"أحرار الشام" تحل مكتبها الشرعي: انتصار للمكتب السياسي؟

عقيل حسين

الجمعة 2015/11/20
يبدو أن المنافسة بين المكتب السياسي والمكتب الشرعي، في حركة "أحرار الشام الإسلامية" في سوريا، قد حسمت لصالح المكتب السياسي، بعد جولات لم تستطع الحركة ابقاء تطوراتها بعيداً عن وسائل الإعلام.

فقد قررت قيادة الحركة، الأربعاء، حل المكتب الشرعي الذي يترأسه أبو محمد الصادق، الشخصية المثيرة للجدل خلال الفترة الماضية، بسبب العديد من المواقف التي صدرت عنه، ووصفت بالصدامية. لكن بيان الحركة الذي أعلن هذا الإجراء، قال إن القرار هو "إعادة هيكلة للمكتب الشرعي تحت اسم هيئة الدعوة والارشاد"، كما تضمن إحداث "الهيئة القضائية" في الحركة، وهو الأمر الذي رأى فيه البعض محاولة واضحة من القيادة لتجنب إثارة المزيد من الجدل في هذا الموضوع.

وبينما يؤكد البعض أن هذا القرار قد تم الترتيب له منذ فترة غير قصيرة، وأنه كان يفترض أن يتم اتخاذه بعد انتخاب رئيس جديد للحركة، في أيلول/سبتمبر 2015، أكد آخرون أن القرار احتاج إلى ترتيبات خاصة، نظراً لحساسية الموضوع، وبما يمنع أي تأويلات يمكن أن تفسر على أنها خلافات داخل الحركة وانتصار لتيار على آخر.

لكن مصادر خاصة أكدت لـ"المدن"، أن قرار حل المكتب الشرعي في الحركة لم يكن إجراء صعباً، خاصة مع وجود شبه اجماع داخل الحركة على ترهل المكتب وعدم فاعليته، تحت قيادة رئيسه أبو محمد الصادق، الذي يحمّله البعض المسؤولية عن حدوث توترات داخل الحركة مؤخراً، بعدما تسبب تعيينه في هذا المنصب بخلافات أصلاً.

المصادر أضافت أن التأخر في الإعلان عن هذا القرار، كان بسبب انشغال "حركة أحرار الشام" بالتطورات المتسارعة على الساحة السورية، والتي تطلبت تركيزاً خاصاً جداً من قيادة الحركة. وآخر هذه التطورات، التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، والمشاكل الداخلية في "جيش الفتح"، بالإضافة إلى ترتيبات التمهيد للحل السياسي في البلاد.

لكن المتحدث باسم "حركة أحرار الشام" أحمد قره علي، نفى لـ"المدن"، وجود أي انقسامات أو صراعات داخل الحركة، وأكد أن الهدف من نشر هذه الإشاعات، هو تشويه سمعتها، والتشويش على مساعي قيادتها لتطوير العمل داخل الحركة.

وقال قره علي: "إن ما جرى لا يعدو أن يكون إجراء إدارياً عادياً، يأتي في سياق تطوير عمل المكاتب في الحركة التي تعتمد الأسلوب المؤسساتي في عملها، الأمر الذي جعل منها أكثر تماسكاً وانسجاماً". وذكّر قره علي، بانتخاب المهندس مهند المصري، قائداً جديداً للحركة، مؤخراً، مؤكداً أن مثل هذا الحراك يعتبر مؤشراً صحياً على حيوية الحركة، وسعيها الدائم لبذل ما في وسعها لتكون بمستوى الحدث.

وكان مجلس شورى الحركة، قد اختارفي أيلول/سبتمبر الماضي، المصري، خلفاً للقائد السابق أبو جابر الشيخ، الذي تمت تسميته في القرار الأخير الصادر الأربعاء، "رئيساً لهيئة الدعوة والإرشاد" التي قرر مجلس قيادة الحركة إحداثها، بديلاً عن "المكتب الشرعي".

ويرى البعض أن تسمية الشيخ، رجل الحركة القوي لقيادة الهيئة الجديدة، سيزيد من قوة القرار الأخير ويجعله أكثر اقناعاً، ويمنحه ثقلاً أكبر داخل الحركة، التي لا زالت تعيش مخاض انتاج هوية سياسية، يتطلب إنجازها انسجاماً لا يقبل التشكيك.

ويبدي البعض تخوفا من أن يؤدي ما يسمونه "الاندفاع" في هذا الاتجاه إلى نتائج عكسية. إلا أن نجاح كوادر الحركة وقياداتها في تجاوز العديد من المحطات الخطرة، والتي كان أهمها على الاطلاق، اغتيال قادة الحركة الخمسين في يوم واحد قبل عامين، كانت عاملاً مشجعاً لقيادة "أحرار الشام" على المضي قدماً في ما كانت قد بدأت به القيادة الراحلة للحركة. الأمر الذي أُعتبر تطوراً غير مسبوق في التيار "السلفي الجهادي" بشكل عام.

كما يؤكد مطلعون، أن مكتب الحركة الشرعي الذي تم حله، لا يشكل تياراً داخل الحركة يمكن التخوف منه، خاصة وأن رئيسه أبو محمد الصادق ليس من القادة المؤسسين للحركة، ولا يحظى بشعبية خاصة فيها. كما شهدت مرحلة إدارة الصادق، لـ"المكتب الشرعي" تقلصاً كبيراً في نشاطاته، نتيجة ابتعاد عدد كبير من كوادر المكتب بسبب عدم انسجامهم معه.

وكان التباين في وجهات النظر حول التعاون مع تركيا، في ما يتعلق بخطة أنقرة لإنشاء المنطقة الآمنة شمالي حلب، أحد أبرز القضايا الخلافية بين المكتبين السياسي والشرعي في الحركة. وهاجم الشيخ أبو محمد الصادق، بيان الحركة الصادر عن المكتب السياسي بهذا الخصوص، ورأى أنه مخالف لرأي المكتب الشرعي وسياسة الحركة الشرعية.

ويعتبر البعض أن موقف الصادق، بذلك الخصوص، ليس مفاجئاً، ويعبّر عن حقيقة التشدد الذي يعرف به الرجل، ويصفه هؤلاء بأنه صاحب توجه فكري أقرب إلى تنظيم "القاعدة"، ويرجعون ذلك إلى مسيرته الجهادية التي بدأت بالتعاون مع أبو مصعب الزرقاوي، كمندوب له في شمال سوريا. مسيرة تطورت في "سجن صدنايا" بعد اعتقال الصادق عام 2005، بينما لم يعرف عن الصادق تحصيل أكاديمي في العلوم الشرعية. ويرى آخرون أن مثل هذا التوصيف فيه مبالغة، وأن الصادق، ليس الرجل الوحيد في الحركة الذي له اجتهاد مختلف عن التوجه العام لقيادتها الحالية، وإن كان هذا التوجه محصوراً في عدد محدود من الشخصيات المحسوبة على "الحرس القديم" فيها.

ويتفق أصحاب هذا الرأي، على أنه لا يمكن توقع إنجاز تحول فكري على مستوى كبير، كالذي تسعى إليه حركة "أحرار الشام" بسهولة ودون عقبات. إلا أن الحركة أثبتت أنها قادرة بالفعل على تحقيق ذلك، بعدما تجاوزت العديد من المحطات الصعبة خلال العامين الماضيين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024