحات في مكافحة تجارة المواد المخدرة لا يعدو أن يكون جزءاً من الحملة الإعلامية العامة التي أطلقها مؤخراً لإظهار مساعيه في عملية مكافحة الفساد وللتأكيد على أنه ما يزال قادراً على مواجهة الأزمات الخطيرة في سوريا، بعد تحولها إلى دولة فاشلة على مختلف الصعد. هذا الأمر يتطلب تضحيات، لا يعتقد الكثيرون بقدرة النظام أو حتى بتوفر إرادة كافية لديه من أجل تقديمها، في ظل فقدانه الكثير من عوامل القوة لصالح الحلفاء في مناطق سيطرته.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024