العراق بين إيران وواشنطن:إما الدولارات أو الكهرباء

المدن - عرب وعالم

الأحد 2020/01/12
حذرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العراق هذا الأسبوع من أنها تخاطر بفقدان الوصول إلى حساب مصرفي حكومي مهم إذا طردت بغداد القوات الأميركية في أعقاب الغارة الجوية الأميركية التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين عراقيين أن وزارة الخارجية حذرت من أن الولايات المتحدة قد تغلق وصول العراق إلى حسابه في البنك المركزي في البلاد الذي يحتفظ به في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ، في خطوة يمكن أن تقوض الاقتصاد العراقي الهش بالفعل.

ويحتفظ العراق، مثله مثل البلدان الأخرى، بحسابات حكومية في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك كجزء مهم من إدارة الشؤون المالية للبلاد، بما في ذلك الإيرادات من مبيعات النفط. ويمكن أن يؤدي فقدان الوصول إلى الحسابات إلى تقييد استخدام العراق لتلك الإيرادات، وخلق أزمة نقدية في النظام المالي للعراق وتقييد موارده الحيوية للاقتصاد.

وصوّت البرلمان العراقي الأحد الماضي على حث رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على العمل من أجل طرد حوالي 5300 جندي أميركي. ورداً على القرار غير الملزم، الذي أيده رئيس الوزراء، هدد ترامب بفرض عقوبات على العراق إذا أُجبرت الولايات المتحدة على سحب قواتها.

وطالب عبد المهدي من الولايات المتحدة الموافقة على إجراء محادثات للتخطيط الآمن لانسحاب القوات الأميركية. لكن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو قال إن الولايات المتحدة ستواصل حملتها في العراق ضد الجماعات المتطرفة.

صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إن العراق بين شقي الرحى في ظل احتدام التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. وأوضحت أن أي انسحاب أميركي هو خطوة "يرى بعض المسؤولين العراقيين أنها ستكون وبالاً على العراق".

ونقلت عن مسؤولين عراقيين بارزين ودبلوماسيين وباحثين أن العراق قد يُجبر على الارتماء في أحضان إيران مما سيحرمه من الدولارات الأميركية ويعزله عن الغرب. على أن ما يدعو للقلق حتى بالنسبة لإيران أن ثمة خطراً من عودة تنظيم "داعش" مجدداً إذا لم يشارك الأميركيون في محاربته.

ويقول مسؤول عراقي آخر ودبلوماسي غربي كبير إنه في حالة جلاء الأميركيين فإن الجنود الأوروبيين وقوات التحالف الأخرى سيحذون حذوهم لأنهم يعتمدون على دعمهم اللوجستي والفني.

ولن تكون العقوبات الاقتصادية التي توعد ترامب بفرضها على بغداد عقاباً للعراق وحده بل ستطال تأثيراتها إيران أيضا نظرا لأن اقتصادي البلدين "متشابكان بشكل وثيق". وفي حال إجبار القوات الأميركية على الانسحاب، فإن العراق -وفقا ل"نيويورك تايمز"- يغامر بحرمانه من المصدر الرئيسي الذي يغذيه بالدولارات لاحتمال تجميد حسابه لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك.

وتشير الصحيفة إلى أن إيرادات العراق من مبيعات النفط مودعة في ذلك البنك، ودرجت الحكومة على السحب منها لدفع رواتب الموظفين وسداد التزاماتها التعاقدية الأخرى. وقد تلجأ الولايات المتحدة أيضا لإلغاء الإعفاءات التي تتيح للعراق شراء الغاز الإيراني الذي تعتمد عليه الدولة في تشغيل مولدات الكهرباء بالجنوب، وفي توفير ما لا يقل عن 35% من إمدادات الطاقة اللازمة لعموم البلاد.

وربما يسعى العراق لإيجاد مصدر آخر للعملة الصعبة، إلا أن الصعوبة بمكان العثور عليه خلال مدة وجيزة. أما الخيار الآخر أمام الحكومة العراقية والمتمثل في احتمال تدبرها أمور الدولة بقدر قليل من الطاقة الكهربائية، فإنه قد يذكي الاضطرابات بالجنوب حالما ترتفع درجات الحرارة مما سينجم عنه نقص في إمدادات الكهرباء على نحو ما حدث عام 2018.

ويبدو عبد المهدي مستعداً حتى الآن لمواجهة تلك التداعيات المحتملة. وإذا كانت لديه أي نوايا لحلول توفيقية، فإنه ظل يحتفظ بها لنفسه ربما خوفاً من المناخ السياسي المعادي لأميركا السائد في بلاده.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024