النظام يسعى لتهجير أهالي وادي بردى

رائد الصالحاني

الأحد 2016/12/25
صعّدت مليشيات النظام من قصفها لقرى وادي بردى عموماً، وعين الفيجة خصوصاً، منذ 16 كانون الأول/ديسمبر وحتى اليوم، وذلك بغرض الوصول إلى "مصالحة شاملة" تقضي بخروج كافة سكان الوادي إلى الشمال السوري.

وكان القصف قد تصاعد، منذ 22 كانون الثاني، على الشوارع الرئيسية في بلدة بسيمة، ما تسبب في اغلاق كافة طرق ومنافذ وادي بردى-بسيمة-دير قانون، بشكل تام، في خرق واضح، للهدنة الموقعة منذ عام تقريباً. وتلى ذلك إستنفار لقوات "الحرس الجمهوري" المنتشرة في الجبال المحيطة بالمنطقة. وتصدت فصائل المعارضة لمحاولات التسلل التي تقوم بها مليشيات النظام و"حزب الله"، رغم أن الطيران الحربي ومروحي البراميل استهدفا بلدات الوادي بالصواريخ الفراغية، والبراميل متفجرة، بالتزامن مع رمايات عشوائية من المدفعية وصوارخ الفيل، استهدفت ديرمقرن وكفير الزيت وعين الفيجة، وحرم النبع.

لوادي بردى خصوصية عند النظام، فهي منطقة النبع الذي يغذي العاصمة دمشق بالماء، ونقطة مهمة لمجرى نهر بردى. في تشرين الثاني/نوفمبر، أرسل النظام طلباً إلى لجنة تفاوض الوادي كي تحضر إلى دمشق لبحث أمر تسوية المنطقة، ودخول الورشات لإصلاح خط المياه الذي تضرر بفعل القصف. وانتهت تلك الاجتماعات بأربع جلسات مع محافظ ريف دمشق، بالنيابة عن رئيس "الأمن القومي" اللواء علي مملوك. وقدمت في تلك الاجتماعات "لجنة التفاوض" بنوداً للهدنة، تم وضعها من قبل فصائل المعارضة، تفضي بوقف اطلاق النار وعودة أهالي قرى إفرة وهريرة إلى منازلهم بعدما تمّ تهجيرهم نتيجة العمليات العسكرية في المنطقة، فضلاً عن فتح الطرقات والسماح للمواد الغذائية والمحروقات بالدخول إلى قرى الوادي.

وبادرت فصائل الوادي بفتح الطريق والسماح للورشات بالدخول واصلاح خط المياه مقابل بدء النظام بتنفيذ شروطه. وما أن انتهت المهلة التي اعطتها الفصائل للنظام لتنفيذ بنود الاتفاق حتى بدأ الطيران الحربي بقصف المنطقة بعد الانتهاء من اصلاح خط المياه المغذي لدمشق، بحسب عضو "الهيئة الإعلامية" في وادي بردى عبدالقادر الفهد.

وبالتزامن مع الغارات التي بدأتها قوات النظام منتصف كانون الأول/ديسمبر، بدأت "لجنة المصالحة" بتحريك الشارع في وادي بردى ضد الفصائل، على غرار ما جرى في قدسيا والهامة. ولكن المظاهرة الوحيدة التي خرجت لم تجمع أكثر من 100 شخص، وسرعان ما انفضت بعد وقت قصير نتيجة عدم تجاوب الشارع معها. كما تمّ الترويج لخروج مسيرة نسائية في عين الفيجة، رُفعت فيها لافتات تدعو إلى "خروج الغرباء عن المنطقة وعين الفيجة بشكل خاص".

عبد القادر قال لـ"المدن" إن التصعيد الكبير على المنطقة، بدأ صباح الجمعة، بعدما استهدفت مليشيات النظام بشكل مباشر نبع الفيجة، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة بشكل نهائي، ودمار كامل المضخات وتلوث المياه بالمازوت ومواد أخرى. النظام اتهم فصائل المعارضة في الوادي، بتسميم مياه دمشق بالمازوت، وقام بقطعها عن أحياء العاصمة تجنباً لحالات تسمم. وبالتزامن مع القصف على قرية عين الفيجة، بدأت مليشيات النظام بالتحشيد لاقتحام قرية بسيمة. وتصدت الفصائل المحلية لمحاولات الاقتحام المتكررة التي لم تهدأ حتى اليوم، من دون وجود أي مفاوضات بين الطرفين.

منذ عام 2012 والنظام فاقد للسيطرة تماماً على مصدر مياه الشرب الوحيد الذي يغذي العاصمة دمشق، وأخدت الفصائل العسكرية تستخدمها كورقة ضغط سواء بشكل سري أو معلن، وقطعت المياه عن العاصمة عشرات المرات، من أجل وقف القصف على قرى الوادي ومناطق الريف الدمشقي وفك الحصار المفروض على المنطقة. الفصائل المُعارضة تدرك أن دورها سيأتي بعد تسليم مدن وبلدات ريف دمشق واحدة تلو الأخرى، وأن النظام يسعى للسيطرة على الوادي نظراً للأهمية العسكرية للمنطقة، وتوسطها أهم القلاع العسكرية في المنطقة الغربية من دمشق. ويحيط بوادي بردى مقرات "اللواء 104 حرس جمهوري" و"القوات الخاصة" و"اللواء 13 دفاع جوي" و"الكتيبة الصاروخية"، وغيرها من الثكنات العسكرية.

وبحسب عبدالقادر الفهد، فالنظام يرى أن تهجير كافة أهالي وادي بردى، من موالين ومعارضين، وتفريغ المنطقة من السكان، هو الحل الوحيد. وهو "ليس تحليلاً وإنما أمر واقعي أدركه أهالي وادي بردى وقرروا مواجهته". فالتسوية لن تكون بخروج الفصائل المعارضة من وادي بردى، فقط، بل ستقضي بتهجير مئات الآلاف من دون عودة. لذلك كان قرار المعارضة سريعاً في مواجهة مليشيات النظام ورفض أي مصالحة أو تسوية تقضي بخروج أي من أهلها إلى الشمال السوري. ويرى عبدالقادر أن النظام ربما سيتوقف عن القصف إذا استمر قطع المياه عن دمشق، ولكن الأمر سيكون مؤقتاً حتى إيجاد طريقة أخرى للسيطرة على الوادي.

الإشارات إلى رغبة النظام بتفريغ منطقة وادي بردى بكاملها من السكان، تعود إلى العام 2009، بعدما جُهّزت مساكن في عدرا، باسم "مساكن عين الفيجة". فالنظام كان بصدد نقل أهالي عين الفيجة إلى عدرا، وتحويل بلدتهم إلى ملاك تابع لـ"مؤسسة مياه الشرب". إلا أن أحد كبار العمر في عين الفيجة، قال لـ"المدن"، إن مسؤولاً إيرانياً كان قد زار النبع قبل العام 2009، وتمّت أثناء الزيارة عملية شراء إيران لمنطقة النبع، بقصد تحويلها إلى مزار شيعي، مقابل تفريغ المنطقة بالكامل ونقلها إلى المساكن التي تم البدء ببنائها بعد زيارة المسؤول الإيراني. الأمر الذي قوبل بالرفض المطلق من سكان القرية، واستفحل الموضوع ليصل إلى مرحلة الاستعصاء المسلح، قبل أن يؤجل النظام عملية التفريغ إلى إشعار آخر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024