مصارف التمويل الأصغر..مآرب للنظام لا شأن للفقراء بها

مصطفى محمد

الأحد 2021/02/21
في إطار الوعود التي يقدمها النظام السوري بتحسين الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرته، سمح رئيس النظام بشار الأسد بتأسيس ما يُسمى ب"مصارف التمويل الأصغر"، جاء ذلك، وفق القانون "رقم 8" لعام 2021، الصادر عن الأسد السبت، الذي نصّ على منح قروض تشغيلية لشريحة محدودي الدخل، من أجل تأمين دخل إضافي لها وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة.

وبحسب نصّ القانون، فهو يهدف إلى تحقيق النفاذ المالي للذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المالية المصرفية وذلك من خلال تقديم المنتجات والخدمات المالية المختلفة في مجالات الائتمان والادخار والتأمين، والخدمات غير المالية المرتبطة بها. وقالت "سانا" إن القانون يشكل فرصة لكل من يفكر بإنشاء مشروعه الصغير، وأيضا لمن لديه مشروع ويطمح لتوسيعه.

وغداة الإعلان عن القانون، اعتبر رئيس قسم الترخيص والتسجيل في مفوضية الحكومة لدى المصارف ب"مصرف سورية المركزي" راني ديب أن القانون سيحدث نقلة نوعية في تطوير عمل مؤسسات مصارف التمويل الأصغر ودعم مراكزها المالية وتشجيع إمكانية زيادة عددها بمختلف المحافظات لتحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية.

لكن القانون أثار تساؤلات كثيرة. وبدأ السوريون البحث عن الجهة التي تجازف بتأسيس مصرف في بيئة غير مستقرة اقتصادياً وسياسياً، وتُقدم القروض بعملة (الليرة السورية) تخسر قيمتها بشكل تدريجي وعلى نحو غير مضبوط.

ولا تبدو الإجابة على هذا السؤال سهلة، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي عدنان عبد الرزاق الذي لمّح إلى أكثر من احتمال، منها محاولة النظام إضفاء الشرعية على أموال تم اكتسابها من الشخصيات المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية، بطريقة غير شرعية (تبييض أموال).

ويقول عبد الرزاق ل"المدن"، إن محاولة الالتفاف على عقوبات "قيصر" التي استهدفت مصرف النظام المركزي، قد تكون أيضاً احتمالاً، بحيث يمكن التحايل من خلال هذه المصارف على تحويل الأموال إلى سوريا، بذريعة تمويل الفقراء.

ويسأل عبد الرزاق: "ما هي الحاجة إلى مثل هذه المصارف التي تستهدف أصحاب المشاريع الصغيرة؟"، وذلك في ظل وجود خمسة مصارف حكومية متخصصة بمنح القروض ومنها "المصرف التجاري" و"مصرف التسليف الشعبي"، كما أنه من ضمن وظائف المصارف الخاصة تمويل مثل هذه المشاريع.

ويطرح سؤالاً آخر: "هل جاء هذا القانون استجابة لمطلب خارجي، بحيث تكون هذه المصارف منفذاَ لدخول السوق السورية قبل البدء بمرحلة إعادة الإعمار، وترميم المنازل؟".

على المستوى المالي، يشير عبد الرزاق إلى المخاطر المرتفعة الناجمة عن منح القروض بالليرة السورية، قائلاً: "مهما رفع المصرف نسبة الفائدة، فإن تدحرج الليرة السورية وخسارتها المستمرة، ستبتلع الأرباح، مما يجعلنا أقرب إلى اليقين بأن نسبة الفائدة التي ستحددها هذه المصارف مرتفعة جداً، وهذا يؤدي إلى الاحجام عن الاقتراض منها، وبالتالي لن تسهم بتحسين الواقع المعيشي للسوريين".

من جهته، يضع الباحث بالشأن الاقتصادي أدهم قضيماتي القانون الجديد في إطار سعي النظام إلى تحريك عجلة الإنتاج المتوقفة بشكل شبه كامل في مناطقه، وتأمين فرص العمل بعدما بات أكثر من نصف الشعب السوري عاطلاً عن العمل، بسبب حرب النظام على شعبه.

ويقول ل"المدن"، إن المشكلة لا تكمن في الأنظمة والقوانين والتشريعات التي يقرّها الأسد وحكومته فحسب، وإنما في الأشخاص والمؤسسات الموكل إليها تنفيذ هذه المراسيم وما تحتويه من فساد ومحسوبيات تعود بالنفع لجهات معينة تابعة للنظام السوري نفسه أيضاً.

ويضيف قضيماتي "إذا ما تساءلنا عن خلفية القائمين على هذه المصارف التي ستقدم قروضاً ميسرة دون قيود للمواطنين، فيمكن أن نرى أذرعاً إيرانية أو روسية لتوطيد سيطرتها على ما تبقى من الاقتصاد السوري والنظام المصرفي في سوريا، وخاصة مع اشتراط وجود شريك استراتيجي قائم على هذه المصارف".

تلك المعطيات تدفع قضيماتي إلى التشكيك بجدوى هذه المصارف، معتبراً أن "سوريا بوضعها الراهن تفتقر إلى مقومات نجاح المشاريع على اختلاف حجومها، صغيرة أو متوسطة أو كبيرة".

يريد النظام أن يبعث برسائل بأن الوضع الاقتصادي يتحسن، من خلال إصدار قوانين لا تفيد شريحة الفقراء التي تحتاج بشكل عاجل وملحّ، إلى زيادة الرواتب بنسب كبيرة، حتى تستطيع تدبر أدنى احتياجاتها وسط التضخم غير المسبوق السائد في الأسواق.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024