واشنطن تحاور الأسد في دمشق

فادي الداهوك

الأربعاء 2015/10/28

انتهت محادثات فيينا، يوم الجمعة الماضي، من دون أن يصدر موقف، أو بيان، عن وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية وتركيا. يتكشّف من ذلك الأمر أن المحادثات لم تجرِ على ما يرام، وأن هناك من سعى إلى إفشالها، أو تأخير التوصل إلى تفاهمات، من أجل تحصيل "اتفاق" مرضٍ.

تبدو واشنطن في موقف المراقب للانخراط الروسي في العمليات العسكرية على الأرض السورية. في هذا القول شيء من الصحة إذا كانت المقارنة بين محدودية الدور الأميركي العسكري في سوريا، واقتصاره على تقديم أسلحة محدودة التأثير للمعارضة، وبين دعم روسي واسع للنظام بلغ مرحلة إشراك المقاتلات الروسية في الحرب. لكن في موازاة ذلك، تشتغل الولايات المتحدة على مسارات أخرى تحقق لها شرط الفوز على روسيا، بمساعدة لاعبين إقليميين، تشير معطيات كثيرة إلى أن إيران في مقدمتهم.


معظم ما تسرب مؤخراً من مبادرات طُرحت في فيينا، أو من قبل موسكو، يبدو غير منطقي، خصوصاً لناحية الحديث عن خريطة طريق تتضمن انتخابات مبكّرة، ودمج مقاتلي المعارضة مع الجيش السوري، وضرب الأطراف التي قد ترفض هذا الأمر من الفصائل المعارضة... في تلك الأحاديث استسهال كبير أمام أزمة مرّ عليها خمس سنوات، وقد تبدو خريطة الطريق المصرية التي طُرحت في العام 2013، خير ردّ على ذلك الاستسهال، علماً أن مصر لم تشهد حرباً، ولا تدخلات خارجية عسكرية على شاكلة التدخل الإيراني والروسي وحزب الله، ولم تعرف نفيراً للجهاديين من كل قارات العالم تقريباً.


تشكل إيران وروسيا حالياً، قوتا التأثير الأعظم على النظام السوري. لكن بين الدور الروسي والإيراني، تبدو طهران صاحبة الغلبة وتتفوق على روسيا بمراحل عديدة. وعلى من يرغب في حلّ الأزمة السورية أن يسأل عن صاحب النفوذ الأكبر، والمتنفّذ بشبكة علاقات مع كل الأطراف المتصارعة، قبل أن يستمع إلى ما في جعبة بوتين.

طيلة السنوات الماضية، تمكّنت إيران من السيطرة على معظم المفاصل الحساسة في الهيكلية التي تدار الدولة السورية بموجبها، فأصبحت تتحكم بالاقتصاد السوري، وسيطرت على الأجهزة الأمنية، ونظّمت ميليشيا "الدفاع الوطني" وطوّعتها لتصبح بمثابة قوة عسكرية رديفة للجيش النظامي، وأحياناً كثيرة تفوقه بامتيازات كبيرة، تؤهلها إلى لعب دور رادع لأي قوة أخرى قد تهدد النفوذ الإيراني في سوريا مستقبلاً؛ وهذا النهج يبدو استنساخاً لتجربة دعم الميليشيات الشيعية في العراق وتمكينها من الانخراط في العملية السياسية لاحقاً، مع الإقرار بأن النسخة السورية تضم نسبة من السنة، هي أعلى من تلك التي كانت في صفوف الميليشيات العراقية، وهذه نقطة إضافية لتعزيز نجاح التجربة في سوريا. ما تتفوق به طهران على روسيا أيضاً، هو أنها تملك خطوط اتصال مع المعارضة، ومع التنظيمات السلفية الجهادية، وتفاوضهم على مبادلة جثث مقاتليها بالمعتقلين، وعلى الهدن، وهندسة بعض المناطق في سوريا ديموغرافياً، في الوقت الذي يسخر فيه بوتين من المجتمع الدولي بسؤاله "أين هو هذا الجيش السوري الحر؟".


خلال محادثات فيينا الأخيرة، طرحت روسيا دعوة دول إضافية للاشتراك في المحادثات، وبالطبع من ضمنها إيران. تلك الدعوة قد تكون نابعة من التقدير الروسي لحجم النفوذ الإيراني في سوريا، وعدم إمكان القفز من فوقه لإيجاد تسوية بذلت طهران أكلافاً باهظة من أجل أن تكون مرضية لها أيضاً. وكذلك، قد تكون الدعوة شكلية، لعلم روسيا أن السعودية لن تقبل بالجلوس مع طهران للتفاوض حول سوريا والحرب لا تزال قائمة بينهما في اليمن، وقد تتخذ تركيا موقفاً مماثلاً، فيما تنحّت واشنطن جانباً، وأعلنت بصيغة غير مباشرة أنها لن تعارض دعوة إيران إذا ما نال الأمر إجماع المتباحثين، خصوصاً أنها بوجود السعودية ليست مضطرة إلى اتخاذ موقف كهذا.


من ذلك، تسعى واشنطن باتجاه آخر، يبدو للوهلة الأولى وكأنه سيفضي إلى تحالف مع طهران، اللاعب الأقوى في الأرض السورية، مع إعطاء روسيا ما لا ضير في أن تأخذه من حصتها في حل الأزمة السورية. فما بين واشنطن وموسكو تاريخ حادّ من المواجهات، وما بين واشنطن وطهران اتفاق نووي!

تتضح مؤشرات هذا السيناريو مع زيارة وزير الخارجية العُمانية يوسف بن علوي إلى دمشق قبل أيام، ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد. تلك الزيارة لم تحفّز موسكو على إبداء موقف أو التعليق عليها. وفي تجاهل الإعلام الروسي، لهذا التطور بالغ الأهمية، ما يعزز الاعتقاد بأن هذه الخطوة أثارت استياءً في الكرملين.


خلال المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني، استضافت سلطنة عُمان محادثات حاسمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أفضت إلى "اتفاق إطار" سبق الاتفاق النهائي في فيينا. وبالنظر إلى دائرة المحتاجين للقناة العُمانية في التواصل مع النظام السوري لطرح مبادرة ما، أو تبادل للأفكار، تنفردُ واشنطن بذلك؛ وتضع ما تحاول روسيا بحثه مع الدول المعنية في فيينا، أمام الأسد، على طاولته في دمشق، من دون تجاهل إيران.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024