ماذا يحصل في السودان؟

عبدالرحيم أحمد

الأحد 2018/12/23

تواصل رقعة الاحتجاج في السودان توسعها، حيث خرج المتظاهرون لليوم الخامس على التوالي، في تظاهرات بدأت بسبب فقدان الخبز من الأسواق، وما لبثت أن تحولت إلى مواجهة سياسية بين المتظاهرين والنظام القائم.

كانت شعلة البداية لهذه التظاهرات في مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، بعد ما زادت قيمة الخبز اليومي إلى ثلاثة جنيهات سودانية للقطعة الواحدة. وتطورت مع ازدياد أعداد المتظاهرين وسقوط قتلى إلى دعوة رجال الشرطة للوقوف في صف المتظاهرين.


دعوات المتظاهرين للشرطة لم تلق رداً سوى الرصاص، الذي أردى حتى الآن نحو 30 قتيلاً في مناطق متفرقة من السودان. لكن المفاجأة جاءت من قبل الجيش السوداني، أو ما يعرف بـ"قوات الأركان المشتركة"، التي صدت هجوم الشرطة على المتظاهرين في أكثر من موقعة.


وشهدت عطبرة مواجهة بين قوات الشرطة وقوات الأركان المشتركة، حيث قامت الأخيرة بمنع قوات الدعم السريع من دخول المدينة في يوم الاحتجاج الأول، من خلال إغلاق كوبري الحرية المؤدي للمدينة. في اليوم نفسه قام المتظاهرون بإضرام النار في مقر حزب "المؤتمر الوطني" (الحزب الحاكم) ليتم بعدها فرض حالة الطوارىء.


وحتى الأحد، عمّت التظاهرات ولايات نهر النيل والشمالية، والنيل الأبيض، والبحر الأحمر، والقضارف والنيل الأزرق، وتم حرق معاقل حزب الرئيس عمر البشير في معظم هذه الولايات، ما أدى إلى فرار المسؤولين منها على وجه السرعة.


في المقابل، تبدو الحكومة مربكة في التعامل مع الاحتجاجات العارمة والمفاجئة، حيث أعلن مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح قوش، أن هذه التظاهرات تأتي بخلفية وبتحريض من "الموساد" الإسرائيلي، وأن مجموعة من المتظاهرين هم أعضاء في جهاز "الموساد"، الأمر الذي اعتبره عدد من المراقبين غاية في الغرابة مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبول السودان مؤخراً تحليق الطيران الإسرائيلي فوق أجوائه، في أحدث خطوة تطبيعية عربية مع الاحتلال.


وكما جرى في معظم الدول العربية التي شهدت تظاهرات ضد السلطة، قامت السلطات السودانية بحجب مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المتعلقة بها كذلك. لكن تلك الخطوة لاقت معارضة شرسة في البداية من قبل مدير الهيئة العامة للإتصالات يحيى عبدالله حمد، لكن مصادر قالت إن الحجب تم في النهاية بعد إقالة حمد واقتياده إلى التحقيق.


الصادق المهدي يعود
انتهزت المعارضة الفرصة للدخول على خط الاحتجاجات الشعبية، حيث عاد إلى البلاد زعيم "حزب الأمة" الصادق المهدي، واستقبله أنصاره في مدينة أم درمان في العاصمة الخرطوم، وأعلن المهدي أن هذه الثورة ليست سوى هرطقات من الشعب وأن الثورة الحقيقية سيقوم بها هو شخصياً للوصول إلى نظام جديد وانتخاب رئيس جديد.


من جهته، كان رئيس الحزب "الاتحادي الديموقراطي" عبدالرحمن الميرغني أكثر تواضعاً في حديثه عما يشهده السودان، حيث دعا أعضاء حزبه إلى الوقوف في صفوف المتظاهرين، لاسترجاع حقوقهم المهضومة، على حد تعبيره.


أئمة السلطة: غلاء المعيشة من ضعف إيمان الشعب
وفي محاولة لتدارك الموقف، عممت السلطات الأمنية الخطب على الأئمة في المساجد، حيث حرص "أئمة السلطة" على القول إن غلاء المعيشة هذا يرجع إلى "ضعف إيمان الشعب"، وأن "الخروج على الحاكم هو حرام شرعاً ويجب طاعته في الأمور كلها". وشهدت مساجد عديدة قيام المصلين بإنزال الأئمة عن منابر المساجد.


ومع استمرار قتامة المشهد، واستخدام العنف ضد المحتجين، ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بدعوات تطالب الأطباء المتواجدين بالقرب من مناطق التظاهرات، بالحضور لتقديم المساعدة للمصابين من المتظاهرين نتيجة إعتداء أفراد الشرطة عليهم. كما تضمنت تحذيرات للمتظاهرين من دخول مناطق وطرق معينة في العاصمة الخرطوم، حتى لا يكون المتظاهرون فريسة سهلة للسلطات الأمنية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024