من يقف وراء مجزرة مسجد الروضة؟

محمد عبدالمعطي المحمد

السبت 2017/11/25
طور جديد دخلته الأحداث في سيناء، الجمعة، بعد حادث مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد شمالي سيناء، والذي خلف 300 قتيلاً، وعشرات المصابين.

رسمياً، عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اجتماعاً عقب الحادث، بحضور وزراء الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة، اختتمه السيسي بكلمة رسمية أعلن فيها الحداد الرسمي في البلاد، مُجدِداً الحديث عن قدرة مصر على الانتصار على الارهاب واجتثاثه تماماً بفضل صمود الشعب والتضحيات، وأن القوات المسلحة والشرطة "مكلفتان بالثأر للشهداء" واستعادة الأمن والاستقرار بـ"قوة غاشمة".

وكالعادة لم تخلُ كلمة السيسي مما أثار سخرية المتابعين المصرين، عندما تساءل: "هنشوف ربنا هيساعد مين؟ ولا بد أن تتأكدوا أن الله لن يخذل أهل الخير وسينصر أهل الخير ويدعمهم ويهزم أهل الشر والخراب والتدمير".

وبعيداً عن التعامل الرسمي مع ما جرى في مسجد الروضة، فإن الحادث خلف عشرات الأسئلة والعديد من السيناريوهات لفهم حقيقة تلك الفاجعة التي خلفت أكثر من 300 قتيل وفق روايات شهود العيان، وعادت الرواية الرسمية وأكدتها السبت.

جغرافياً، فإن قرية الروضة تقع على الطريق الدولي الواصل بين القنطرة-العريش، وكانت ملجأ للعديد من الأسر النازحة والمهجرة من مناطق الشيخ زويد ورفح، بسبب تصاعد المواجهات بين الجيش المصري وعناصر "تنظيم ولاية سيناء" المبايع لـ"داعش". وينتمي سكان القرية الأصليين إلى فرع الجريرات من قبيلة السواركة، إحدى القبائل الكبرى في سيناء. والجريرات في المجمل أصحاب هوى صوفي.

يفصل طريق القنطرة-العريش بين القرية المنكوبة، ومعسكر لقوات الجيش على الضفة الأخرى من الطريق، وعلى بعد 500 متر، تقريباً، من المسجد الذي شهد الواقعة. القوات التابعة للمعسكر لم تتدخل لصدّ منفذي العملية، وفق روايات العديد من شهود العيان.

صوفية أهل القرية كانت سبباً في تهديدات سابقة لهم من تنظيم "داعش"، وفقاً لما نشرته مجلة "النبأ" التابعة للتنظيم على لسان من أسمته "أمير الحسبة في سيناء"، في ديسمبر/كانون أول 2016، والذي قال: "ديوان الحسبة، له دور في محاربة مظاهر الشرك والبدع مثل السحر والكهانة والتصوف... لقد انتشر الشرك بالله فى الطرق الصوفية بشكل كبير". وخص بالذكر "الطريقة الجريرية أشد الطرق كفراً وأكثرها علاقة بالروافض.. أتباع الطريقة الجريرية يقدسون الأضرحة، ويقرأون كلاماً يحتوى على ألفاظ شركية، مثل الاستغاثة بالنبى وطلب الشفاعة، كما أن مشايخ الصوفية على علاقة بأجهزة الدولة الكافرة، ومنهم سليمان أبوحزار الذى يحمل لقب شيخ وهو دجال".

آنذاك اختطف عناصر من التنظيم العجوز سليمان أبو حراز، الذي تجاوز عمره 100 عام من أمام منزله، قبل أن يظهر في أحد المقاطع المصورة يحيط به أفراد من التنظيم قطعوا رأسه بتهم السحر والكهانة.

حملة التنظيم على الصوفية لم تقتصر على واقعتي أبو حراز وتفجير مسجد الروضة، فالتنظيم سبق ونشر العديد من الاصدارات المرئية لعناصره وهم يداهمون حلقات صوفية، ويفجرون أضرحة، ويستتيبون بعض مريدي الطرق الصوفية، بعد خضوعهم لـ"دورات تأهيل شرعية".

تهديدات "داعش" باستهداف الصوفية بشكل عام، والقرية بشكل خاص، لم تكن مفاجئة للمتابعين والمراقبين. فالتنظيم الذي استهدف مسيحيي مصر بتفجيرات متتالية ضربت عدداً من الكنائس شملت البطرسية في القاهرة والمرقسية في الاسكندرية ومارجرجس في طنطا، بعدما أصدر بيانات تحذيرية عن استهداف الأقباط، مارس الأسلوب نفسه بإصدار بيانات عن استهدافه الصوفيين. وهي الخطوة التي كان يترقبها المراقبون. وهو ما يطرح تساؤلاً حول تعامل الأمن المصري مع تهديدات "داعش"؟.

العدد الكبير من الضحايا الذي تجاوز الـ300 وفق تأكيدات المصادر أهالي سيناء، كان سبباً وربما للمرة الأولى في دفن الضحايا في مقابر جماعية، تم حفرها بـ"اللوادر" الحفارات العملاقة، قبل أن يتم نقل العديد من الجثامين لمقابر أخرى خارج القرية بعدما ضاقت مقابر القرية عن ضم الضحايا.

روايات شهود العيان عن الحادث تطابقت في مجملها وتفاصيلها؛ أثناء صلاة الجمعة، وخلافاً للراوية الرائجة حول وجود تفجير استهدف محيط المسجد، فقد أكد شهود عيان أن مسلحين فتحوا النار على المصلين وهم داخل المسجد، وعند محاولة الباقين الفرار من المسجد قام عناصر بإطلاق النار عليهم وأشعلوا النيران في السيارات المتواجدة في محيط المسجد، لمنع نقل المصابين أو اسعافهم، قبل أن يلوذوا بالفرار، بعد أن قطعوا الطريق الدولي، لساعات. ومع تأخر وصول سيارات الإسعاف لعدم وجود تأمين لها خوفاً من استهدافها، ارتفع عدد الضحايا لهذا الرقم، خصوصاً مع عدم استعداد المستشفيات شمالي سيناء لاستقبال هذا العدد الكبير من الجرحى والمصابين، وعدم وجود الاسعافات واللوازم الطبية كأكياس نقل الدم. وهو ما حاولت الحكومة تجاوزه بنقل الجرحى والمصابين لمستشفى معهد ناصر في القاهرة.

وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء للعام 2016 فإن عدد سكان القرية من الرجال يبلغ تقريبا 1100، قتل الهجوم نحو ربعهم.

تنظيم "جنود الإسلام" المحسوب على "القاعدة" في سيناء، والذي تبنى تفجير المخابرات الحربية في رفح 2013، أصدر بياناً استنكر فيه الواقعة، معلناً براءته من العملية، ومشدداً على حرمة الدماء، خصوصاً أن هناك خلافات فكرية بين "داعش" و"جنود الإسلام" الذي يرفض قتل الجنود وصغار الضباط.

وقبل نحو شهر، أصدر تنظيم "جنود الإسلام" بياناً دعا فيه من أسماهم "خوارج البغدادي" من عناصر "داعش" إلى التوبة وتسليم السلاح. وهو أول بيان يصدره التنظيم بعد فترة كمون طويلة منذ تفجير مبنى المخابرات الحربية.

وعلى الرغم من توجيه أصابع الاتهام لـ"داعش" وعناصر "ولاية سيناء"، وفق العديد من المقدمات المنطقية، إلا أن عدم وجود إعلان رسمي بتبنى الحادثة حتى الآن يطرح احتمالاً آخر يشير إليه بعض المطلعين على الشأن السيناوي، بتورط شخصيات أو تنظيمات فلسطينية في ما جرى، رداً على اتفاق القاهرة بين "فتح" و"حماس". وهو احتمال، إن صح، سيعني أن سيناء باتت مهيأة لتصعيد أكبر للصدامات المسلحة بين العديد من الأطراف.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024