دمشق:سوق سوداء للذهب..وللخبز

نور عويتي

الأربعاء 2020/04/22
وسط تذمر شعبي من الإجراءات الاحترازية غير المجدية التي قام بها النظام السوري لمكافحة فيروس كورونا، من إغلاق المحلات التجارية وإيقاف المواصلات العامة مع فرض حظر تجول ضمن ساعات الليل فقط؛ بدأ النظام السوري بإعادة الحياة إلى طبيعتها في مناطق سيطرته تدريجياً.

القرار أتى على خلفية غضب شعبي ناتج عن تدهور الأحوال المادية للغالبية العظمى من المواطنين بسبب تعطّل أشغالهم، إضافةً إلى استهجان الإجراءات الصارمة مقارنة بقلّة عدد المصابين بفيروس كورونا المصرح بهم من قبل وزارة الصحة في حكومة النظام السوري؛ فإلى اليوم لم تصرح وزارة الصحة سوى عن 42 إصابة.

ومن الإجراءات الجديدة التي قام بها النظام السوري، تقليص ساعات حظر التجول بالتزامن مع حلول شهر رمضان، ليصبح حظر التجول من الساعة السابعة والنصف مساءً حتى السادسة صباحاً، وعودة وسائل المواصلات العامة إلى العمل، والسماح لأصحاب بعض المهن بإعادة ممارسة عملهم بعد أن أصدر النظام قرارات بإيقافهم.

وسمحت الحكومة من خلال قرارين متتاليين بفتح كافة المحلات التجارية عدا المقاهي والمطاعم، وذلك بنظام المناوبة طيلة أيام الأسبوع، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثالثة ظهراً، تحت مسمى الفعاليات الخدمية الخاصة.

وكان من اللافت بقرارات مجلس الوزراء التي تسعى لإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي أنها
بدأت بالسماح لصاغة الذهب بإعادة افتتاح محلاتهم بشكل استثنائي يومين في الأسبوع، بعد الضغط الكبير من قبل جمعية الصاغة في دمشق. 

ويبدو أنه في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطنين بسبب تعطيل أعمالهم وبسبب عجز الحكومة عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، اتجه بعض المواطنين إلى بيع ممتلكاتهم من الذهب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأسعار تختلف بشكل كبير عن سعر غرام الذهب الحقيقي مقابل الليرة السورية، وهو الأمر الذي تخوف منه الصاغة في دمشق.

ويقول مصدر من جمعية الصاغة في دمشق ل"المدن": "بدأ بعض الصاغة على وسائل التواصل الاجتماعي باستغلال حاجة البعض للمال، وقام بعرض شراء الذهب من الناس بأسعار بخسة، تصل إلى نصف سعر الذهب الحقيقي اليوم. وبعدها بدأت تنشأ  مجموعات وصفحات لبيع الذهب بالاتفاق بين البائع والشاري دون الاهتمام بوزن الذهب أو الرجوع إلى سعره؛ الأمر الذي قد يؤثر سلباً في ما بعد على سعر الذهب في محالات الصاغة ويفتح باب لوجود سوق سوداء لبيع وشراء الذهب. ومن هذا المنطلق طالب عدد كبير من الصاغة من جمعية الصاغة بفتح محلات الصاغة".

ومع اقتراب حلول شهر رمضان ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني، وسط تجاهل حكومي واضح، حيث تراوح سعر ربطة الخبز السياحي بين 900 و1200 ليرة سورية، ليصبح تأمين الخبز اليومي أمراً تعجز شريحة كبيرة من المواطنين في سوريا، خاصةً بعد أن قامت الدولة بإدراج توزيع الخبز الحكومي المدعوم من قبلها على البطاقة الذكية؛ لتتعقد مسألة الحصول على الخبز الحكومي المدعوم والذي تم تسعيره ب50 ليرة سورية.

إدراج الخبز على البطاقة الذكية، تسبب بأزمة غذائية هي الأسوأ للسوريين منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية، حيث حددت الدولة حصة الفرد والأسرة من الخبز بحسب تقديرها لاحتياجاتهم، مما جعل عدداً كبيراً من الأفران تقوم بإنقاص عدد أرغفة الخبز في الربطة، باعتبارها تكفي حاجة بعض المواطنين ليوم واحد. 

وروى مصدر من دمشق ل"المدن تجربته الشخصية قائلاً: "وقفت ساعات أمام سيارة المندوب الحكومي لأتمكن من شراء ربطة خبز، قبل أن أتفاجأ بأنني لن أتمكن من الحصول سوى على ثلاثة أرغفة فقط بموجب البطاقة الذكية باعتباري رجلاً عازباً، مع العلم بأننا لم نسمع عن قرارات تلزم المخابز بعدم بيع العازبين ربطة خبز كاملة".

إدراج الخبر على نظام البطاقة الذكية، وتحديد حصة الفرد بما تناسب احتياجاته اليومية، أدى إلى تفاقم أزمة الازدحام عند الأفران وسيارات مندوبي بيع الخبز، ما جعل العديد من العائلات تقصد المخبز بشكل يومي لتأمين احتياجاتها.. هذه التجمعات جعلت السوريين يتساءلون عن جدوى فرض حظر صحي فيما تشهد الأفران طوابير طويلة من الانتظار.

فتح إدراج الخبز ضمن البطاقة الذكية شرّع أبواباً جديدة للاحتيال، حيث يحق لكل معتمد توزيع عدد معين من أربطة الخبز في منطقة مسجلة بالبطاقة الذكية لمنع التحايل، ولكن من الواضح أن أجهزة رقابة الدولة تفتح الباب للمعتمدين للتحايل بغرض المكاسب المشتركة، حيث بدأ بعض المعتمدين بالتلاعب بعدد الأرغفة التي تستحقها كل عائلة، وطلب أموال إضافية غير محددة من قبل الدولة، بحجة أنها مصاريف توزيع الخبز.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024