مؤتمر اسطنبول:المعارضة التركية تحاول فتح طريق دمشق

أحمد طلب الناصر

السبت 2019/09/28
عقد "حزب الشعب الجمهوري" التركي المعارض، في مدينة إسطنبول، السبت، مؤتمراً بعنوان "فتح باب السلام في سوريا"، بهدف "توفير بيئة مناسبة لحل المشكلة السورية وتمهيد الطريق لعودة السوريين الذين أجبروا على مغادرة بلادهم".

وانتقد رئيس "حزب الشعب" كمال كليجدار أوغلو، في كلمته الافتتاحية لأعمال المؤتمر، سياسة حزب "العدالة والتنمية" في الملف السوري، مدّعياً بأن تركيا كانت أفضل حالاً حين كان حزبه حاكماً لها، وقال إن تركيا "كانت تحظى باحترام جميع دول المنطقة بفضل نظرتها المحايدة في المنطقة، أما السياسات المتبعة اليوم أظهرت صورة مختلفة معادية للجيران".

وطغت على المؤتمر الصبغة الأكاديمية والإنسانية، إذ شكّل الأكاديميون وأساتذة الجامعات غالبية المشاركين، وغاب عن الحضور ممثلو النظام السوري، رغم توجّيه "حزب الشعب" دعوات لهم لحضور المؤتمر. إذ لم تمنح السلطات التركية تأشيرات الدخول لأعضاء يمثلون جهات سياسية وإعلامية مقربة من نظام الأسد، باستثناء رئيس "جمعية المسيحيين السوريين" وائل الملاسي.

الجانب السياسي من المؤتمر تناولته كلمات ومداخلات كلّ من رئيس الحزب المنظِّم، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بالإضافة إلى المحلل العسكري أحمد يافوز، والصحافي التركي حسني محلّي.

وحرص هؤلاء المشاركون على طرح ثلاث نقاط رئيسة: الأولى تتمثل في إظهار عجز حكومة "العدالة والتنمية" وفشلها في إدارة ملف اللاجئين السوريين. والثانية تتجسد بسعي الحزب إلى إقناع المجتمع الدولي في إمكانية أن يمثّل طرفاً مهماً من الأطراف الفاعلة في الملف السوري من خلال دعوته لممثلين من مختلف الدول والمنظمات الأممية، كممثل الاتحاد الأوروبي في تركيا بالإضافة لممثلين من روسيا ومن الجامعة الأميركية في كل من كردستان العراق والقاهرة، وكذلك من بيروت.

النقطة الثالثة والأهم تتجسّد في فتح باب التطبيع مع نظام الأسد في دمشق، ويتضح ذلك من خلال دعوته لممثلين عن النظام من مختلف المؤسسات السياسية والثقافية والدينية.

ممثل "جمعية المسيحيين" وائل الملاسي، استهلّ كلمته بعرض رسالة يحملها من "القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي" وجّه من خلالها "تقدير الحزب والنظام للدول التي تقف بجانبهما"، وكذلك إلى الأحزاب المعارضة في تركيا التي "تربطها مع حزب البعث علاقات تاريخية مشتركة".

ثم استعرض صوراً لبشار الأسد تجمعه بأهالي "ضحايا الجيش العربي السوري" بالإضافة إلى المواطنين "العائدين إلى حضن الوطن" قائلاً إن "الرئيس بشار فرد من أفراد العائلة وليس مجرد رئيس" ثم دعا الحضور في نهاية كلمته إلى زيارة سوريا "فهي بلد آمن بعكس ما تصفه مؤسسات إعلام بعض الدول".

الخبير العسكري أحمد يافوز، تطرّق بالحديث إلى تدخّل "العدالة والتنمية" في الملف السوري منذ العام 2011، وما تلاه لاحقاً من تقسيمات تعرضت لها سوريا، مقارناً بين إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيادة إسرائيل على الجولان، وبين عملية شرق الفرات التي تستعد لها تركيا، وقال إن "تقسيم سوريا سيكون له تأثير الدومينو وتركيا ستتأثر بشكل مباشر". لكنه أشار إلى أنه "طالما وجد الأسد فلا أحد يريد أن يذهب".

كمال كليجدار أوغلو، قال إنهم في النهاية "يريدون السلام لسوريا كدولة شقيقة". وأضاف أنهم ناقشوا مع حكومة الأسد عام 2011، السلام في سوريا، كما ناقشوا ذلك مع المعارضة السورية عام 2012، وأنهم طالبوا بالسلام منذ بدء الربيع العربي في البلاد.

وتابع "ناقشنا موضوع السلام مع الأمم المتحدة وطرحنا الحلول دائماً، كما شكّلنا لجنة مع إيران وروسيا لطرح حلول السلام في سوريا"، مشيراً إلى أن "بداية الحل هو فتح الطريق بين دمشق وأنقرة، واتخاذ سياسة جديدة في سوريا، مِن أجل تحقيق السلام وعودة السوريين".

كذلك، تحدّث عن تشكيل "اللجنة الدستورية" السورية، معتبراً أنها "خطوة مهمة للحل في سوريا"، مضيفاً: "ننتظر صياغة الدستور السوري ونتمنى أن يحمي الأقليات"، مؤكّدا على وجوب وحدة الأراضي السورية، وأن الشعب السوري وحده مَن يقرر مصيره.

إلا أنه حذّر من كارثة إنسانية في إدلب، معلقاً: "نحن قلقون على أرواح العساكر الأتراك الموجودين في سوريا لمراقبة الأمن".

الحزب كان قد وجه دعوات لشخصيات مقربة من النظام السوري والمعارضة السورية، بحسب ما قاله نائب رئيس الحزب ولي آبابا. وقال آبابا، في 25 أيلول/سبتمبر، إن بعض المشاركين القادمين من دمشق قد لن يتمكنوا من الحضور، بسبب مشاكل في الحصول على تأشيرة الدخول إلى تركيا.

في كلمته، وصف حسني محلّي، الجيش السوري الحر بـ"الجماعات الإرهابية"، مدعياً أن أول قافلة لجوء قدمت إلى تركيا كانت من جسر الشغور نتيجة "ذبح" مسلحي الجيش الحر لعناصر وموظفين من نظام الأسد في البلدة، ما دفع النظام لشن الهجوم عليها.

واتهم محلّي، حزب "العدالة والتنمية" بدعم تلك الجماعات وبأنه "لا يريد إنهاء الأزمة لأن أيديولوجيته الإسلامية لا تريد التخلي عنها".

وعدا عن ذلك، فقد ركزت الكلمات على الجانب الأكاديمي والإنساني، الذي تناولته معظم المشاركات الأخرى، والتي ركزت على الحديث عن آليات الانسجام والاندماج والملائمة الاجتماعية بين السوريين والأتراك.

فاستعرضت الصحافية في "حرييت" التابعة لـ"حزب الشعب الجمهوري" زينب بيلجهان، العديد من القضايا التي أفرزتها قضية اللاجئين السوريين، مشيرة إلى المعاناة التي تعرض لها الكثيرون منهم في المخيمات وداخل المدن، وبيّنت بأن "موجات اللاجئين الأولى كانت عبارة عن أفواج صغيرة لم تتخطَ الآلاف وكنا نعتقد بأنها مؤقتة، ولكن زيادة القصف والدمار أوصل العدد إلى الملايين" مضيفة بأن "الظروف المحيطة بالأوضاع السورية الداخلية هي التي دفعت غالبية السوريين لرفض العودة والاستقرار بداخل أحياء المدن التركية وكأنها أحياؤهم" وضربت مثالاً على ذلك حي الفاتح في قلب إسطنبول الذي أضحى "بمثابة قرية سورية صغيرة تتبع لإسطنبول".

أما ديديم دانيش، فأكّدت أن "ظلم بشار الأسد هو السبب الذي دفع السوريين إلى الهرب" مضيفة بأن السوريين ليسوا فئة واحدة، وحتى في داخل سوريا كانوا يتمتعون بخواص اجتماعية وثقافية متعددة ومتفاوتة وهذا ما يدل على مدى تفاوت انسجامهم مع المجتمع التركي".

وانتقدت دانيش آلية منح الجنسية لفئة من السوريين قائلة بأنها "ليست شفافة وليست عادلة ولا تخضع للمعاير الدولية المعروفة كمعيار الإقامة مثلاُ لمدة معينة (5 سنوات أو أكثر) وهذا أدى إلى استياء السوريين أنفسهم بين بعضهم البعض لأن أشخاصاً تم منحهم الجنسية وآخرون لم يتم تجنيسهم رغم قدم وجودهم وحملهم لشهادات جامعية تتميز عن الذين تجنّسوا".

متين شوراباتير، انتقد "الحماية المؤقتة" نتيجة "استثناءات تركيا قبيل توقيعها على اتفاق جنيف للاجئين 1951" متسائلاً "ولكن هذه المؤقتة متى ستنتهي، وكيف؟".

وتقاطع معظم المشاركين في نقاط عديدة أهمها: أن بعض البلديات تقدّم خدمات لزيادة الانسجام بين السوريين والأتراك، ويجب على بقية البلديات أن تحذو حذوها. وأن مسؤولية اللاجئين السوريين هي مسؤولية دولية وليست تركية فقط، وعلى المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم والسعي لإنهاء المسألة السورية. وعدم تقيّد معظم الدول باتفاقية جنيف 1951، وتحوّل موضوع اللاجئين السوريين إلى متاجرة. فلا يمكن أن تقوم الدول بقبول لاجئين وعدم قبول لاجئين آخرين، وهذا تناقض واضح وتجاوز لبنود جنيف. كما أن بعض السوريين اضطروا لإخفاء هويتهم السورية والتعامل مع الشارع التركي على أنهم من بلد آخر أو بأنهم أتراك، يتحدثون بالتركية ويتصرفون كالشباب الأتراك حتى في نمط اللبس وقصة الشعر، خوفاً من عنصرية بعض الأتراك.

الأكاديمي أرجومنت أكدينيز، تطرّق إلى الاعتداءات التي تعرض لها السوريون نتيجة اتهامهم الباطل بالتحرّش، وآخره ما حصل في أضنة حين تم تحطيم 162 دكاناً و12 سيارة. كما تحدث عن عمالة السوريين ومساهمتهم في رفد الاقتصاد التركي، لكنه وصف إسطنبول بأنها أضحت "بنغلاديش أوروبا".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024