السولار إلى غزة لتحسين الكهرباء: الطريق إلى التهدئة؟

أدهم مناصرة

الخميس 2018/10/11

بالرغم من أن عنوانها العام هو مناقشة التطورات الأمنية والميدانية على حدود غزة، إلا أن الجلسة الإستثنائية التي عقدها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، الأربعاء، تزامنت مع دخول شاحنات الوقود اللازم لمحطة تشغيل الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بتمويل قطري وبإشراف الأمم المتحدة.

ولم يرشح معلومات تفصيلية أو قرارات محددة عن الكابينيت بعد انتهاء اجتماعه، لكن الإذاعة الإسرائيلية العامة اكتفت بالقول "إن وزراء الكابينت تلقوا خلال الإجتماع آخر التحديثات حول قضية غزة".

ولعل اجتماع الكابينت يأتي بينما شهدت لهجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد غزة، تراجعاً خلال الساعات الأخيرة، إذ قال إن "إسرائيل تعمل لاستعادة الهدوء والأمان للإسرائيليين الذين يسكنون في البلدات المحاذية لقطاع غزة"، ما أوحى أن ثمة جهوداً تُبذل على صعيد التهدئة بين "حماس" وإسرائيل برعاية إقليمية ودولية، وأن مسألة السولار هي جزء من الأمر.

وقد دخلت شاحنتان من خلال معبر "كرم ابو سالم" الإسرائيلي، الثلاثاء، محملتين بالسولار لتشغيل محطة كهرباء غزة، لتليها سبع شاحنات الأربعاء، ثم ستزداد الدفعة تدريجياً خلال شهر أكتوبر/تشرين أول الحالي، لتصل إلى 15 شاحنة يومياً في وقت لاحق.

وجاءت الخطوة رغم رفض السلطة الفلسطينية التعاون مع تل ابيب بهذا الشأن، وبعد رفض شركة "باز" الاسرائيلية، نقل الوقود تخوفاً من إلغاء تعاقدها مع السلطة، والذي يدر عليها أرباحاً تقدر بمئات ملايين الدولارات سنوياً.

وبالإضافة إلى تمويل وقود الكهرباء، أعلن صندوق قطر للتنمية تقديم دعم بقيمة 150 مليون دولار كمساعدات انسانية عاجلة للتخفيف من تفاقم المأساة الانسانية في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات. وذكرت وكالة الانباء القطرية الرسمية (قنا) أن ذلك يأتي بتوجيهات من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدعم الفلسطينيين، مؤكداً على مواصلة "دعم الاشقاء الفلسطينيين" بشكل عاجل لتفعيل هذه الحزمة من المساعدات من خلال برنامج الامم المتحدة الانمائي والجهات الاممية المعنية.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس عن تقديره العميق لحكومة قطر لمساهمتها البالغة 60 مليون دولار. كما وسلطت صحيفة "معاريف" الضوء على شكر الولايات المتحدة لكل من إسرائيل وقطر على إدخال السولار لقطاع غزة.

الخطوة جاءت وسط انتقاد السلطة الفلسطينية لقطر، متهمة إياها بتجاوز دورها وتمويل "حماس" والإنقسام، لكن الواقع أن ما قامت به الدوحة هو نتاج آلية الأمم المتحدة وبرعاية سياسية من مصر، حيث اقتصر دور الدوحة على الناحية التمويلية لشراء السولار الإسرائيلي لصالح محطة كهرباء غزة لمدة ستة أشهر، وذلك في سياق تخفيف الأوضاع الإنسانية والإجتماعية لسكان القطاع.


ولعلّ السؤال المُلحّ، لماذا استسهلت السلطة انتقاد قطر، فيما لم تُشر في نقدها واتهامها الى مصر أيضاً والأطراف الدولية الأخرى، التي كانت حاضرة أيضاً في مسألة السولار؟

واللافت أن مسألة تمويل السولار اللازم لتشغيل محطة كهرباء غزة، اندرجت في نقاشات التهدئة التي رعتها مصر قبل نحو شهرين، وبإشراف الأمم المتحدة، قبل أن تتعثر، ما زاد من مخاوف السلطة الفلسطينية من أن تفاهمات التهدئة يجري تطبيقها دون أن تُعلن وبشكل يُهمّشها.

وتقول السلطة الفلسطينية إن الولايات المتحدة طلبت من دول عديدة تحويل جزء من المال المقدم للشعب الفلسطيني إلى قطاع غزة مباشرة. وتخشى رام الله أن تحذو سويسرا والنرويج ودول أخرى حذو قطر في دفع اموال لغزة بطريقة تتجاوزها وتعزز مكانة "حماس".

في هذا السياق، كشفت مصادر لـ"المدن"، عن اتصالات أجرتها السلطة مؤخراً، وستجريها لاحقاً مع العديد من الدول المانحة لثنيها عن الدفع لغزة، بحجة أن ذلك يعزز الإنفصال ويتماشى مع "صفقة القرن".

لكن مصدراً دولياً قال لـ"المدن"، إنه لا يُمكن القول إن مسألة إدخال السولار إلى غزة تندرج في إطار اتفاق تهدئة غير معلن، خاصة وأن الجهود المصرية على هذا الصعيد لا تزال مستمرة. غير أن المصدر عدّ موضوع السولار وكذلك الضغوط التي تمارسها اسرائيل على رئيس السلطة محمود عباس لتخفيف اجراءاته العقابية ضد قطاع غزة، بمثابة مؤشرات يُمكن أن يُبنى عليها لنجاح الجهود المصرية، أملاً في التوصل لتفاهمات تهدئة ريثما تتم حلحلة قضية المصالحة بين الفلسطينيين أنفسهم.

وفي السياق، اتهمت إسرائيل رئيس السلطة محمود عباس بأنه "يخنق الفلسطينيين في غزة"، وهذه تصريحات غير مسبوقة من تل أبيب. مع العلم أن نتنياهو طلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يضغط على عباس لتخفيف عقوباته على القطاع.

من جهته، قال رئيس "شبكة الأقصى الاعلامية" التابعة لـ"حماس" وسام عفيفة، لـ"المدن"، إن إدخال السولار الإسرائيلي إلى غزة ليس تطبيقاً لتفاهمات غير معلنة حول التهدئة وإنما هو جزء من اجراءات لإحتواء الإحتقان الميداني، ومن شأنها أن تُمهد لخلق اجواء تقود إلى تفاهمات للتهدئة أو تثبيت اتفاق التهدئة المبرم عام 2014.

ورفض عفيفة تصنيف السلطة السولارالمُدخل إلى غزة على اعتبار أنه يُصفّي القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن "السلطة تختزل المشروع الوطني بالصراع الداخلي ثم تزج بالمجلس الوطني الفلسطيني لفرض عقوبات ضد غزة. وهذه مسألة خطيرة".

وأضاف عفيفة أن أي مواطن في غزة، حتى الذين ينتمون لحركة "فتح"، لا يقبلون مبررات السلطة حول الاوضاع المعقدة في القطاع، بحجة الحفاظ على "المشروع الوطني". وتساءل "أي مشروع وطني والسلطة تقوم بعزل نفسها وتفصل سكان غزة معنوياً.. الناس يموتون هنا. وما تفعله السلطة هو صفقة القرن بحد ذاتها. فهي تصارع شعبها أكثر مما تواجه المخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية".

وعلق عفيفة على انتقاد السلطة لقطر بسبب تمويلها للسولار المشغل لمحطة كهرباء غزة، قائلاً "السلطة في وضع مرتبك لدرجة انها تعتبر أن كل من يقف في وجه الحصار هو خصم"، موضحاً إنه بالرغم من نقد السلطة المعلن لقطر، إلا أن صراعها الخفي هو مع مصر، إذ تفيد المعلومات الواردة من اللقاءات الأخيرة التي جمعت مسؤولي المخابرات المصرية مع عباس في رام الله، بأنها اتسمت بالحدة وأن القاهرة ممتضعة جداً من عباس.

وأما المحللون الإقتصاديون في غزة، فيؤكدون على أن الأوضاع في القطاع مأساوية، وأن غزة في رمقها الأخير بالموت السريري؛ فلماذا معارضة أي محاولات انعاشية لغزة لا دخل لها بأي صفقات سياسية؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024