ريف حلب: الشرطة عاجزة عن ضبط سلاح الفصائل

خالد الخطيب

الإثنين 2018/05/07
شهدت مدينة الباب في منطقة "درع الفرات" من ريف حلب الشمالي الشرقي، السبت والأحد، اضراباً شبه كامل بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها المدينة، والاشتباكات بين فصائل وعائلات في المدينة. حالات التعدي والاعتقال والبلطجة التي قامت بها مجموعات مسلحة تابعة للفصائل طالت عاملين في مشفى الحكمة ومشفى السلام. الأهالي الغاضبون تجمعوا أمام مبنى قيادة قوات الشرطة والأمن العام في الباب، وطالبوها بالتدخل، ووضع حد للفوضى وضبط السلاح.

وجرت مواجهات عنيفة، الأحد، في مدينة الباب بين "أحرار الشرقية" و"أسود الشرقية" من جهة، وعائلة الواكي المسلحة من جهة ثانية. وخلفت المواجهات سبعة قتلى وأكثر من 50 جريحاً معظمهم من المدنيين قتلوا قنصاً بالرأس، أو برصاص طائش أثناء الاشتباكات التي تركزت في قلب المدينة وأطرافها الشمالية الشرقية. القتال خلف أكثر من 20 جريحاً حالاتهم خطرة تم تحويلهم إلى المشافي التركية، وباقي الجرحى تم توزيعهم على مشافي المدينة ومشافي إعزاز ومارع.

واستخدم الطرفان خلال اشتباكات الأحد مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وقذائف الهاون، والحشوات المتفجرة المضادة للمجموعات. القتال والقصف منع الأطفال في المدارس من العودة إلى منازلهم. وقتلت امرأة برصاصة في الرأس، أمام طفلتيها في طريق العودة إلى المنزل بعد انتهاء الدوام في المدرسة.

"أحرار الشرقية" أصدرت بياناً توضيحياً أكدت فيه أن سبب الأحداث في الباب هو استمرار الحوادث المتكررة والاعتداءات من قبل مسلحين لا ينتمون للجيش الحر بهدف زعزعة أمن المنطقة، والعصيان المدني في الشوارع التي يقطنونها، في إشارة لعائلة الواكي التي اتهمها البيان بإغلاق محال المدنيين بقوة السلاح، وقطع الطرق.

ووقفت قوات الشرطة عاجزة عن فعل أي شيء، وبعد ساعات من الاقتتال وصل رتل عسكري تابع لـ"الفيلق الثالث" بهدف فض النزاع. وبجهود قوات الفصل، ووجهاء من الباب، وبوساطة من ضباط في الجيش التركي، تم التوصل لوقف إطلاق النار، ليل الأحد/الاثنين، وانسحبت "الشرقية" مع سلاحها الثقيل إلى خارج الباب، على أن يسلم الطرفان المتورطين في القتال إلى طرف ثالث، ومن ثم تحويلهم إلى القضاء.

ويرجع سبب الاقتتال إلى خلاف بين عناصر من "أسود الشرقية" مع بعض شباب عائلة الواكي. وتطور الخلاف الى إطلاق نار جرح على إثره عنصرين من "أسود الشرقية" تبعه تدخل مباشر من قبل "أحرار الشرقية" التي استقدمت تعزيزات عسكرية من عفرين وهاجمت الباب.
وينحدر أغلب عناصر "أسود الشرقية" و"أحرار الشرقية" من محافظة ديرالزور التي كانوا قد فروا منها بعد سيطرة تنظيم "الدولة" في العام 2014. قسم منهم وصل إلى ريف حلب الشمالي وكانوا نواة تشكيل "لواء أحرار الشرقية" الذي شارك في المعارك ضد التنظيم إلى جانب الفصائل في المنطقة. ويبلغ تعداد "أحرار الشرقية" الآن قرابة 1000 عنصر. أما "جيش أسود الشرقية" فقد شكله المقاتلون من أبناء ديرالزور الذين توجهوا إلى مناطق البادية والقلمون الشرقي. المئات منهم وصلوا مؤخراً إلى منطقة "درع الفرات" على متن حافلات التهجير من القلمون الشرقي، وغيرها من القرى والبلدات التي كان ينتشر فيها الفصيل إلى جانب "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"قوات الشهيد أحمد العبدو".

عُرف عن "أحرار الشرقية" في ريف حلب شراستهم في القتال، خاصة ضد تنظيم "الدولة"، وقُتِلَ منهم العشرات أثناء المعارك في المنطقة، وشهد الفصيل زيادة في عدد عناصره بعد انحسار التنظيم عن مناطق واسعة من شرقي سوريا خلال العام 2017 ووصول الآلاف من النازحين إلى ريف حلب. ويمكن اعتبار عناصر "أسود الشرقية" الذين وصلوا مؤخراً قد أصبحوا جزءاً من "أحرار الشرقية" في المنطقة.

في منتصف أيلول/سبتمبر 2016 طرد "أحرار الشرقية" 40 جندياً من القوات الخاصة الأميركية من ريف حلب الشمالي، كان "اللواء 51" قد أدخلهم إلى المنطقة. وفي أواخر أذار/مارس 2018، شهدت مدينة عفرين اقتتالاً عنيفاً بين "أحرار الشرقية" و"فرقة الحمزة" بعد مقتل القيادي أبو صكر القادسية. وتناقل ناشطون مؤخراً فيديوهات تظهر عناصر "أحرار الشرقية" وهم يتلفون كميات من المشروبات الكحولية في عفرين ويتهمون "السلطان مراد" بتسهيل مرور المشروبات إلى المنطقة.

ليست هذه المرة الأولى التي تنشب فيها مشاجرات واشتباكات بين فصائل ومجموعات مسلحة في الباب مع عائلة الواكي، أكبر عائلات المدينة وصاحبة التسليح العالي. قبل مدة اشتبكت العائلة مع مجموعات من مقاتلي حي الوعر الحمصي الذين يقطنون في الباب.

ظاهرة التعدي على المؤسسات الخدمية في المنطقة أصبحت منتشرة بكثرة، إذ شهدت الباب، السبت، اقتحام مجموعة مسلحة تابعة لـ"فرقة الحمزة" لمشفيي الحكمة والسلام، وقام قائد المجموعة، شقيق قائد الفرقة، ولقبه "اليابا"، بالتعدي على الكادر الطبي والتمريضي، وأشهر سلاحه الفردي في وجه الكادر وانهال عليهم بالشتائم. تلت ذلك تظاهرات ووقفات احتجاجية للأهالي أمام مبنى قيادة الشرطة تطالبهم بوضع حد للانتهاكات.

الضغط الشعبي أجبر "فرقة الحمزة" على فصل المجموعة، وتسليم قائدها للمحكمة في المدينة. قسم كبير من عناصر الفرقة متهمون بالسرقة وقطع الطرق. ويؤخذ على الفرقة أنها تضم في صفوفها مجموعات مسلحة غير مسيطر عليها.

ظاهرة فوضى السلاح في الباب تكاد تكون عامة تعاني منها منطقة "درع الفرات". المجموعات والكتائب التابعة للمعارضة المسلحة غير منضبطة بقوانين تمنعها من استخدام السلاح في الخلافات المحلية، رغم أنها تتبع تنظيمياً لـ"الجيش الوطني" الذي من المفترض أن يكون مظلة رسمية تطبق قوانينها على العناصر في ما يخص استخدام الأسلحة خارج المقرات.

وما يزال "الجيش الوطني" عنواناً عريضاَ من دون أي فاعلية تذكر على الأرض. هيكل تنظيمي للفصائل من أجل تسلم الرواتب، حتى اللحظة، لم يتحول بعد إلى جسم عسكري يملك القرار وتغيب فيه مسميات الفصائل والانتماءات الفصائلية التي تعتبر أصل التنافس والصراعات المحلية على النفوذ والسلطة.

الأسلحة الخفيفة والمتوسطة باتت سلعة سهلة المنال، تمتلكها معظم العائلات في المنطقة ويمكن استخدامها في أي خلاف مماثل، بين الأهالي أنفسهم، أو بين الأهالي وفصائل المعارضة.

قوات الشرطة غير قادرة بالفعل على التدخل، ووقف الانتهاكات بحق المؤسسات الخدمية، أو الفصل في الاقتتال الذي ينشب بين الحين والآخر في المدن والبلدات. والمؤسسات القضائية ليست محايدة، وتديرها بعض الفصائل وفيها من المحسوبيات والفساد الكثير. وبإمكان الجانب التركي ضبط الوضع الأمني في المنطقة في حال ضغط على الفصائل من ناحية التمويل، باعتبارها جميعاً باتت ممولة تركياً. كما يتوجب تمكين الشرطة لضبط السلاح والتخفيف من انتشاره بين الأهالي. بإمكان الجانب التركي تحرير المؤسسة القضائية من سطوة الفصائل.

وفي حال لم تتخذ إجراءات جريئة لوقف الفلتان الأمني وفوضى السلاح، ستكون المنطقة أمام فوضى متصاعدة بعد انتهاء المعارك مع النظام و"داعش" و"وحدات الحماية". وربما ستسمح الفوضى الأمنية لخلايا النظام بأن تنشط أكثر. وقد تنجر بعض الفصائل إلى عقائد متطرفة، كما ظهر أثناء القتال الأخير في الباب، إذ بدأ أنصار السلفية الجهادية و"هيئة تحرير الشام" بالتحدث عن محاسن "أحرار الشرقية" واعتبارها أفضل الموجود في المنطقة. محاولة قد تكون لاختراق "درع الفرات" الممنوعة على السلفيين، حتى الآن.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024