ادلب: مليشيات النظام تتقدم بالنار

خالد الخطيب

الإثنين 2019/11/25

بدت الهجمات البرية لمليشيات النظام مؤخراً أكثر تركيزاً في جبهات جنوب شرق ادلب، واقتربت المليشيات من السيطرة الكلية على الطريق الواصل بين سنجار وخان شيخون بعد أن دمرت دفاعات المعارضة في منطقة العمليات خلال الأيام القليلة الماضية، لكن المليشيات تواجه صعوبة في تثبيت سيطرتها أمام الهجمات المعاكسة التي تشنها المعارضة، لاعتمادها أصلاً على القوة النارية في التقدم بدلاً من الكثافة العددية من العناصر والمجموعات القتالية.

أهداف العمليات البرية
سيطرت مليشيات النظام، ليل الأحد/الاثنين، على بلدة أم الخلاخيل والمزارع المحيطة ووصلت إلى مشارف قرية أرض الزرزور جنوب شرق ادلب في ريف معرة النعمان. وشهدت المنطقة معارك هي الأعنف بعد منتصف الليل بين المليشيات والفصائل المعارضة والإٍسلامية، وكثفت المليشيات من قصفها الجوي والبري لتمنع أي هجمات معاكسة للمعارضة، ولتستفيد من الوقت أثناء التصعيد الناري في عمليات التحصين وتثبيت السيطرة في المواقع الجديدة.

ويبدو أن لمليشيات النظام مجموعة من الأهداف العسكرية تسعى إلى تحقيقها من خلال هجماتها البرية، أهمها، السيطرة على كامل الطريق الواصل بين مركز ناحية سنجار شرقي ادلب وخان شيخون جنوباً، ولتأمين الطريق لابد من السيطرة على بلدتي أم الخلاخيل وأرض الزرزور والمزارع الواقعة إلى الشمال الغربي، وتستفيد المليشيات إذا ما تمكنت بالفعل من السيطرة على الطريق في اختصار المسافة الفاصلة بين نقاط تمركز القوات الروسية جنوبي سنجار وخان شيخون، وهما نقطتا التمركز والعمليات الأهم للمليشيات، وتسمح السيطرة المفترضة على الطريق بتهديد كامل ريف المعرة الجنوبي الشرقي الواقع إلى الجنوب من نقطة المراقبة التركية في الصرمان، ومن المفترض أن تتقدم نحوه المليشيات في مرحلة لاحقة من العمليات العسكرية، وهذا ما يبدو من خلال القصف الجوي والبري للمنطقة.

إشغال المليشيات لمحوري أم الخلاخيل وأرض الزرزور حقق للمليشيات هدفاً آخر تمثل في تشتيت دفاعات المعارضة في المحاور العليا ومنعها من شن هجمات معاكسة لاستعادة المشيرفة التي خسرتها مرة أخرى لصالح المليشيات، الأحد، ويعتبر محور المشيرفة محوراً رئيسياً للعمليات الواسعة التي تهدف إلى السيطرة على ريف المعرة الجنوبي الشرقي وصولاً إلى مشارف الطريق الدولي، ويعتمد تكتيك المليشيات المفترض على إشغال محورين، شرقي وجنوبي، الشرقي أطلق بالفعل ويبقى إشغال المحور الجنوبي وفي الغالب سيكون انطلاقاً من تل النار أو تل سيدي علي شمال شرق خان شيخون وهدفه الكبير بلدة التح، تكتيك محوري العمليات والتمدد في محور عمليات بري ضيق تكتيك اتبعته المليشيات شمالي حماة.

تقدم ناري
اعتمدت مليشيات النظام في هجماتها البرية الأخيرة على القوة النارية وكثافتها التي تركزت في رقعة جغرافية محدودة وأجبرت المعارضة على التراجع والانسحاب من مواقعها أكثر من مرة خلال الأيام القليلة الماضية، ولم يكن في امكان مقاتلي الفصائل المعارضة البقاء في مواقعهم المتقدمة في خط التماس الممتد من تل خزنة شمالاً وحتى أرض الزرزور جنوباً، وهو الخط الذي انطلقت منه محاور الهجمات البرية للمليشيات وفيه الغالبية العظمى من مرابض المدفعية وراجمات الصواريخ الروسية والتي ركزت نيرانها على الخطوط الخلفية للمعارضة وطرق امدادها بعمق 15 كلم تقريباً.

وتهدف المليشيات من خلال استخدام النيران الكثيفة في عملياتها البرية إلى تعويض النقص وعدم كفاية القوة البشرية المفترض تسخيرها في عمليات الاقتحام والسيطرة وتثبيت المواقع، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من التشكيلات والفرق العسكرية وعناصر المصالحات تم إرسالهم إلى مناطق شرقي الفرات شمال شرق سوريا، وانعكاس ذلك على المليشيات بدا في مدى قدرتها على حماية وتأمين المواقع حديثة السيطرة من هجمات المعارضة المعاكسة، وبدت المليشيات منهمكة بعد منتصف ليل الأحد/الاثنين، في إنشاء التحصينات حول أم الخلاخيل وأطراف المشيرفة لتهيء نفسها لمواجهة مفترضة مع المعارضة التي ستعود لتستعيد مواقعها.

مصدر عسكري في "الفرقة الوسطى" التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، أكد لـ"المدن"، أن مليشيات النظام الإيرانية شاركت في الهجمات البرية إلى جانب مليشيات النظام الروسية من "الفرقة 25" و"الفيلق الخامس". وبحسب المصدر، اشتركت مجموعات تتبع لـ"حزب الله" في الهجوم نحو أم الخلاخيل وأرض الزرزور.

وبحسب المصدر، تتبع المليشيات سياسة الأرض المحروقة في عملياتها لكنها تغطي مدى مكانياً محدوداً ويخدم العمليات الهجومية ويمهد لها، إذ لا تسمح النيران الكثيفة بوقوع مواجهات والتحام مباشر لأن مجموعات المعارضة المرابطة في المكان يتم إجبارها بالقوة على الانسحاب وفي حال أصرت بعض المجموعات على البقاء في مواقعها إلى حين وصول المليشيات لن يكون أدائها متناسباً مع أداء القوات المهاجمة. وحصل أكثر من التحام بين مجموعات من المعارضة وقوات النظام في جبهات جنوب شرقي ادلب مؤخراً وكانت النتيجة سلبية بسبب تعرض المرابطين لقصف مركز أفقدهم القدرة على الحركة والمناورة وحرمهم من الاستفادة من التحصينات والعتاد المتوفر.

وبرغم تركز الهجمات البرية للمليشيات في جبهات جنوب شرق ادلب، إلا أن القصف الجوي والبري طال مناطق جنوبي ادلب وجبل الزاوية، والتي شهدت قصفاً أكثر كثافة عن طريق الطائرات المروحية، استمر حتى ساعة متأخرة بعد منتصف الليل. وقصفت الطائرات الحربية الروسية مشفى كيوان في بلدة كنصفرة، وتسبب القصف بدمار واسع في المشفى وخروجه عن الخدمة، وزاد عن 150 عدد الغارات الجوية التي شنتها الطائرات الحربية والمروحية خلال 12 ساعة فقط.

هل تصعد المعارضة؟
بدأت الدعوات في صفوف المعارضة للانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وفتح معارك إشغال ومحاور عمليات جديدة ضد مليشيات النظام لمنعها من مواصلة التقدم في جبهات جنوب شرق ادلب، بعد سيطرة المليشيات على أم الخلاخيل واقترابها من السيطرة الكاملة على طريق سنجار-خان شيخون وبدأت المعارضة تتعامل بجدية أكبر مع التهديدات، وأرسلت المزيد من التعزيزات العسكرية إلى جبهات القتال المشتعلة.

ومعظم التعزيزات من "أحرار الشام" و"صقور الشام" وغيرها من الفصائل التابعة للجبهة الوطنية، وأرسلت "هيئة تحرير الشام" مجموعات جديدة من "جيش أبو بكر" إلى نقاط التماس التي ينتشر فيها مقاتلوها، لكن لم تلمح الفصائل المعارضة والإسلامية إلى أي عمل هجومي مفترض خارج منطقة العمليات المشتعلة.

تعول المعارضة على الهجمات المعاكسة لاستعادة مواقعها وتحويل الهجمات التي تنفذها المليشيات إلى معارك كر وفر، وتفضل المعارضة البقاء في موقع المدافع الذي يمتص الهجمات بدلاً من التصعيد الذي سيقابله تصعيد أكبر من قبل المليشيات. تكتيك المعارضة في هذا الاتجاه لن يستمر طويلاً في حال وسعت المليشيات من عملياتها وسيطرت على مواقع مهمة جديدة وتمكنت بالفعل من تثبيت سيطرتها. وبالتالي تهديد مناطق واسعة في ريف المعرة وهو ما سيدعو المعارضة إلى الاستنفار والتفكير في آليات جديدة تمنع تقدم المليشيات وتشتت مجهودها الحربي المركز.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024