الحسكة: العرب منقسمون حول انتخابات "الفيدرالية"

سامر الأحمد

الجمعة 2017/08/18
أصدرت 8 تجمعات سياسية ومدنية، تمثل المكون العربي في الحسكة والرقة، بياناً مشتركاً، دعت فيه إلى مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها "المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي الديموقراطي في الشمال السوري"، التابع لـ"الإدارة الذاتية"، التي تبسط سيطرتها على مناطق واسعة في الشمال والشمال الشرقي من سوريا عبر "قوات سوريا الديموقراطية".

وعبّرت هذه التجمعات، التي تعمل خارج الحسكة والرقة، عن رفضها المطلق لتشريع هذه الانتخابات باعتبار أن كل ما صدر عن التشكيلات التابعة لحزب "الاتّحاد الديموقراطيّ" من قرارات "تُعتبرُ فاقدة للشرعيّة القانونيّة والدستوريّة لأنها جاءت عن طريق فرض الأمر الواقع في مناطق سيطرة قواته".

وكانت "الإدارة الذاتية" قد قررت عبر "المجلس الفيدرالي" اجراء انتخابات "المجالس الفيدرالية" عبر ثلاث مراحل؛ تتمثل الأولى في انتخاب "مجالس الأحياء" في 22 أيلول/سبتمبر المقبل، ثم انتخابات "مجالس القرى والبلدات والنواحي" في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، واخيراً انتخاب "مجلس الشعوب الديموقراطي" في الشمال السوري في 19 كانون الثاني/يناير المقبل.

رئيس "التجمع الوطني للشباب العربي" مهند الكاطع، أحد الموقعين على البيان، قال لـ"المدن"، إن منظومة حزب "العمال الكردستاني" التي تدير مناطق الشمال السوري، تحت مسميات مختلفة، لا يمكن أن تؤسس لمشروع وطني. و"التجمع"، بحسب الكاطع، "يرفض جميع السياسيات الاستيطانية التي تستغل هشاشة الوضع في سوريا لفرض أمر واقع".

بيان المقاطعة للانتخابات يأتي بعدما صدرت بيانات مماثلة قبل فترة من "المجلس الوطني الكردي" و"هيئة التنسيق الوطنية/جناح حسن عبدالعظيم". ودعت "الهيئة" في بيانها جميع مكونات مناطق الشمال السوري، المُزمَعِ اجراء الانتخابات فيها، إلى المقاطعة باعتبارها "تشرعن تقسيم سوريا وتجزئها إلى كيانات ودويلات".

"الإدارة الذاتية" بدورها، قللت من قيمة هذه البيانات، وتأثيرها على سير العملية الانتخابية. وأكد الرئيس المشترك للعلاقات العامة في "حركة المجتمع الديموقراطي" (المعروفة اختصاراً باسم "تف دم") عبد السلام الأحمد، لـ"المدن"، على أن بيانات المقاطعة هذه لن تؤثر في سير الانتخابات. وأضاف "النظام السوري وحلفاؤه، وكذلك المعارضة السورية الممثلة بالائتلاف المعارض وكذلك القوى الجهادية الإسلامية ومن خلفهم الحكومة التركية، متفقون على رفض مشروع الفيدرالية الديموقراطية في شمال سوريا، ولن تحول معارضتهم دون إجراء هذه الانتخابات". وتابع "الكيانات السياسية العربية حديثة العهد بالعمل السياسي بسبب احتكار حزب البعث للعمل السياسي طوال السنوات الماضية".

"المدن" تعرّفت على الجهات العربية التي ستشارك في الانتخابات في محافظة الحسكة، ومنها: "الهيئة الوطنية العربية" النشيطة في الحسكة والقامشلي، وكذلك من المحتمل أن تشارك "هيئة التنسيق الوطنية/جناح التغيير الديموقراطي"، كما ستشارك العشائر العربية الممثلة في "الإدارة الذاتية" خاصة عشيرة شمّر التي يتزعمها الشيخ حميدي دهام الهادي، حاكم "مقاطعة الجزيرة" التي تعد من أكبر المقاطعات التي تحكمها "الإدارة الذاتية".

الناشط السياسي العربي في القامشلي حسن العلي العساف، قال لـ"المدن"، إن إجراء انتخابات ضمن المعايير الحقوقية والديموقراطية سيحقق العدالة الاجتماعية، ولا يوجد أي ضير أو انتقاص من حقوق أي مكون مجتمعي أو سياسي. والعرب أحد المكونات الرئيسية وستكون حقوقهم مضمونه كبقية المكونات ولا شك أن مشاركتهم بالانتخابات شيء ضروري ولازم، وبدونها ستفقد الانتخابات أو الفيدرالية أهم ركائزها وستكون عرجاء". وشدد العساف الذي ينحدر من عشيرة طي العربية في القامشلي، على ضرورة مشاركة العرب وتصويتهم بـ"نعم للفيدرالية" لأنهم  بهذا سيحافظون على وجودهم السياسي في خضم هذا الصراع، وكي لا يكون مصيرهم كمصير العرب السنة في العراق الذين دفعوا ويدفعون ضريبة مقاطعتهم لأي انتخابات جرت وتجري في العراق نتيجة تشبثهم بالماضي السياسي". العساف وصف "المشروع الفيدرالي" بأنه قائم على أساس "الأخوة والأمة الديموقراطية".

المواقف المتناقضة بين التيارات والنشطاء العرب في الحسكة من الانتخابات تنعكس بالضرورة على الأجواء العامة السائدة حالياً بين أبناء العشائر؛ ففي حين ترى عشائر عربية مستفيدة من مشروع "الإدارة الذاتية" خاصة تلك المُقيمة بالقرب من الحدود التركية أنه لا بد لها من المشاركة في الانتخابات والحصول على مناصب قيادية في التشكيلات اللاحقة، حفاظاً على وجودها وحقوق أبنائها، ترى عشائر أخرى في عمق الجزيرة السورية جنوباً أن هذه الانتخابات تشكل سخرية الأمر الواقع الذي تفرضه "الإدارة الذاتية" على مناطقهم، بدءاً بفرض مناهج التعليم والتجنيد الاجباري على أبناء هذه العشائر الذين يقتلون بالعشرات في معارك "قسد" ضد تنظيم "الدولة" في مدينة الرقة.

"الإدارة الذاتية" من جانبها، قامت بإصدار قرارات متعلقة بالانتخابات لتشجيع العرب على المشاركة، يبدو أنها لبناء الثقة، وكان أهمها السماح لمن وصفتهم بـ"اللاجئين القاطنين بقرار سياسي" من "عرب الغمر"، بالمشاركة في الانتخابات ضمن انتخابات المرحلة الأولى المتعلقة بالأحياء والبلدات فقط، ليتمكنوا من إدارة أنفسهم محلياً ريثما تتم تسوية أوضاعهم بقرار سياسي. ويأتي هذا القرار كمخالفة واضحة للتوجه السياسي الكردي في سوريا الذي يعتبر "عرب الغمر" دخلاء على الحسكة ومستوطنين جلبهم النظام.

"تيار الغد السوري" المتحالف عسكرياً مع "قوات سوريا الديموقراطية" أوضح موقفه من الانتخابات على لسان رئيس "هيئة الرقابة" فيه واصف الزاب، الذي قال لـ"المدن": "يعتبر التيار انتخابات الفيدرالية في الجزيرة السورية اجراءً منفرداً، والظرف الراهن أصلاً غير ملائم لإجراء هكذا انتخابات. التيار يوافق على كل ما يختاره السوريون، ولكن بالوسائل الديموقراطية الصحيحة، وبظروف تمكّن كل السوريين فعلاً من اختيار ما يناسبهم".

"الإدارة الذاتية" تبدو وكأنها تسابق الزمن في إعلانها أول فيدرالية في سوريا، تمهيدا للرغبة الدولية في تكوين إدارات محلية في مختلف مناطق سوريا الخارجة عن سيطرة النظام. ولكن الهدف السياسي الإقليمي للإعلان عن الانتخابات، ربما يبرز كرد فعل على إعلان الاستفتاء الكردي المرتقب للاستقلال عن العراق، والتعاطف الشعبي الكردي السوري مع سياسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني.

ورغم ذلك، تحاول "الإدارة الذاتية" جاهدة كسب العرب بمكوناتهم السياسية والاجتماعية إلى جانبها، كي تثبت للجميع أن تجربتها في الحكم المحلي ستكون رائدة، وتنفي بذلك صبغها بطابع قومي واحد. كما أنها تحاول نفي أي كلام عن محاولة للانفصال عن بقية سوريا.

دعوات المقاطعة التي برزت من التيارات والنشطاء السياسيين العرب قد تشكل عائقاً حقيقياً أمام هذه الأهداف، خاصة أن هذه الخطوة تأتي منفردة غير مدعومة من أي كيان سياسي سوري سواء من جهة النظام أو المعارضة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024