ما علاقة تفجيرات حمص بالامبراطورية الأمنية لصقر رستم؟

لورنس الأتاسي

الإثنين 2016/02/22
يتصدّر مشهد التفجيرات التي تحصل في حي الزهراء في حمص، المشهد الإعلامي، نظراً لتكرار استهداف الحي ذي الغالبية العلوية، بالمتفجرات والسيارات المفخخة. وبات الحي مع موعد دوري مع الانفجارات، بالتزامن مع التطورات السياسية الخارجية، بما يتوافق مع بروباغاندا النظام. كما بات من المتوقع حصول تفجير بين فترة وأخرى، لتسعير حمى الاتهامات الطائفية الداخلية، واتهام "الدولة" بالتقصير المتعمد من قبل "اللجنة الأمنية" والمحافظ في حماية الحي.

أثار الأمر حفيظة الشارع المؤيد للنظام، وخرج أبناء الحي في تظاهرات وصل سقفها إلى الطلب المتكرر بإقالة "اللجنة الأمنية". كما طالب الشارع الموالي بإقالة المحافظ طلال البرازي، الذي ناله النصيب الأكبر من الاتهام، وهو سنيّ، ما سهل الأمر على المحرضين للتظاهر وكيل الاتهام له بأنه من يتجاهل أمن المناطق المؤيدة العلوية. ولم تستجب القيادة السورية لطلبات المتظاهرين والمعتصمين، وقامت بتعيين رئيس جديد لـ"اللجنة الأمنية" في حمص لتنفيس الاحتقان بين الأهالي، مع الابقاء على المحافظ في منصبه.

ولم يكد الأهالي يتنفسون الصعداء، حتى جاء تفجير الأحد، ليشعل الأمر من جديد، ووصل الأمر بالمتظاهرين إلى طرد المحافظ من ساحة التفجير، بعدما ظهر متوسلاً الاهالي مستجدياً دون جدوى. وتعالت الأصوات التي تنادي بإسقاط المحافظ، من جديد، وعلى مسمع منه.

منذ فترة بعيدة، والأحاديث تدور في قلب الحي عن تورط مليشيا "الدفاع الوطني" التي يرأسها صقر رستم، في موضوع التفجيرات. ورستم هو ابن أخت العميد بسام حسن، الذي تمت ترقيته كضابط ارتباط بين النظام وإيران ومليشيا "حزب الله". كما أن حسن هو مسؤول التسليح الأول في قوات النظام، وجاء بدلاً عن اللواء محمد سليمان، الذي اغتيل في ظروف غامضة في منتجع "الرمال الذهبية" في طرطوس، بعيد اغتيال القيادي في مليشيا "حزب الله" عماد مغنية، في دمشق عام 2008. محمد سليمان، الضابط الرفيع، لم تتم ترقيته بعد مقتله، ولا اعتباره شهيداً رغم تصريح النظام بإن اسرائيل تقف خلف مقتله. الأمر الذي يؤكد قتله في تصفية داخلية من قلب النظام.

ويُعتبر العميد بسام حسن، من أقوى الشخصيات الأمنية والعسكرية في النظام السوري، من دون أي ظهور إعلامي، إذ لم يرد اسمه في ملف الثورة السورية حتى اليوم، رغم كونه أحد أبرز اللاعبين في كل التفاصيل الأمنية.

تولى صقر رستم، تأسيس مليشيا "الدفاع الوطني" في حمص، ولعب دوراً رئيسياً في زعزعة الأمن في المدينة، بدل أن يلعب دوراً مسانداً لقوات النظام. وبلغ الأمر به من القوة والسيطرة، حدّ التفرد في قرارات المعارك والقصف الممنهج والعشوائي أحياناً لمناطق تخضع أصلاً لسيطرة النظام، وتقطنها غالبية سنية. ويحدث ذلك كردّ من "الدفاع الوطني" على كل استهداف لحي الزهراء بمفخخة أو بصاروخ غراد.

وقف صقر رستم ضد الصفقة التي رعتها إيران لإخراج مقاتلي المعارضة من حمص في نيسان/إبريل 2014، ما حدا بالسفير الإيراني أن يستخدم قوة المليشيات الشيعية في حمص لفرض قراراته، وتهديد صقر رستم إن استمر في خرق الاتفاق.

في الوعر أيضاً تعثرت مفاوضات الهدنة التي اقترحها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بسبب خروق "الدفاع الوطني". لكن سريان الهدنة، دفع مليشيا "الدفاع الوطني" إلى خيار مرّ واضطرت إلى المشاركة بصورة إجبارية، في معارك قوات النظام ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الريف الشرقي لحمص، ومحاولة النظام استعادة حقول الغاز في تدمر. الأمر الذي تسبب في سقوط خسائر بشرية كبيرة لـ"الدفاع الوطني" وإضعاف سلطة صقر رستم، على الأحياء الموالية في حمص. وهنا كان لا بدّ من استعادة زمام المبادرة، لإعادة "الدفاع الوطني" إلى مدينة حمص، من باب التفجيرات.

أحد سكان حي النزهة القريب من حي الزهراء، قال لـ"المدن"، إن "الدفاع الوطني" متورط في التفجيرات، والجميع يعرف ذلك، ولكن لا أحد يجرؤ على قول الحقيقة. فالتفجيرات لها مستفيد واحد على المستوى الداخلي، وهو قوات "الدفاع الوطني"، والتظاهرات التي خرجت لتطالب بإقالة "اللجنة الأمنية" والمحافظ، كانت مدعومة ومنظمة من قبل "الدفاع الوطني". وذلك في تصفية واضحة لحسابات النفوذ في حمص. فالفوضى تعني استمرار مليشيا "الدفاع الوطني" في لعب الدور الأمني "المافيوي"، واستمرار نمو الامبراطورية المالية التي بناها صقر رستم، من أعمال السلب والنهب والأتاوات والخطف والتجارة في كل شيء. وذلك في ظل حصانة ممنوحة لصقر رستم من خاله العميد بسام حسن، الرقم الأمني الصعب في نظام الأسد.

وفي فضيحة أمنية، نشرت "شبكة أخبار المنطقة الوسطى" المؤيدة للنظام، في "فايسبوك"، تحذيراً لمواطني الحي قبل الانفجارات الأخيرة بـ15 ساعة، من احتمال وقوع تفجير. وسارعت إلى حذفه عقب التفجير. والمعروف أن هذه الصفحة تعمل بتوجيهات صقر رستم، وبدعمه، وتقوم بتمجيد أعمال "الدفاع الوطني" على حساب توجيه النقد المستمر لـ"اللجنة الأمنية" في حمص. الأمر الذي يؤكد الأقاويل عن تورط صقر رستم في عمليات التفجير، أو علمه بها على الأقل، وعدم منعها.

وتقبع حمص اليوم تحت تهديد مستمر بعودة العنف الطائفي إلى الواجهة، بعد محاولات النظام المستمرة لمنع حصول أي احتكاك طائفي أو استفزاز، منذ خروج قوات المعارضة من حمص القديمة، وتوقيع هدنة الوعر. فالنظام حافظ على حماية المناطق السنية من أي استفزاز طائفي، وأبعد قوات "الدفاع الوطني" وحواجزها عن الأحياء السنية، واحتفظ بحواجز أمنية فقط تخضع لـ"اللجنة الأمنية" مباشرة.

وفي ظل ضعف "الدولة" في ممارسة دورها على الأرض، يجد أمثال صقر رستم، الكثير من المساحة للعمل على تقويض أي مشروع استقرار أمني أو اقتصادي أو اجتماعي في مناطق نفوذهم. وهذا ما قد يدفع باتجاه المزيد من التطرف والعنف في المدينة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024