ذراع الأسد الفلسطيني الذي أجهزت عليه كورونا

عقيل حسين

الخميس 2020/08/06
في يوم شتائي من عام 1970 تلقى النقيب الفلسطيني طارق الخضرا اتصالاً من القصر الجمهوري في دمشق من أجل مقابلة الرئيس حافظ الأسد.

لم تفاجئ الدعوة الضابط المقرب من بعض قادة الجيش السوري بقيادته الجديدة التي جاءت مع حافظ الأسد، فشقيقه حازم الخضرا، مقرب من الأسد إلى درجة تعيينه لاحقاً قائداً للقوة الجوية بعد حصوله على الجنسية السورية.
لم يتفاجأ طارق الخضرا أيضاً بطلب حافظ الأسد منه تشكيل جهاز استخبارات مهمته مراقبة واحتواء العسكريين الفلسطينيين في سوريا، فهو خرّيج مدرسة عبد الحميد السراج، مؤسس شعبة الاستخبارات الشهيرة في سوريا، وهو ما سيفيده في مسيرته العسكرية تحت ظل الأسد أكثر بكثير من تخرجه من الكلية الحربية في حمص.

ما يثير الانتباه في كل ما حصل حتى تلك اللحظة، أن الخضرا كان أحد المشاركين بحماسة، على الأقل ظاهرياً، في هجوم القوات الفلسطينية على الأردن انطلاقاً من سوريا عام 1970 في ما عُرف وقتها بأحداث أيلول الأسود، والتي اتخذ منها حافظ الأسد ذريعة للانقلاب على صلاح جديد وبقية زملاء البعث، بعد أن رفض الأسد مشاركة القوات الجوية التي كان يقودها في المعارك هناك، الأمر الذي كان أحد أهم أسباب فشل الهجوم وانتصار الجيش الأردني في النهاية.

لكن تاريخ محمد طارق الخضرا العسكري الذي لن ينتهي عند هذه النقطة، كان قد بدأ قبل ذلك بمحطات لافتة، إذ منحت الوحدة المصرية-السورية الضابط الفلسطيني الشاب المولود في صفد عام 1941، فرصة التطوع في جيش الجمهورية العربية المتحدة عام 1960. 

وبعد عامين على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الذي يُفترض أن يكون تابعاً لها في القمة العربية بالاسكندرية عام 1964، التحق الخضرا بالجيش الوليد برتبة ملازم أول، وعُين في القيادة العامة ومقرها في القاهرة. لكن قبل حرب حزيران 1967 بشهرين، انضم إلى وحدات الجيش المقاتلة في قطاع غزة، وبعد النكسة التحق بوحدات متمركزة على جبهة قناة السويس قبل الانتقال للعمل في سوريا، حيث تسلم مهام قيادة كتيبة الصاعقة في جيش التحرير-سوريا وهو برتبة نقيب.

تمركزت هذه الكتيبة في القطاع الجنوبي من الجبهة السورية (عند وادي الرقاد) ثم انتقلت إلى منطقة العرقوب في جنوب لبنان عام 1970، ومن هناك دخل بوحدته إلى محافظة أربد في الأردن إبان أحداث أيلول الأسود.

أدخلت هذه المعركة جيش التحرير الفلسطيني في نفق مظلم أتى على القليل من الاستقلالية التي كان يتمتع بها قبل ذلك، لكنه في سوريا بات تشكيلاً ملحقاً بشكل شبه رسمي بالجيش السوري، إلى الحد الذي كان بيد النظام تعيين قادته وترفيعهم وتوجيههم.

وبالفعل، استفاد طارق الخضرا من العلاقة الطيبة بحافظ الأسد ليعهد إليه بقيادة أركان "لواء حطين"، وهو الإسم التأسيسي لجيش التحرير الفلسطيني في سوريا عندما كان لا يزال برتبة نقيب، ليضمن الرئيس السوري الراحل تحكماً مطلقاً بالتشكيل الفلسطيني ضعيف العتاد والتسليح، لكن المفيد ككتلة بشرية وكعنوان سياسي دعائي لنظام سيتبنى شعار الصمود والتصدي، وبعد ذلك المقاومة والممانعة.

شارك جيش التحرير تحت قيادة الخضرا في حرب تشرين 1973، كما تسلم الخضرا مهام قيادة قوات الارتباط في شمال لبنان ابتداءً من أواخر عام 1975 حتى النصف الثاني من عام 1976.

وفي عام 1980 تمت ترقية المقدم محمد طارق الخضرا إلى رتبة عميد من قبل حافظ الأسد، الذي قرر أن يكافئ إخلاصه للنظام بتسميته قائداً لجيش التحرير الفلسطيني، المنصب الذي بقي فيه حتى وفاته الأربعاء عن عمر 79 عاماً وهو برتبة لواء كان قد منحها له الأسد الأب قبل وفاته بعام واحد، 1999.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، استخدم النظام السوري كذلك جيش التحرير الفلسطيني كقوة بالوكالة، بما في ذلك ضد منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، الأمر الذي أدى إلى انشقاقات داخل صفوفه، والتحاق عدد من ضباطه وجزء من عناصره في حركة "فتح" وانتقالهم معها إلى تونس عندما أخلى ياسر عرفات بيروت من قواته بموجب اتفاق وقف النار بعد الغزو الاسرائيلي عام 1982.

غاب بعد ذلك تماماً جيش التحرير الفلسطيني عن المشهد، ولم يعد يتذكره السوريون إلا إذا ذُكر اسمه في خبر ما عن مشاركة في احتفال بمناسبة وطنية أو بعثية، بينما استمر بالنسبة لفلسطيني سوريا يمثل كابوس الشباب وإحدى مؤسسات الفساد التي يتوجب على كل منهم الالتحاق بها لتأدية الخدمة العسكرية الإلزامية.

لكن هذه المؤسسة التي ترهلت وباتت مجرد مكتب في مخيم اليرموك ومعسكر تدريبي في منطقة مصياف بريف حماة، ستجد من يعيد نفخ الروح فيها من جديد مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وانخراط طيف واسع من الشباب الفلسطيني فيها.

وكما هي العادة في التمهيد للزج بكل قوة عسكرية أو أمنية بمواجهة الثورة، فقد جرى اختطاف وقتل 45 مجنداً فلسطينياً من الملتحقين حديثاً بالخدمة الإلزامية في صيف العام 2011 خلال توجههم إلى معسكر التدريب بمصياف، واتهمت على الفور المعارضة بالوقوف خلف الحادث، ما جعل انخراط قوات اللواء خضرا في الحرب "مبررة".

خاض جيش التحرير مدعوماً بقوات من الشبيحة الفلسطينيين معارك عديدة إلى جانب قوات النظام ضد المعارضة في مختلف المناطق السورية، من ريف درعا إلى حمص إلى القنيطرة، لكن أهم وأكثر المواجهات التي شارك فيها كانت في ريف دمشق، خسر خلالها ما يقارب الثلاثمئة عنصر وضابط، أرفعهم رتبة العميد أنور السقا.

تباينت المعلومات حول أسباب وفاة اللواء محمد طارق الخضرا، رغم أن المرجح أن يكون سبب وفاته الإصابة بفيروس كورونا، لكن وفاته هذه المرة باتت مؤكدة بعد أن سبق لقوى في المعارضة أن أعلنت مقتله على خلفية تعرضه لمحاولة اغتيال عام 2015، عندما استهدف تفجير سيارته في حي المزرعة في العاصمة دمشق، ليظهر بعد ذلك بأيام على الإعلام في نفي غير مباشر لتلك الأخبار وقتها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024