البادية السورية:النظام عاجز أمام عودة "داعش"

محمد حسان

الثلاثاء 2020/01/28
هاجم عناصر من تنظيم "داعش" ليل الإثنين، مواقع لقوات النظام السوري في منطقة الرصافة جنوب محافظة الرقة، ما تسبب بمقتل 3 عناصر من قوات النظام وسقوط عدد من الجرحى، إضافة لتمكن التنظيم من أسر أربعة عناصر آخرين بحسب وسائل إعلام موالية للتنظيم.

هجمات "داعش" في دير الزور بدأت تنمو مؤخراً وتشهد الكثير من التطورات، أهمها التنوع الجغرافي للمناطق المستهدفة بعد أن كانت تقتصر في مجملها على مناطق بادية محافظة ديرالزور، كما باتت هجمات التنظيم لا تقتصر على المناطق العسكرية، بل باتت تشمل المنشآت الاقتصادية وطرق الأمداد الرئيسية التي تسلكها القوات المعادية للتنظيم.
مناطق الانتشار والتحرك 
تقتصر مناطق انتشار تنظيم "داعش" في الوقت الراهن كجماعات عسكرية على المناطق الصحراوية المفتوحة في وسط وشرق سوريا، وتقسم مناطق وجوده إلى قسمين: الأول مناطق غرب الفرات الخاضعة لسيطرة قوات النظام وحلفائها، القسم الثاني في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" وحلفائها.

ففي مناطق غرب الفرات تتركز أوكار التنظيم في ثلاث مناطق في عمق البادية هي: جبل البشري في الجزء الجنوبي الشرقي لمحافظة الرقة، والثانية في منطقة الدفينة جنوب غرب ديرالزور، أما الثالثة فهي المنطقة الصحراوية الممتدة بين مدينة تدمر والسخنة غرباً، ومنطقة 55 من الجنوب، ومحطة T2  من الشرق، ومنطقة فيضة ابن موينع من الشمال.

أما في مناطق شرق الفرات فتتواجد قطعات متنقلة للتنظيم في مناطق بادية الروضة شمال محافظة ديرالزور، وفي مناطق الأودية على طول الحدود السورية/العراقية بالقرب من مناطق جنوب شرق محافظة الحسكة.

وتتميز مناطق انتشار التنظيم بتضاريس مواتية للتخفي مثل الجبال والأودية والكهوف شديدة العمق، بالإضافة إلى المساحات الشاسعة من البوادي التي تشهد عواصف ترابية معظم الأوقات ما يحجب الرؤية الجوية وتزيل آثار تحركات التنظيم البرية بسرعة.

ويتحرك التنظيم في مناطق وجوده غرب الفرات ليلاً بحرية تامة في مجموعات ويُسير الدوريات التي ترفع رايته كما ينقل الذخائر والإمدادات بين مناطق تمركزه، أما نهاراً فالتحركات تكون قليلة وإن حصلت فيتحرك أعضاء التنظيم متخفين على شكل عناصر من قوات النظام أو على هيئة أفراد من سكان البادية المدنيين، فيما تكون تحركات عناصره في منطقة شرق الفرات ضمن خلاية أمنية فقط.
من أين أتوا؟
يتمتع مقاتلو "داعش" في مناطق انتشاره في البادية السورية بالقدرة على التأقلم مع الظروف الصحراوية القاسية، وقد كانت نواتهم معروفة باسم "قاطع البادية" أثناء ذروة تمدد التنظيم في سوريا والعراق نهاية عام 2014، ومعظم عناصر التنظيم المتواجدين حالياً هم من بقايا ذلك القاطع، تضاف لهم مجموعات التنظيم التي انسحبت من الحدود السورية اللبنانية ومن ضواحي دمشق بعد اتفاقات الإخلاء بين التنظيم وكل من روسيا و"حزب الله" أواخر عام 2017.

ويبلغ عدد مقاتلي "داعش" في جيوبه المنتشرة في البادية السورية غرب الفرات حوالي 1800 مقاتل، القسم الأكبر منهم مستقر في مخابئ التنظيم ومناطق سيطرته، وقسم قليل متنقل بين تلك المناطق ومناطق وجود التنظيم في الصحراء الغربية للعراق خاصة صحراء محافظة الأنبار.

أعداد التنظيم تزداد بشكل مضطرد نتيجة عودة الكثير من عناصره السابقة والتي اضطرت للهرب في مرحلة انهياره أواخر عام 2017، ومعظم هؤلاء العناصر ممن كانوا معتقلين في سجون قوات "قسد" وتم الأفراج عنهم، أو كانوا يتنقلون ضمن مناطق سيطرة الأطراف المعادية للتنظيم في سوريا والعراق بشكل مخفي.

ويسعى التنظيم من تجميع قوات في البادية لنيل فرصة التقاط أنفاسه وترتيب خطط انبعاثه في المراحل القادمة.
عمليات نوعية
زاد تنظيم "داعش" من هجماته التي تستهدف قوات النظام والميلشيات الموالية لها خلال الشهرين الماضيين، بمعدلات تكاد تكون هي الأعلى منذ انهياره أواخر عام 2017، بأساليب وطرق مختلفة عن هجماته التقليدية السابقة.

وتركزت هجمات التنظيم في كل من مناطق باديتي حمص الشرقية وديرالزور الجنوبية ومناطق جنوب محافظة الرقة، واستهدفت بشكل رئيسي طريق دمشق/ديرالزور الذي يعتبر من أهم خطوط إمداد قوات النظام في مناطق شرق سوريا، كما طالت هجمات التنظيم الشريط الحدودي بين سوريا والعراق بالقرب من مدينة البوكمال السورية ومدينة القائم العراقية.

وتميزت هجمات التنظيم مؤخراً في استهداف المنشآت الاقتصادية، حيث هاجم التنظيم خلال كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير حقلي آراك والهيل النفطيين الواقعين على طريق السخنة/تدمر شرق محافظة حمص، والتي تعد أهم الحقول في مناطق سيطرة النظام. وتمكن من السيطرة على أجزاء واسعة من الحقلين وقتل وأسر العشرات من عناصر الحماية قبل الانسحاب منها.

هجمات التنظيم النوعية استمرت مع أساليبه التقليدية، كالهجمات الخاطفة على نقاط النظام المتركزة على أطراف المدن أو عبر عمليات تفخيخ الطرق التي تسلكها قوات النظام.

وقال الناشط في شبكة "نهر ميديا" مصطفى العلي ل"المدن"، إن التنظيم شّن خلال الشهرين الأخيرين 27 هجوماً استهدف قوات النظام وحلفائها، وأسفرت الهجمات عن مقتل قرابة 100 عنصر بينهم ضابط إيراني و14 ضابط من قوات النظام السوري برتب مختلفة.

أما في مناطق شرق الفرات، فهجمات التنظيم مختلفة حيث يغيب الظهور العلني لعناصر التنظيم ويحضر العمل الأمني لخلاياه، والتي تقتصر هجماتها على عمليات الاغتيال لعناصر قوات "قسد" والمتعاونين معها من المدنيين.
فشل النظام و"قسد" 
تحاول كل من قوات النظام وقوات "قسد" توفير الحماية والحد من هجمات تنظيم "داعش" التي تستهدف مناطق سيطرة كل طرف، فالنظام يعمل في كل فترة على إطلاق عمليات عسكرية وسط البادية لتطهيرها من التنظيم، فيما تجهد "قسد" في متابعة خلاية التنظيم ومحاولة تطويقها والقضاء عليها.

حملات النظام للقضاء على جيوب التنظيم في وسط البادية تأتي بدعم من قوات الدفاع الوطني ومليشيات الحشد الشعبي العراقي، التي ترغب في تأمين مواقعها في مدينة البوكمال والتي تتعرض للهجوم بشكل متكرر من عناصر "داعش".

حتى الآن، باءت جميع محاولات النظام للقضاء على جيوب التنظيم بالفشل لأسباب متنوعة، أولها عدم التنسيق بين قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها في العمليات ضد "داعش"، إذ يعمل كل جانب لتأمين منطقة نفوذه الخاصة، والسبب الثاني عدم مشاركة القوات الروسية في العمليات العسكرية وعدم وجود غطاء جوي للقوات المهاجمة لأسباب غير معروفة.

أما السبب الثالث فهو أن أوكار التنظيم تقع في مناطق صحراوية شاسعة والنظام غير قادر على توفير ما يكفي من القوات العسكرية لتغطيتها، والسبب الرابع قدرة التنظيم على المناورة وتجنب الهجمات عبر التحركات المتواصلة في الصحراء.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024