الاخطاء الأميركية في سوريا..تجعل بوتين قائداً ل"محور المقاومة"

المدن - عرب وعالم

الخميس 2020/05/28
عكست سلسلة التقارير والتصريحات الأخيرة المتعلقة بالسياسة الخارجية الروسية في سوريا وتداعياتها على النظام السوري، انخراطاً روسياً خبيثاً في المنطقة ورغبة أميركية في جعل سوريا "مستنقعاً للروس"، الى جانب ميل لدى موسكو للتخلص من عميلها "سيئ السمعة" بشار الأسد.

ويرى موقع "ناشونال انترست" الأميركي في مقال بعنوان "لماذا أخطأت أميركا في فهم دور روسيا في سوريا"، أن هذه القراءة للخريطة السياسية للشرق الأوسط والسياسة الروسية في سوريا تشوبها افتراضات خاطئة مشابهة لتلك التي توقعت انهيار النظام السوري خلال الأشهر الأولى من الثورة السورية.

هذه "الافتراضات الخاطئة"، بحسب الموقع، هي نتاج معرفة قاصرة لسياسة سوريا وتاريخها وثقافتها إلى جانب فهم ساذج" لسياسات الشرق الأوسط الروسية والتي تجعل السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على المغالطات أكثر من الاستراتيجية البناءة.

في مقال في صحيفة "واشنطن بوست"، كتب ديفيد إغناتيوس أن "روسيا تحرز تقدماً مضطرداً في ما وصفته المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورجان أورتاجوس بأنه مشاركتها الخبيثة في الشرق الأوسط". 

عرّف إغناتيوس، الذي أعاد تأكيد وجهة نظر وزارة الخارجية بشأن الكرملين بأنه يستخدم القوة العسكرية، والوكلاء والتضليل لتوسيع نفوذه عبر البحر الأبيض المتوسط، الدبلوماسية الروسية بشكل مجاز على أنها "دبلوماسية حقيرة" تتغذى على جثث دول الشرق الأوسط المكسورة. 

وقال الممثل الخاص للولايات المتحدة في سوريا جيمس جيفري: "هذه ليست أفغانستان، هذه ليست فيتنام.. هذه ليست مستنقعاً. وظيفتي هي جعلها مستنقع بالنسبة للروس". يُعرف جيفري أيضاً بتأييده بقاء القوات الأميركية في سوريا لضمان مغادرة القوات الإيرانية.

وبالتوازي مع هذه الآراء، صاغ جيريمي هودج مقالاً في صحيفة "ديلي بيست"، جادل فيه بأن روسيا تميل الآن إلى التخلص من "عميلها سيئ السمعة" الأسد ، نظراً ل"وحشيته وفساده" الذي يقاوم حتى إنشاء شبه دولة فاعلة.

ويقول مقال "ناشونال انترست": "لا شك في أن رسم السياسة الروسية في سوريا وسياسة القصر السوري بفرشاة وزارة الخارجية الأميركية والصحافيين مثل هودج، هو إغراء للعين الساذجة. لكنها كارثية على العين الثاقبة.. هذا لا يعني أن وزارة الخارجية وهودج مخطئون تماماً في وصفهما للسياسة الروسية والنظام السوري. ومع ذلك، فهم مخطئون في تشكيل صورة غير مكتملة وغير كافية للديناميات الروسية والسورية، مما قد يجرّ إلى خطأ فادح آخر في السياسة الخارجية الأميركية".

وزارة الخارجية محقة في القول إن روسيا تستخدم القوة العسكرية والوكلاء والتضليل لتوسيع نفوذها. ومع ذلك، فمن الخطأ تماماً أن تقتصر قراءة السياسة الروسية الخارجية على الأدوات المريبة المذكورة أعلاه. من المحتمل أن يكون إغناتيوس على حق في ملاحظة أن أميركا قوة متضائلة. ومع ذلك ، فهو مخطئ تماماً في الاعتقاد بأن روسيا تملأ الفراغ الذي خلفه تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال سياستها هذه.

إعتمد بوتين، بشكل أساسي، سياسة تعزز "مصداقية روسيا"من دون أن يكون مديناً للتحالفات الإقليمية الحصرية. تكمن قدرة روسيا على توسيع نفوذها في العديد من دول الشرق الأوسط ودعم الأطراف المتنازعة في الوقت نفسه في استعدادها للتحدث إلى جميع الأطراف ومحاولة العمل كوسيط في الوقت المناسب. 

على هذا النحو، فإن شراكات أو تحالفات روسيا في الشرق الأوسط ليست جزءاً من استراتيجية كبرى أو تشكلها استراتيجيات ثنائية. إنهم ليسوا مع السنة ضد الشيعة، أو المسيحيين ضد المسلمين، أو المؤيدين للعرب ضد إسرائيل، أو المؤيدين لإيران ضد المعارضين إيران. وبالمثل، كانت روسيا حريصة على عرض نفسها كحامية للأقليات الدينية، في الوقت الذي تتخذ فيه موقفاً نهائياً مناهضاً للسلفيين. كما أنها تشحذ سياساتها من خلال انسجامها مع نزوات الاستبداد في الشرق الأوسط والتحدث بلغات المنطقة.

على الرغم من الاختلافات السياسية و/أو الإيديولوجية مع دول الشرق الأوسط، فقد تفاوضت روسيا على اتفاقيات اقتصادية و/أو عسكرية و/أو سياسية مع تركيا وإيران وإسرائيل ومصر والسعودية وغيرها، بينما تدعم نظام الأسد وتنشئ قواعد عسكرية في سوريا. 

وقد تفاوضت حول "عملية أستانة" مع تركيا وإيران، وأبرمت اتفاقية مع إسرائيل تمنع موسكو بموجبها "حزب الله" وإيران من إقامة وجود عسكري في جنوب سوريا على طول حدود إسرائيل مقابل تسهيل عودة قوات الأسد إلى جنوب سوريا. وعلى الرغم من أنها تنسق مع حزب الله وإيران لتوسيع قوة نظام الأسد، فقد عملت روسيا كوسيط موثوق به بين نظام الأسد والأكراد السوريين والدروز والعرب السنة. 

في الوقت نفسه، أوضحت روسيا ل"حزب الله" وإيران أن تعاونهما السياسي والعسكري لدعم النظام السوري لا يُترجم عبر تحويل سوريا إلى قمر صناعي إيراني يهدد السلام الإقليمي. في الواقع، فرضت روسيا عقوبات على الضربات الجوية الإسرائيلية ضد المواقع العسكرية الإيرانية و"حزب الله" التي تعتبر تهديداً لأمن إسرائيل القومي. بالمقابل، أوضحت روسيا لجميع الجهات الفاعلة أن استقرار النظام خط أحمر. 

في هذا الصدد، يمكن للمرء أن يجادل بأمان أن سياسة روسيا في سوريا أكثر توافقاً مع سياسة إسرائيل من تلك التي تتبعها إيران في سوريا. تتفق كل من روسيا وإسرائيل على رؤية سوريا مستقرة ولا تشكل أي تهديد للسلام الإقليمي.

وبحسب "ناشونال انترست"، في ظل هذه الخلفية ، تصطدم وجهات النظر الضيقة لوزارة الخارجية وجهات أخرى على صخرة السياسة الروسية غير التقليدية والتي تتسم بالواقعية في الشرق الأوسط. ولنفترض أن روسيا تنقلب على الأسد، فإن إيران تصبح "تحدياً وهمياً".

ما يحدث في سوريا اليوم وتحديداً في موضوع رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الأسد، هي أوامر لم تصدر إلا عن بوتين نفسه، لتضييق الخناق على جميع الشخصيات "ذات الوجه المافياوي" في سوريا الذين يعملون خارج نطاق سلطة الدولة، مما يعيق الاقتصاد السوري. من المؤكد أن بوتين يكرر سياسته الروسية (المافيا الروسية) بشكل أو بآخر في سوريا من أجل إقامة دولة قابلة للحياة اقتصادياً. بوتين يدفع الأسد لتحويل مافيا الأعمال السورية، إلى جريمة منظمة تديرها الدولة.

بالنظر إلى كل هذا، فإن إساءة قراءة واشنطن لكل من السياسة الروسية في الشرق الأوسط بشكل عام وسوريا بشكل خاص وديناميات القصر السوري هي وصفة لأخطاء فادحة أخرى. إذا أصبحت هذه الآراء الأنانية والعشوائية للسياسة الروسية في سوريا هي الدافع للسياسة الخارجية الأميركية، فيجب ألا يُفاجأ المرء إذا حلّت روسيا (التي يمكن أن تدعمها الصين) محل إيران كزعيم "محور المقاومة" المناهض للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024