عفرين:فوضى السلاح تقصي "فرقة الحمزة"

خالد الخطيب

الجمعة 2020/05/29
يسود هدوء حذر في مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، بعد مواجهات دامية بين الفصائل استمرت لأكثر من 30 ساعة خلال اليومين الماضيين وقتل فيها 3 مدنيين على الأقل وجرح آخرين.

ويتخوف أهالي المدينة من عودة المواجهات والتوتر الأمني في حال فشل اتفاق الصلح الذي تم التوصل إليه بين الأطراف المتقاتلة، ليل الجمعة/السبت.

اتفاق الصلح
وتوصلت "فرقة الحمزة" التابعة ل"الجيش الوطني" الى اتفاق صلح مع وجهاء يمثلون الأهالي المهجرين من الغوطة الشرقية بريف دمشق المقيمين في عفرين، وضمِن الاتفاق تخفيف التوتر وإنهاء المظاهر المسلحة، وإحالة مقاتلي "فرقة الحمزة" المتهمين بقتل مدنيين إلى القضاء وعدم إطلاق سراحهم حتى نهاية المحكمة، كما تم التعهد بإفراغ مقر "الحمزة" الذي أطلقت منه النار على المدنيين، وعدم إشغاله إلا بعد انتهاء المحكمة وموافقة الطرفين.

ونص الاتفاق بين الطرفين على إخراج المقاتلين التابعين ل"الحمزة" الذين كانوا في المقر، خارج مدينة عفرين، وعلى تشكيل لجنة مشتركة للمتابعة والبت في القضية، إلى جانب تعويض المتضررين من الاشتباكات وعائلات القتلى بما يحكم به القضاء. وقع الاتفاق من جانب الحمزة قائدها العسكري، عبد الله حلاوة، وممثلين عن أهالي الغوطة الشرقية، وبوساطة قادة في فصيل "أحرار الشرقية".

ونشرت "الشرطة العسكرية" التابعة للجيش الوطني المئات من عناصرها في أحياء مدينة عفرين، وقطعت الطرق في محيط المنطقة التي كانت مركز المواجهات بين الطرفين، ومنعت أي مظاهر مسلحة فيها.

وقال قائد عسكري في "الشرطة العسكرية" في عفرين ل"المدن"، إن "فرقة الحمزة سلمتهم ثلاثة عناصر متهمين بقتل مدنيين، وسيتم إحالتهم إلى القضاء". وأضاف المصدر أن "الشرطة العسكرية جاهزة للقبض على أشخاص آخرين متورطين بإشعال الاقتتال في عفرين في حال طلبت منهم المحكمة، وفرقة الحمزة أبدت استعدادها للتعاون مع الشرطة والقضاء لإنهاء المشكلة وإنجاح اتفاق الصلح" بحسب ما أكد المصدر العسكري.

خروج الفصائل من عفرين 
تظاهر المئات من الأشخاص في عفرين بعد صلاة الجمعة، وهتف المتظاهرون ضد ما أسموهم "العناصر والفصائل الفاسدة"، وطالبوا قيادة "الجيش الوطني" باتخاذ إجراءات صارمة لمنع تكرار المواجهات بين المدنيين في الأحياء المأهولة، وطالب المتظاهرون بخروج كافة الفصائل من عفرين، وبالأخص "فرقة الحمزة" التي كان عناصرها سبباً في الاشتباكات الأخيرة وما نتج عنها من ضحايا في صفوف المدنيين.

وشيع المتظاهرون، جلال الزغلول، وهو مهجّر من الغوطة الشرقية، قتل في الأحداث الأخيرة في عفرين، وتوافد المتظاهرين في ما بعد إلى مقر الوالي التركي في عفرين، وتمكن وجهاء وممثلون عنهم من الدخول إلى المقر الواقع وسط المدينة من لقاء نائب الوالي وقدموا له قائمة مطالب.

مصادر محلية في عفرين قالت ل"المدن"، إن "فعاليات مدنية بينها مجلس شورى مدينة عربين والهيئة السياسية لدمشق وريفها وممثلين عن فعاليات مدنية وشخصيات مستقلة وأهالي القتلى التقوا بنائب الوالي التركي في عفرين لأن الوالي في إجازة". وبحسب المصادر "تعهد نائب الوالي التركي بمعاقبة المجرمين ومتابعة القضية وتحقيق المطالب التي قدمها المتظاهرون وتضمنت محاسبة القتلة وتحويلهم الى القضاء التركي، ودفع دية القتلى والتكفل بعلاج الجرحى ونفقاتهم، وإخلاء كافة أحياء المدينة من المقرات العسكرية ومنع انتشار الفصائل داخل عفرين".

ونجح أهالي الغوطة المقيمين في عفرين في التجييش على "فرقة الحمزة" ولم يخفف بيان الفرقة وتصريحات قائدها، سيف أبو بكر، والتي وعد فيها بمحاسبة المجرمين من حدة التوتر.

ومن بين الاتهامات الموجهة ل"فصيل الحمزة"، احتجازه نساء في مقراته في عفرين، بصفة معتقلات، وهو مخالف للقوانين المعمول بها في مناطق المعارضة، حيث تمنع قيادة "الجيش الوطني" احتجاز معتقلين ورهائن في مقار الفصائل. وتداولت المعارضة شريطاً مصوراً يظهر فيه مقاتلون من "جيش الإسلام" أثناء تحرير معتقلات من المقر المركزي التابع للحمزة وسط عفرين.

الناطق الرسمي في "الجيش الوطني"، الرائد يوسف حمود، قال ل"المدن"، إن " قيادة الجيش الوطني تدين أي انتهاك للقوانين المعمول بها في مناطق سيطرتها، واحتجاز الرهائن أو المعتقلين، من الرجال أو النساء على حد سواء، جريمة يعاقب عليها القانون العسكري".

وتعتبر "فرقة الحمزة" من أكثر الفصائل المعارضة السورية نفوذاً في عفرين، وسيطرت على عدد كبير من المنشآت والأراضي التي تعود ملكيتها لعناصر وأشخاص موالين ل"وحدات حماية الشعب الكردية" بعد دخول عفرين في العام 2018، وحولت الفرقة مقراً تابعاً للوحدات وسط عفرين إلى مقر مركزي لها يتمركز فيه عدد كبير من عناصرها.

مسببات القتال الداخلي
تتكرر حوادث الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة السورية بشكل كبير، وتتنوع الأسباب وراء المواجهات التي تنتهي عادة بتدخل المصلحين والوجهاء. في حادثة عفرين تجنبت فصائل الغوطة الشرقية، "جيش الإسلام" و "فيلق الرحمن" الانخراط بشكل رسمي في المواجهات.

ولفصائل الغوطة أسبابها في تجنب الانخراط العلني خوفاً من أن تصبح المواجهات بين المناطق، لذا دعمت بشكل غير مباشر الحراك المدني لفعاليات الغوطة المناهضة لوجود الفصائل في عفرين والمطالبة بخروجها من المدينة.

وسبق أن اندلع قتال دموي بين تشكيلات تابعة ل"الجبهة الشامية" بداية الأسبوع الماضي في بلدة سجو شمالي إعزاز بريف حلب الشمالي، وقتل حينها 4 عناصر على الأقل، سبقتها مواجهات مشابهة في مدينة الباب قتلت خلالها امرأة وأصيب عدد من الأطفال.

وفي منطقة "نبع السلام" شرقي الفرات شمال شرقي سوريا، تتقاتل الفصائل في ما بينها بين الحين والآخر. المواجهات بين الفصائل خلال شهر أيار/مايو في منطقتي تل أبيض ورأس العين تركزت بين فصائل "فرقة المعتصم" و "أحرار الشرقية" و "الفرقة 20".

وقال الرائد يوسف حمود ل"المدن"، إن الجيش الوطني تعامل مع المواجهات الداخلية بحزم وهناك مساعٍ لمنعها. وقال: "في مثل هذه المواجهات يتم إرسال قوات فض نزاع لوقف المواجهات، ويتم تحويل العناصر المتقاتلة إلى القضاء العسكري، والدفع باتجاه التعامل مع الشرطة العسكرية، وقد بدأنا بالفعل في اتخاذ إجراءات جادة لإخراج المظاهر المسلحة من مقار ومجموعات من المدن الكبيرة والأحياء المأهولة بالسكان".

الناشط السياسي، هشام سكيف، قال ل"المدن"، إن " الأحداث في عفرين نقطة سوداء في مسيرة الجيش الوطني الذي أُسس ليدافع عن الثورة وليعبر عن تطلعات أنصارها باعتباره مؤسسة عسكرية منضبطة ومنظمة". وأضاف أنه "لا بد من وضع حد للانتهاكات، وعلى قيادة الجيش الوطني أن تعيد تنظيم صفوفها مجدداً".

ولا ترجع المواجهات بين الفصائل إلى التنافس والصراع على النفوذ والمعابر الداخلية وحسب كما يتم الترويج دائماً. فوضى السلاح أدت إلى استخدامه في أصغر شجار بين مدنيين، أو عسكريين من الفصائل، وسرعان ما يتطور الشجار إلى مواجهات مسلحة أكبر داخل المدن والأحياء. حادثة عفرين بدأت بشجار بين عنصر من "فصيل الحمزة" وبائع من مهجري الغوطة الشرقية رفض بيعه مواد غذائية بالدين. مواجهات بلدة سجو بدأت أيضاَ بصدام بين عنصرين من الشامية بسبب المرور في اتجاه معاكس وتوسعت الى قتال كبير استمر لأكثر من 48 ساعة قتل وجرح خلالها 10 أشخاص على الأقل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024