البوكمال: "كعكة الفرات" تُخرِجُ أميركا من ضبابية سياستها

سيباستيان حمدان

الجمعة 2017/11/03
عادت عملية مدينة البوكمال السورية إلى طاولة التفاوض الروسية-الأميركية، عقب طيّها على خلفية تفاهمات سابقة عُرفت بـ"كعكة الفرات" والتي تقاسمت بموجبها واشنطن وموسكو ضفاف نهر الفرات. وتضمنت "كعكة الفرات" هيمنة حلفاء أميركا على ضفة الفرات الشرقية، وحلفاء روسيا على ضفة الفرات الغربية. وتعقد حالياً، اجتماعات في العاصمتين التركية والأردنية، بين طرفي النزاع الدوليين لإعادة التفاوض على البوكمال، بالاضافة لاجتماعات أميركية مع قادة فصائل المعارضة السورية.

ويبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت تخرج من ضبابية سياستها العسكرية في المنطقة الشرقية السورية، عقب الفشل في الوصول إلى صيغة تفاهم بين فصائل المعارضة المسلحة و"قوات سوريا الديموقراطية" في ما يخص شرقي ديرالزور.

فصائل المعارضة كانت قد رفضت الانخراط ضمن تحالف "قوات سوريا الديموقراطية" العسكري الذي تشرف عليه الولايات المتحدة، والذي تعتبره "نموذجاً يحتذى به تنظيمياً وعرقياً كونه يضم فصائل متعددة الأعراق والأديان"، وفق ما ذكرته مصادر مطلعة لـ"المدن".

وأكدت المصادر العسكرية التي حضرت الاجتماعات، أن فصائل المعارضة السورية رفضت الانخراط مع "قسد"، إذ تريد الحفاظ على إستقلاليتها، بما في ذلك استقلالية قرارها العسكري، إلا أنها لا تمانع التعاون مع "قسد"، في "غرفة عمليات وإدارة وتنسيق".


(المصدر: LM)

واستدعى ذلك "رسم سياسة جديدة على الرغم من ضبابية سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق السوري، إذ لم تلمس فصائل المعارضة السورية حينها أي جدية في الطرح الأميركي القاضي بنقلها إلى شرقي ديرالزور"، بحسب مصادر "المدن".

وترتبط فصائل المعارضة السورية المتواجدة في البادية بالمنطقة الشرقية، خاصة أن أغلب مقاتليها هم من مُهجّري محافظة ديرالزور على يد تنظيم "الدولة الإسلامية"، قبل سنوات.

وأشارت مصادر "المدن" إلى أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة ترتكز على هجوم فصائل المعارضة المسلحة في إطار تنظيمي حقيقي، عقب إعادة الهيكلة، باتجاه البوكمال، انطلاقاً من المعسكرات المتواجدة في التنف وما حولها. وتريد الولايات المتحدة قيادة هجوم الفصائل انطلاقاً من سرية الوعر التي تبعد نحو 40 كيلومتراً عن قاعدة التنف، تحت مظلة "التحالف الدولي"، وتهدف بذلك لتحرير المثلث الجغرافي الممتدة من سرية الوعر نحو البوكمال، وصولاً إلى منطقة العشارة التي تبعد بضعة كليومترات عن قوات النظام. وذلك بالتزامن مع هجوم لقوات عراقية على الجانب الآخر من الحدود.

وقالت مصادر "المدن" إن قضية إقليم كردستان العراق، ترتبط جزئياً بالعملية الموازية التي تقوم بها الولايات المتحدة على الحدود السورية-العراقية. وتسعى أميركا لفصل حدود المناطق الكردية في العراق عن المناطق الكردية في سوريا، ولا ترغب بتواجد منافذ برية تسمح باتصال مباشر بين الطرفين الكرديين، في سوريا والعراق.

وكانت قوات البيشمركة الكردية تتجهز بمشاركة عشائر الأنبار، أثناء معركة الموصل، لتحرير القائم من "الدولة الإسلامية"، في محاولة لاستبعاد "الحشد الشعبي" و"حشد العشائر". و"حشد العشائر" هي قوات عشائرية سنية من الأنبار تابعة لـ"الحشد الشعبي". "الحشد الشعبي" دخل حينها إلى سنجار وتلعفر لمنع البيشمركة وعشائر الأنبار من التقدم باتجاه القائم.

ووفق مصادر "المدن"، ومع تراجع البيشمركة إلى خطوطها الدفاعية حول المناطق المتنازع عليها في إقليم كردستان، استعجلت "القوات الإتحادية" العراقية و"حشد العشائر" العملية نحو القائم، برغبة إيرانية، ما حضّ الولايات المتحدة على الاستعجال بدفع فصائل المعارضة السورية إلى البوكمال، لمنع التقاء "الحشد الشعبي" وقوات النظام والمليشيات الإيرانية، على جانبي الحدود.

"قيادة العمليات المشتركة" العراقية، أعلنت الجمعة، إن "القوات الاتحادية" دخلت القائم، قبالة البوكمال على الجانب العراقي من الحدود، وسيطرت على معبر القائم. ويُطلق اسم "القوات الاتحادية" العراقية على وحدات من الجيش العراقي و"جهاز مكافحة الإرهاب" و"حشد العشائر" السنية وقوات "الحشد الشعبي" الشيعية المدعومة من إيران.

في الوقت ذاته، تواصل مليشيات النظام عملياتها العسكرية، متقدمة عبر بوابة حميمية نحو معبر البوكمال، إلا أن تنظيم "الدولة" نفّذ هجمات انتحارية على مواقعها قرب سرية الوعر، ما أدى إلى تراجعها في هذا المحور.

وكانت مليشيات النظام قد سيطرت الخميس، على مواقع عسكرية جديدة شرقي "محطة T2" من ريف ديرالزور الجنوبي، لتصبح على بعد 45 كيلومتراً عن مدينة البوكمال. ويأتي ذلك ضمن عملية "الفجر-3" التي تسعى فيها مليشيات النظام للسيطرة على شريط من الحدود السورية- العراقية، والوصول إلى مدينة البوكمال، آخر معاقل تنظيم الدولة جنوب شرقي ديرالزور.

مصدر "المدن" أكد أنه، وعلى الرغم من جغرافية البادية السورية، إلا أن فصائل المعارضة السورية قادرة على خوض معارك مع مليشيات النظام والتقدم نحو البوكمال، نظراً للمساحات الصحراوية الممتدة في البادية، والتي يصعب إحكام السيطرة عليها.

وأشار المصدر، إلى أنه ما زال بامكان واشنطن استخدام قاعدة الزكف التي تبعد كيلومترات قليلة عن سرية الوعر. وفي حال استخدامها فإنها ستجبر مليشيات النظام على الانسحاب.

وبحسب مصدر "المدن"، فقد تتمكن واشنطن من اقناع موسكو بعملية فصائل المعارضة نحو البوكمال، خلال الاجتماعات الحالية بين الطرفين في تركيا والأردن، رغم تفاهمات "كعكة الفرات" السابقة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024