حماة:أزمة السكن قاتلة..عائلة بأكملها حاولت الانتحار

يزن شهداوي

السبت 2020/10/17
لم يكن أمام أسرة عبد الله (اسم مستعار) سوى تجربة الانتحار كسبيل للهروب من الفقر والذل الذي وصلوا إليه مع عدد كبير من العائلات السورية، وسط استمرار الحرب للسنة العاشرة على التوالي، وتردي الأوضاع الاقتصادية.

وازدادت معدلات الانتحار في سوريا مؤخراً بسبب الظروف المآساوية التي باتت تعيشها البلاد جراء الانهيار الاقتصادي وغلاء الأسعار وازدياد معدلات الفقروالتسول، في ظل عجز النظام عن دعم الاقتصاد أو زيادة الأجور.

آخر تلك القصص المآساوية وليس نهايتها، كانت لإحدى الأسر في حي جنوب الثكنة في حماة التي حاولت الانتحار ظهر الأربعاء الماضي. تلك العائلة التي وجدت في موتها سبيلاً للخلاص من مرارة العيش والذل الذي وصلت إليه بعد محاولات يائسة في تجاوز مصاعب الحياة في سوريا.

"المدن" استطاعت مقابلة مقربّين من العائلة (رفضوا التصريح عن هويتهم لدواعٍ أمنية)، قالوا بأن العائلة كانت تصارع يوماً بعد آخر غلاء أسعار الإيجارات في حماة، التي كانت تتصاعد ويتلاعب بها المالكون وكأنها أسهم في البورصة.

تنقّلت العائلة بين منزل وآخر أكثر من 6 مرّات خلال هذا العام فقط، وذلك بسبب عدم استطاعتها دفع الإيجارات الشهرية التي كانت تُطلب منها في كل منزل تأوي إليه، حتى وصل إيجار منزلها الأخير إلى مئة ألف ليرة سورية (48 دولار أميركي) وهو ما لم يعد بمقدور رب العائلة تأمينه وهو الذي يعمل في سوق للخضار في حماة وبالكاد يصل مدخوله الشهري إلى 60 ألف ليرة سورية.

فذهبت به خيارات الحياة إلى اليأس. بحث عن أحد أسطح المنازل لشرائه بالتقسيط وبناء غرفة عليه بأبسط مقومات الحياة ومتطلباتها. سابق الزمن قبيل بدء فصل الخريف، ونجح في الحصول على أحد أسطح المنازل في حي جنوب الثكنة غربي حماة بالقرب من مشفى الحكمة بمبلغ زهيد وبالتقسيط.

بدأ رب العائلة على الفور بالعمل على بناء غرفة واحدة بأبسط مقوماتها من مواد الإنشاء والعمار، بعد بيع جميع ما تملك العائلة من أثاث وممتلكات بسيطة، حتى وصل بهم الأمر لبيع مقتنيات زوجته وابنته الصغيرة من الفضة.

لكن دورية شرطة من بلدية حماة قضت على آخر آمل للعائلة. هدمت الدورية الغرفة الصغيرة بالكامل، بذريعة مخالفتها لقوانين البناء المنصوص عليها في محافظة حماة، ومنعته من إعادة إعمارها مجدداً.

ويضيف أقرباء العائلة أن ربّ العائلة وعند رؤيته لهدم المنزل أمام عينيه، ورغم توسله لهم وشرح حالته وما فعله لبناء الغرفة من دون جدوى، ذهب إلى عائلته وقام بإشعال جرّة غاز في الغرفة بنفسه وزوجته وأطفاله.

وبحسب أهالي المنطقة، نجح شبّان من أبناء المنطقة بالعمل على إخماد الحريق وإنقاذ العائلة بشكل فوري ونقلهم إلى المشفى، واقتصرت الأضرار على بعض الحروق.

وقد لاقت محاولة الانتحار هذه صدى كبيرا في مدينة حماة وعموم سوريا وسط استهجان كبير من قبل الأهالي لافتقاد مسؤولي البلدية للرحمة  تجاه توسلات هذه العائلة المعدمة. 

ويوضح شهود أنه "لو كان باستطاعة العائلة دفع الخوّة المطلوبة لمسؤول الهدم في بلدية حماة، لاستطاعت بناء طابقين بدلاً من الغرفة، لكن القوانين تسري على الفقير فقط".

وباتت أخبار الانتحار عادية في محافظة حماة  حيث شهدت حماة أيضاً منذ سبعة أيام محاولة أخرى للإنتحار قامت بها سيدة في حي جنوب الملعب لعدم قدرتها على  تأمين قوت عائلتها بعد مقتل زوجها قبل سنوات. عشرات القصص المآساوية الآخرى باتت ترافق يوميات السوريين، تشرح بتفاصيلها خطورة الوضع.

ويتحدث أبو كريم، وهو تاجر للعقارات والاستثمارات في مدينة حماة، أن شراء العقارات والمنازل في المدينة بات حلماً للعائلات السورية بعد أن وصل سعر المنزل البسيط الذي لا تزيد مساحته عن 50 متراً مربعاً إلى 40 مليون ليرة سورية، بعد أن كان سعره قبيل الثورة السورية لا يتجاوز ال250 ألف ليرة سورية.

أما في الأحياء التي تتوسط حماة فقد وصل سعر المنزل فيها إلى أكثر من مئة مليون ليرة سورية ومنها إلى مئتين، أي ما يعادل راتب 1700 شهر من مرتبات موظفي حكومة النظام إذا ما أدخرّه بأكمله، وبالتالي أصبحت العقارات تباع وتشرى وتستثمر بين أغنياء المدينة فقط.

أما عن الايجارات، فأوضح أبو كريم أن أسعار الإيجارات لم تكن أكثر رحمة بالفقراء وأهالي المدينة من الشراء، فأسعار الإيجارات "الخيالية" حسب تعبيره، التي وصلت إليها مدينة حماة، جعلته هو الأخر حلماً للعائلات وخاصة ما إن كان بالقرب من وسط المدينة أو أحد الأحياء التي قد يكون فيها مستوى المعيشة جيداً.

ووصل سعر الإيجارات في الأحياء القريبة من وسط المدينة إلى 150 ألف ليرة سورية، أما في حي الشريعة فقد وصل سعر الإيجارات إلى 300 ألف ليرة سورية. أما في الأحياء التي تعتبر من الأحياء الراقية في حماة فقد تجاوز سعر الإيجارات فيها ال700 ألف ليرة، في حين لم تقل أسعار الإيجارات في الأحياء الشعبية كحي مشاع الأربعين أو أحياء الحاضر المختلفة عن 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 90 في المئة من مرتب موظف الدولة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024