غرينبلات "العائد إلى منصبه".. نصرة لنتنياهو أم اقتراب الصفقة؟

أدهم مناصرة

الإثنين 2019/09/16

تقمص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دور الناطق بإسم "صفقة القرن" الأميركية، حين أعلن عشية انتخابات الكنيست أن ما يسمى بخطة السلام التي هندستها واشنطن، ستُعلن بعد الإنتخابات ولكن قبيل تشيكل الحكومة الجديدة.

هذا التصريح من نتنياهو ربطه قصداً بـ"وعده" بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت في حال فاز بالإنتخابات.

 تصريح نتنياهو هذا، حول توقيت إعلان صفقة القرن، يشي للمتتبع ببعض الأسباب التي دفعت مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، إلى العدول عن الإستقالة من وظيفته بعد أيام قليلة من الإعلان عنها.

ويمكن أن نفهم من تصريح نتنياهو أن ثمة سببين رئيسيين وراء تراجع غرينبلات عن إستقالته أو على الأقل تأجيلها لفترة زمنية معينة؛ ويتعلق السبب الأول بأن غرينبلات لا يريد أن يتسبب بهذه الإستقالة بأي أذى سياسي لنتنياهو، في الإنتخابات المقررة الثلاثاء.

وأما السبب الثاني لعودة غرينبلات عن إستقالته، فنجده أيضا في طيات حديث نتنياهو، حين قال إن موعد إعلان خطة السلام الأميركية قد اقترب، ما بدا أنه طمأنة لغرينبلات المنزعج من تأجيلها المستمر؛ بدليل أن نتنياهو بدأ يهيئ الرأي العام الإسرائيلي لها.

مصدر سياسي مطلع رجح لـ"المدن" أن استشعار الرئيس الأميركي- بناء على ردود الأفعال القوية- بالضرر الذي تسببه استقالة غرينبلات الذي يعتبر "عرّاب" الصفقة السياسية الرامية إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، قد دفع ترامب وجهات يمينية لإقناعه بتأجيلها. فهذه الإستقالة مثلت إيذاناً بفشل مشروع الصفقة؛ بينما أراد ترامب الحفاظ على نوع من الكرامة من خلال القول "إنه لم يتنازل عن طرح صفقة القرن".

والحق، أن التقدم بهذه الصفقة معتمد كلياً على نتيجة الإنتخابات الاسرائيلية المقررة الثلاثاء. والسؤال المطروح أميركياً هو: هل يستمر نتنياهو أم لا؟

الحال، أن عدول غرينبلات عن الإستقالة كان بمثابة هدية بسيطة لنتنياهو؛ ذلك أن إستمراره يمكن أن يشكل عاملاً مساعداً لتعزيز قدرة نتنياهو على الفوز في الإنتخابات. فغرينبلات أحد أعمدة إدارة ترامب التي تعزز دعاية نتنياهو الإنتخابية أمام الرأي العام الإسرائيلي عبر طرح نفسه "كقائد أقوى وأقدر في إسرائيل" على الإتصال بزعماء العالم وخاصة الدول العظمى مثل أميركا وروسيا، لمناقشة قضايا إقليمية ودولية، لدرجة أن ترامب أعلن بُشرى الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة واسرائيل في محاولة منه لتعزيز فوز نتنياهو بالإنتخابات.

نتنياهو الذي تحدث عن قرب إعلان صفقة القرن بدا واثقا من أنها لصالح إسرائيل بدليل أنه أعلن بموازاة ذلك عن بلورة خطة ضم الأغوار ومستوطنات الضفة في حال فاز بالإنتخابات. هو أراد إخبار المستوطنين والمتطرفين أنه "لا خوف من الصفقة الأميركية". كما قصد نتنياهو أيضا وفق تقديرات سياسية- بصفته هو من طلب من واشنطن تأجيل إعلانها؛ خشية خسارته لأصوات اقصى اليمين- البدء بالتهيئة لتشكيل الحكومة القادمة بطريقة تستبعد الوزراء المتطرفين الذين يرفضون الانسحاب من مساحات صغيرة من الضفة الغربية.

إذاً، حديث نتنياهو عن موعد الصفقة، مُوجّه إلى الشارع الإسرائيلي، لأن الأخير ينتظر الصفقة ويريد معرفة مضمونها وكيفية تعاطي نتنياهو معها. فنتنياهو اتفق مع ترامب أن الحكومة القادمة في حال فاز برئاستها، يجب أن تنسجم مع مشروع ترامب وتبني سياسته وفق مشروع تمكين الحلف الأميركي- الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً.

في المقابل، هناك وجهة نظر تستبعد العلاقة المباشرة لعدول غرينبلات عن الاستقالة، بالانتخابات الإسرائيلية والتأثير بمآلاتها، معتبرة أنها تعلقت أصلا بغرينبلات نفسه، لا سيما وانه تحدث اكثر من مرة عن نيته بالاستقالة، كونه يعتقد أن عطاءه بالملف وصل ذروته ولم يعد هناك شيء إضافي يمكن أن يقدمه.

ولهذا تعتقد مصادر "المدن" أن بقاء غرينبلات في منصبه مسألة وقت، غير أنها تقر بالوقت ذاته أن الاستقالة  ثم رجوعه عنها، قد أضرت كثيراً بالخارجية الأميركية. وترى هذه المصادر أنه لا توجد خلافات مبدأية بين غرينبلات و الإدارة الأميركية بخصوص صفقة القرن لأنهم جميعهم متفقون على تصفية القضية الفلسطينية، بيدَ أنه يُرجح وجود تباين بوجهات النظر حيال التوقيت والتكتيك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024