الفلتان الأمني في اللاذقية: "قُيّد ضد مجهول"

عبدالسلام حاج بكري

الأحد 2016/12/11
قبل أيام، غادرت مجموعة من الطالبات الباب الرئيسي للجامعة، وسرن باتجاه المدينة بحثاً عن سيارة أجرة، فتوقفت سيارة دفع رباعي سوداء اللون لا تحمل لوحة مرورية، دعا أحد مستقليها الفتيات الثلاث للصعود إلى السيارة لإيصالهن حيث يردن، لكنهن رفضن.

لعلّ طالبات السنة الأولى من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين في مدينة اللاذقية، لم يتوقعن أن يتطور الأمر إلى هذه الدرجة، فقد نزل شابان يحملان رشاشات خفيفة وأجبروهنّ على صعود السيارة مرغمات. لم ينفع صراخهن، فلم يجرؤ أحد من المارة القلائل على التدخل.

قد تكون نهاية هذه القصة كما سابقاتها، بخبر عن اكتشاف جثث مرمية من منطقة مهجورة، أو بنسيانها تماماً، وقد تعود الفتيات بعد دفع ذويهن مبالغ طائلة للمختطفين، وكأن شيئاً لم يكن.

وكالعادة تقدم ذوو الفتيات بشكاوى إلى السلطات الأمنية للإبلاغ عن اختفائهن. وبدأت تلك الجهات "على الفور عملية البحث عن الخاطفين" حسبما أوردت "شبكة أخبار الجامعة"، التي دعت الطالبات إلى "عدم السير من أماكن مظلمة ليلاً، واتخاذ الحيطة والحذر نهاراً".

ومن غير المتوقع أن تتمكن سلطات النظام الأمنية من إعادة الفتيات أو أن تقبض على الفاعلين، وستمر شهور قبل أن تغلق ملفات الشكاوى وقد كتب عليها "قيّدت ضد مجهول".

يدرك سكان اللاذقية أن عناصر الشرطة والأمن لا يجرؤون على البحث الجدي عن الفاعلين، لأنهم على يقين أن خاطفي الفتيات هم من مجموعات الشبيحة التي يرأسها أفراد نافذون من عائلة الأسد ومحيطها، أو من عناصر مليشيا "الدفاع الوطني" المسلحين، وكلا الطرفين يتمتع بسلطة أعلى من سلطة الدولة.

الشابة رهف أنجرو كانت قد اختطفت من ساحة الشيخ ضاهر، في قلب اللاذقية، ظهيرة الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، على مرأى من عناصر أكبر حاجز مشترك بين الشرطة والأمن في المدينة.  وكانت فتاة أخرى قد خطفت قبل يومين من الساحة ذاتها، ولم تدفع حالة السخط التي عمّت المدينة عقب الحادثين جهازي الشرطة والأمن للبحث عن الفاعلين أو حتى ادعاء القبض على متهم غير موجود لتهدئة ردة فعل سكان المدينة.

وتشير مصادر خاصة لـ"المدن"، إلى أن كثيراً من حوادث خطف الفتيات يتم حلّها بدفع الفدية، بعيداً عن الأضواء والإعلام، ويقوم ذوو المخطوفات بسحب الشكاوى من مخافر الشرطة "تجنباً للفضيحة".

وتعيش مدينة اللاذقية والساحل السوري عموماً حالة من الفلتان الأمني في ظل توقف أجهزة الدولة عن القيام بمهامها في "حفظ الأمن"، وازدياد قوة وصلاحيات المليشيات الموازية. وهذا ما جعل حوادث القتل والسرقة أمرا مألوفا في المدينة وتسبب بحالة من الرعب بين المدنيين.

مراسل "شبكة إعلام اللاذقية" محمد الساحلي، قال لـ"المدن"، إن غاية معظم حوادث الاختطاف هي الحصول على مبالغ مالية كبيرة يدفعها ذوو المخطوفين، وأشار إلى أن ثلاثين ألف دولار قبضها خاطفو طبيب وأستاذين في جامعة تشرين مقابل الإفراج عنهم بعد اختطاف استمر بين 22-25 تشرين الثاني/نوفمبر. وأكد أن عملية التفاوض على إطلاق سراح المخطوفين الثلاثة جرت بعلم الشرطة والأمن، الذين وعدوا بالقبض على الخاطفين بعدما تمكنوا من تحديد هوية أحدهم من خلال رقم هاتفه، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، أو لم يتم الإعلان عنه.

وشهد مطلع تشرين الثاني مقتل سيدتين متقدمتين في السن بهدف السرقة. وقتلت إحداهما في منزلها في حي مشروع الصليبة، وتمت سرقة مصاغها الذهبي ومبلغ مالي، أثناء وجود ابنها في عمله. كما قتلت سيدة طاعنة في السن في حي الرمل الشمالي بالطريقة ذاتها، وتمت سرقة المقتنيات الثمينة من منزلها.

وتدل ظروف السرقات على احترافية المجرمين، إذ يقصدون المنازل التي تخلو من الرجال تجنباً للمقاومة والاشتباك معهم، خصوصاً المنازل النائية على أطراف المدينة، وهذا تكرر في الشهور الأخيرة عشرات المرات، ولم يتم القبض على أي من الفاعلين.

ويرى المحامي سليمان حسون، في حديثه لـ"المدن"، أن تقصير أو عجز الأجهزة الأمنية عن القيام بدورها في القبض على مرتكبي جرائم القتل والخطف والسرقات، أغرى الشباب العاطلين عن العمل و"الزعران" لارتكاب الجرائم التي قد يكون دافعها الفقر الشديد وارتفاع الأسعار وعدم قدرة الشباب على تأمين مصاريفهم. ووصلت شكاوى قليلة عن الجرائم، مؤخراً إلى القضاء، بسبب الشك بقدرة القضاء السوري على إنصاف المعتدى عليهم، "بسبب خوف القضاة من استهدافهم من قبل المسلحين المنفلتين". وأشار حسون إلى اختطاف إحدى المجموعات المسلحة لابن قاض ينظر بدعوى رفعها مزارع في إحدى قرى منطقة الحفة على مسلح استولى على قطعة من أرضه وشيّد منزلاً عليها، الأمر الذي دفع بالقاضي إلى الحكم لمصلحة المسلح، من أجل إطلاق سراح ابنه.

كما تعجز دوائر الدولة الإدارية والخدمية عن ضمان أمن الغذاء والدواء للمواطنين، رغم كشفها الأسبوع الماضي عن مستودع كبير يحتوي على معدات تزوير ماركات غذائية. وتنتشر في الأسواق مواد غذائية منتهية الصلاحية كانت قد تسببت في وفاة رجل مسن وتسمم سبعة أشخاص نهاية تشرين الثاني. مديرية الصحة قامت إثر ذلك بسحب بعض الأغذية المزورة من محلات تجارية صغيرة في حي السكنتوري الفقير، تعود ملكيتها لمحسوبين على المعارضة، بينما تقف متفرجة على المزوّرين والمهربين ومحتكري المواد الغذائية.

وتسببت الحالة الأمنية في إغلاق كثير من معامل الأدوية، الأمر الذي دفع فرق الشبيحة المختصة بالتهريب إلى إدخال الأدوية من لبنان بطرق غير شرعية أو تهريبها عبر البحر، لتباع في الصيدليات من دون رقابة، ويخلو بعضها من الإشارة إلى تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية.

لا شك أن ذوي طالبات الجامعة الثلاث المخطوفات يعيشون لحظات قاسية، يخشون على سمعة بناتهن، ويخشون على حياتهن إن لم يتمكنوا من تأمين الفدية. وطبعاً لن يكون للسلطات الأمنية دور في ذلك كما في المرات السابقة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024