حماة: المعارضة تنقل المعركة إلى معاقل النظام

خالد الخطيب

السبت 2019/06/08
استنفرت مليشيات النظام الروسية المزيد من الدعم البري للتصدي لهجمات المعارضة المسلحة المستمرة شمال غربي حماة، ليل الجمعة/السبت، وكثفت الطائرات الحربية والمروحية من غاراتها الجوية مستهدفة مواقع المعارضة المتقدمة، في حين حافظت المعارضة على اندفاعتها وحققت المزيد من المكاسب وكثفت النيران مستهدفة عمق مناطق المليشيات.

الفتح المبين في محورين

بدأت المعارضة المرحلة الثانية من معركتها بإشغال محورين رئيسيين؛ الأول استهدف قرية الحماميات وتلتها ومركز ناحية كرناز، حيث اتبعت القوات المهاجمة تكتيك قطع طرق الامداد وحصار الهدف، ونجحت بالفعل في عزل الحماميات وتطويقها. وكادت المعارضة تسيطر عليها لولا تدخل القوات الخاصة الروسية، وتعزيزات من مليشيا "الدفاع الوطني" بقيادة سيمون الوكيل، استطاعت فك حصار عن الحماميات وفتح طريق الامداد بينها وبين كرناز.

تولى فصيلا "جيش العزة" و"أحرار الشام"، الجزء الأكبر من المجهود الحربي في محور العمليات الأول، وقدمت لهما فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" تغطية نارية هائلة، مستهدفة مواقع المليشيات وطرق امدادها.

وتسعى المعارضة إلى السيطرة على كرناز باعتبارها مركزاً عمرانياً وسكانياً كبيراً يجاوره معسكر بريدج، الذي كان أحد قواعد انطلاق معركة المليشيات الأخيرة في ريف حماة. ومن المفترض أن توفر كرناز للمعارضة فرصة تثبيت خطوط السيطرة والاحتفاظ بمكاسبها في الخطوط الخلفية. وتكفل السيطرة عليها نجاح تكتيك المعارضة الذي يفترض نقل المعركة إلى مناطق المليشيات وإجبارها على اتباع سياسة الأرض المحروقة المعتادة لاستعادة مواقعها، ولكن هذه المرة في عمق مناطقها والمواقع المستهدفة بالتدمير تخص الموالين لها.

أما محور العمليات الثاني، فقد انطلق من قرية تل ملح نحو قرية الجلمة كخطوة أولى، وكان من المفترض أن يتابع مسيره نحو الشيخ حديد. وبدأت "هيئة تحرير الشام" الهجوم بتفجير سيارة مفخخة استهدفت تجمعاً للمليشيات في العصمان في الطريق الواصل بين تل ملح والجلمة، وتبعه هجوم بري للمعارضة، على رأسها "الجبهة الشامية". وتمكن المهاجمون من السيطرة على العصمان والجلمة. وأُجبِرَت المعارضة على إيقاف هجومها بسبب كثافة النيران.

الناطق باسم "الجبهة الوطنية"، النقيب ناجي مصطفى، أكد لـ"المدن"، أن المرحلتين الأولى والثانية قد نجحتا، وحققتا جزءاً كبيراً من أهدافهما. وبحسب مصطفى، فإن هناك المزيد من المراحل والتكتيكات العسكرية التي تتناسب مع تطور العمل البري ومستوى رد فعل المليشيات. وأكد مصطفى، أن المليشيات بدت مشتتة للغاية مؤخراً بسبب خسائرها الكبيرة.

قصف متبادل

لأول مرة تستخدم المعارضة هذا الكم من النيران في معاركها ضد المليشيات، من صواريخ "الفيل" محلية الصنع لاستهداف مواقع المليشيا. ومهدت المعارضة لتقدمها في محوري القتال، بقصف عنيف بالهاون والمدفعية والدبابات، واستهدفت بعشرات الصواريخ من طراز غراد متوسطة وبعيدة المدى معسكرات المليشيات في محيط مدينة حماة ومطارها العسكري، ومصياف وسلحب والسفوح الشرقية لجبال الساحل.

وركزت المليشيات نيرانها البرية والجوية على جبهات المعارضة وخطوط امدادها. وشنت الطائرات الحربية أكثر من 100 غارة جوية، وتحولت ثكنات المليشيات ومواقعها في محيط حماة إلى مرابض مدفعية وصواريخ تقدم الدعم الناري للمليشيات.

خط دفاعي

أنشأت المليشيات خطاً دفاعياً ثانياً بعد انهيار دفاعاتها الأولى، وأعادت نشر المزيد من التعزيزات المدرعة والمشاة من "الفيلق الخامس" و"قوات النمر" و"الفرقة التاسعة" و"الفرقة الأولى مدرعات". وأنشأت غرفة عمليات مصغرة في محردة بقيادة القوات الروسية، التي استقدمت تعزيزات من معسكر جورين، بهدف إيقاف زحف المعارضة والتحول من موقع الدفاع إلى الهجوم.

وبرغم التعزيزات والنار الهائلة التي تتمتع بها المليشيات إلا أنها لم تنجح في وقف تقدم المعارضة. وبدت المليشيات مشتتة وغير ملتزمة بتعليمات غرفة العمليات الروسية، بسبب خسائرها، وغلبة عاملي الرعب والمفاجأة لعمليات المعارضة التي تستهدف مركز ثقل المليشيات.

فالمجال الذي تستهدفه المعارضة في عمليتها هو مركز منطقة و3 نواحٍ وقراها، وهي من أكثر مناطق حماة ولاءً للنظام، وأكثرها تنوعاً، دينياً وطائفياً. وفي الوقت ذاته، تمد تلك المنطقة المليشيات بالجزء الأكبر من العنصر البشري المشارك فعلاً في المعارك.

تكتيكات المعارضة

لم تغفل المعارضة أهمية عاملي الانتشار والتنظيم في معركتها، وبدا أنها احتفظت بخطوطها الدفاعية في سهل الغاب وجنوبي ادلب، وزجت بتشكيلات جديدة في معركتها، وسلمت "جيش العزة" الجزء الأكبر من قيادة العمليات الهجومية والاستطلاع بالقوة، بحكم معرفته بجغرافية المناطق المستهدفة، وحجم القدرات الحربية وشكل دفاعات العدو وتوزعها.

وزجت "أحرار الشام"، بعدد كبير من مقاتليها في المعركة، ويشارك المئات من مقاتليها القادمين من ريف حلب. وكان لافتاً حجم مشاركة "الجبهة الشامية" في المعركة، واستخدامها الدبابات والمدرعات والأسلحة النوعية التي أتت بها من ريف حلب.

استراتيجية المعركة

لا تضع المعارضة سقفاً مرتفعاً لأهداف معركتها، ويؤكد قادتها أن الهدف البارز هو استعادة ما خسروه لصالح المليشيات منذ بداية أيار/مايو. ويمكن اعتبار التحرك في الخطوط الخلفية محاولة لإثبات قدرة المعارضة على تشتيت المليشيات وتهديد مجالها الحيوي. الأهداف المتواضعة التي تتحدث عنها المعارضة قد تكون جزءاً من التكتيك المتبع.

القائد العسكري في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أكد لـ"المدن"، أن نقل المعركة الى أرض العدو تكتيك جديد سيؤدي حتما الى كسب أراضٍ جديدة وتعرية المليشيات أمام الموالين، لأن كلفة استعادة المواقع وفق سياسة المليشيات تعني التدمير الشامل. وبحسب بكور، هناك أهداف استراتيجية تحققها العملية، من نقل المعارك إلى مناطق المليشيات وتهديدها في معاقلها التقليدية وإثبات قدرة المعارضة على المبادرة، والأهم الآن، هو استمرار الحماسة لدى المعارضة لمتابعة مراحل عمليتها التي تحتاج للمزيد من التخطيط والتنظيم والمقاتلين النوعيين.

استمرار العملية

تحتاج المعارضة الى كم هائل من الذخائر المتنوعة والنوعية لكي تستمر في التقدم أو على الأقل الاحتفاظ بمكتسباتها. الانتقال إلى مراحل جديدة من عمليتها والتوغل البري سيكلفها الكثير من عتادها وأعدادها، لذا لا بد أن تتوافر عوامل الاستمرار وإلا ستقع في فخ الانهيار المفاجئ أمام نيران المليشيات المتوحشة التي لن تكف عن حرق الميدان.

مسؤول العلاقات السياسية والعسكرية في "جيش العزة" المقدم سامر الصالح، قال لـ"المدن": "لدى المعارضة مقومات كافية لاستمرار المعركة، ولم تعد مكاسب المعارضة تقتصر فقط على استنزاف العدو، بل باتت تسيطر براً وتتقدم وتهدد معاقل المليشيات البعيدة". وبحسب الصالح، فقد خسرت المليشيات في العمليات الأخيرة أكثر من 100 عنصر بينهم ضباط وقادة ميدانيون.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024