نازحو ريف اللاذقية: "وضعنا بالمخيم وحلٌ لفوق الركاب"

عبدالسلام حاج بكري

الجمعة 2016/12/02
جلس خالد على صخرة مرتفعة تطلّ على مخيم لنازحي ريف اللاذقية في قرية خربة الجوز الملاصقة للحدود السورية-التركية، وصدح بعتابا حزينة:

"والله يا عمّي سكنّا ديرة الخربة وضعنا..
وعلقنا بناس ما تقدّر وضعنا..
كل دول العالم سألتنا وضعنا..
وضعنا بالمخيم وحل لفوق الركاب".

لم يكن أمام رفاق خالد في الجلسة سوى البكاء حزناً وألماً، فلقد روى معاناتهم ونقلها بعفوية، مختصراً الشرح لتوصيف ما حلّ بلاجئي ريف اللاذقية.

مطر الأربعاء/الخميس، كان كافياً لإغراق عشرات الخيام وتبليل محتويات البقية، وعزلها بالوحل والطين، إذ إن أغلب الخيام أقيم في بساتين الزيتون والفاكهة، من دون تعبيد أو تمهيد للأرض الترابية.

معاناة ستتكرر وتتفاقم في شتاء لايزال في أوله. وسبقت ذلك قبل أيام، مشكلة أكثر تعقيداً، تمثلت في انقطاع المياه بسبب توقف المنظمة التي كانت تُشغّلُ المضخة على البئر الارتوازية لتروي أحد تجمعات الخيام، عن دفع تكاليف التشغيل، رغم أنها لا تتعدى بضع مئات من الدولارات شهرياً، بحسب مدير التجمع عبد الجبار خليل.

ويبقى ذلك قليلاً أمام معاناة تطول، بدأت فصولها مع قصف قوات النظام للمناطق التي سيطرت عليها المعارضة في ريف اللاذقية، ما اضطر سكان القرى القريبة من المواجهات إلى للنزوح إلى قرى أكثر أمناً، ومنها غادروا إلى حياة الخيام على الحدود التركية في جبل التركمان، بنزوح جديد، هرباً من براميل حوامات النظام.

نزوح لم يكن الأخير، وقد لا يكون، فقد غادروا جبل التركمان لأن الطيران الروسي لم يمتنع عن قصفهم على الحدود، غير آبه بردة فعل تركيا، رغم اختراقه مجالها الجوي مرات عديدة. وهو ما سهّل تقدم مليشيات النظام وسيطرتها على غالبية قرى جبل التركمان، بعدما استولت قبل ذلك على قرى جبل الأكراد.

أحدثُ استقرار مؤقت لنازحي ريف اللاذقية، كان في قرى ريف إدلب الغربي الملاصقة لجبل التركمان على الحدود التركية. ورغم أن القصف عبر المدفعية والطيران، لا يزال يلاحق النازحين، إلا أن غالبيتهم لا تغادر الخيام "لانسداد الأفق وقيلة الحيلة" بحسب عبد الجبار.

المعاناة، لا تكتمل إلا بافتقاد الطعام، المقتصر حالياً على سلل الإغاثة، وأيضاً النقص في الخيام وغياب الخدمات من مياه وكهرباء وصرف صحي، وطرق مواصلات معبدة.

ويعتقد سكان ريف اللاذقية أن تركهم للقصف والجوع والنزوح المتكرر ليس بريئاً. ويجزم القيادي في الجيش الحر المقدم محمد حمادو، أن الحملة الشرسة على ريف اللاذقية وسكانه وتقتير المنظمات في دعم النازحين غربي نهر العاصي، تهدف لإرغامهم على نزوح جديد إلى إدلب أو تركيا، في حملة تطهير طائفي، تمهيداً لإقامة "كانتون علوي" في الساحل السوري وصولاً إلى جسر الشغور.

وتبرر غالبية المنظمات الإنسانية والإغاثية، عدم تقديمها الدعم لنازحي ريف اللاذقية، بانعدام الأمن واستمرار قصف النظام والمواجهات المتكررة. والمرجح أن إهمال جبهة الساحل، وعدم دعم نازحي الساحل بالمعونات الإغاثية والغذائية والتعتيم الإعلامي على معاناتهم، يعود إلى خطورة الجبهة، باعتبارها نقطة التقاء المناطق السنيّة والعلوية، وقربها الشديد من معاقل النظام في جبلة والقرداحة. وهذا ما يدفع جهات إقليمية ودولية لتبريد الجبهة خوفاً من حرب تقوم على أساس طائفي، تقع فيها مجازر انتقامية متبادلة.

منظمة تعنى بشؤون الدعم المجتمعي والمناصرة سحبت منسق مشاريعها من ريف اللاذقية مطلع العام 2016، وحوّلت المبالغ المخصصة للمحافظة إلى ريف حلب الشمالي وإدلب. ولدى اتصال "المدن" بالمنظمة، اكتفت بالإشارة إلى أن ذلك الأمر جاء نتيجة فقدان قوات المعارضة للأرض، وعدم استقرار النازحين في مخيمات ثابتة.

ولم يثر إيقاف المنظمة عملها في ريف اللاذقية انتباه النازحين، وعقّب على الأمر المدرس النازح من جبل الأكراد خالد حج أحمد، بالقول: "لا نريد محاضرات أو ندوات قانونية وثقافية، نريد دعماً مستقراً لضخ المياه، وموعداً ثابتاً لوصول سلة الإغاثة التي يعيش عليها العدد الأكبر من النازحين".

كثيرون من أبناء الساحل يرون أن اتفاق حماية المدنيين الذي وقعته شخصيات معارضة من الساحل معروفة باسم "هيئة حماية المدنيين" مع النظام، يلزم موقعيه وغالبيتهم من المتنفذين في المعارضة بتحجيم الدعم بمختلف أشكاله إلى ريف اللاذقية، وعدم السماح بمعارك كبيرة تقلب الموازين.

ويؤكد رئيس "ائتلاف العشائر السورية" عبد الكريم الفحل، لـ"المدن"، أن عضواً بارزاً في "الائتلاف الوطني" منعه من إرسال دعم عسكري إلى جبهة الساحل، نهاية العام 2015، عندما كانت تتهاوى تحت ضربات النظام والطيران الروسي. وقال الفحل "جهزنا 500 مقاتل للتوجه إلى جبهة الساحل لمنع سقوط جبلي الأكراد والتركمان، لكن عضو الائتلاف وهو مسؤول في المنتدى السوري لرجال الأعمال طلب منّا عدم التدخل، والامتناع عن إرسال الدعم العسكري".

وغير بعيد عن ذلك، حمّل المدرس خالد "مجلس محافظة اللاذقية الحرة" مسؤولية التقصير في توفير مستلزمات معيشة النازحين، وتساءل "لماذا لم تنفذ مشاريع إنتاجية تؤمن طعام الناس، وتوفر فرص عمل لبعضهم، بدل انشغال أعضاء المجلس طوال الوقت بشراء ولاءات الناس ورشوة بعضهم بوظائف تدرّ قليلا من النقود أو من خلال زيادة الدعم الغذائي، والعمل على كسب ودّ بعض الفصائل العسكرية بتسخير آلياته لإقامة بنى تحتية لمقراتها، بدل القيام بالشيء ذاته للمخيمات التي تعاني من الأمطار والبرد القارس شتاء، كل ذلك لضمان استمراره وهو الذي انتهت مدة دورته منذ عامين".

وفي الوقت الذي تعاني فيه كل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من شحّ الدعم الإغاثي والصحي والعسكري، تبدو معاناة ريف اللاذقية مضاعفة، كما يقول ناشطون، إذ يدفع الريف ضريبة التماس المباشر مع الحاضنة الشعبية للنظام، بدل أن يكون نقطة الانطلاق باتجاه حسم المعركة ضد النظام في عمق مناطقه، وهي "على مرمى حجر".

مغني العتابا خالد، قال بعدما أشاح بوجهه محاولاً إخفاء دموعه "حتى حليب الأطفال منعوه مرات عديدة، لا نملك ثمنه، ومصدر دخلنا الوحيد هو بساتين الفاكهة التي يعربد فيها جيش النظام الآن".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024