منظمات إيران الخفية في سوريا

مجد الخطيب

السبت 2017/04/01
من خلال بحث أجرته "المدن" وجدت العشرات من الجمعيات والمؤسسات والمنظمات والتجمعات الصغيرة، في طور النشوء في مناطق النظام، والتي ترعاها إيران. فـ"الجمهورية الإسلامية" تسعى في هذه المرحلة إلى نشر بذور التمويل لأي مشروع اجتماعي أو تنموي لا يتعارض مع رؤيتها، وتنتظر لرؤية أي من هذه المؤسسات والتجمعات سيثبت فعاليته على الأرض، ليكون ذراعها الذي ينفذ مصالحها.

وكانت إيران قد بدأت منذ العام 2012 باستراتيجية "تطويع" المجتمع السوري، بغرض تخليصه من "آفة الإرهاب" عن طريق العديد من "الهيئات الشعبية" في مقدمتها "مجلس العشائر العربية"، الذي يشغل العراقي عباس السعدي، منصب أمينه العام. وتحاول إيران وعبر هذه المنظمات اختراق المجتمعات المحلية السورية، وتركز عموماً على الأقليات.

وحاولت إيران الاستثمار في الملف الفلسطيني، وإعادة فلسطينيي سوريا إلى حضنها، خصوصاً أن الجزء الأكبر منهم اصطف ضد النظام منذ انطلاق الثورة السورية. فأسست إيران حديثاً ما يسمى بـ"الحزب الفلسطيني الديموقراطي" وهو تكوين سياسي يترأسه مازن شقير، المنتسب سابقاً إلى "حركة التحرير الشعبية" الموالية للنظام. ويقوم هذا الحزب بتطويع العديد من الفلسطينيين للقتال في مليشيات النظام، ويعمل على تسوية أوضاع الفلسطينيين العالقين في مخيم اليرموك في دمشق، أو الذين يقاتلون مع قوات المعارضة. ويقوم "الحزب الفلسطيني الديموقراطي"، بتسوية أوضاع أولئك المقاتلين، على أن يعودوا إلى القتال في صفوف "جيش التحرير الفلسطيني" أو إحدى المليشيات الفلسطينية المساندة للنظام.

ويضم "مجلس العشائر" في أمانته العامة، الشيخ عبدالسلام الحراش، رئيس "التيار العربي المقاوم" وهو لبناني سنّي من بلدة عكار، وقد أقام في 16 كانون الثاني/يناير، عرضاً عسكرياً لتياره في أشرفية صحنايا، بالقرب من دمشق. ويشغل الحاج ذو الفقار، منصب الأمين العام لـ"الحرس القومي العربي"، ويسعى إلى ما يصفه بالتقارب بين الشيعة والسنة في مواجهة إسرائيل والقوى الإرهابية المتطرفة. بينما يشارك المتطوعون في القتال إلى جانب النظام كمليشيات رديفة له.

أما في الملف الكردي، فقد استثمرت إيران فيه عن طريق "الحركة الوطنية الكردية للتغيير السلمي"، والتي تأسست في أيار/مايو 2011، والتي ترفع شعار "الوطن والأخوة والسلام"،  وتعمل على إعادة الأكراد إلى "حضن الوطن" و"محاربة الإرهاب" و"الوقوف بوجه العدوان التركي على الأكراد" بحسب تعبير رئيس الحركة علي أومري.

ونشّط "مجلس العشائر" أعماله في العديد من مناطق الدروز، وقام بالعديد من الفعاليات الاجتماعية أهمها تنصيب الأمير كمال أبو عساف، أميراً على "جبل العرب" في 11 كانون الأول/ديسمبر 2016، وقد لاقى ذلك استنكاراً شعبياً كبيراً. كذلك عمد المجلس بحسب مصادر مقربة من آل الأطرش، إلى دعم "مضافة وطن" التي أنشأها ممدوح الأطرش، والتي يتركز نشاطها على تفعيل الحوار بين الفعاليات التي تدعو إلى "العودة إلى حضن الوطن" وتطرح الهموم  المعيشية التي تتعلق بالخبز والوقود. وقد استضافت تلك المضافة المستشار الثقافي لإيران في سوريا، إضافة إلى عدد من رجال الدين الشيعة في ندوات تمحورت حول "منع دخول الإرهاب إلى السويداء". فيما أكدت مصادر خاصة لـ"المدن" أن ممدوح الأطرش يسعى إلى تشكيل فصيل عسكري جديد، تكون منطقة انتشاره بين حدود الأردن والسويداء، وتكون "مضافة وطن" التي أنشأها منبراً سياسياً له. وفي جرمانا ذات الأغلبية الدرزية في ريف دمشق، رعى "مجلس العشائر" ما يعرف باسم "مركز الدراسات التوحيدية" الذي أفردت "المدن" تحقيقاً سابقاً عنه.

في أشرفية صحنايا في ريف دمشق، ذات الأغلبية الدرزية، عملت إيران على إنشاء عدد من الجمعيات الخيرية منها "جميعة التآخي الخيرية" و"مركز الرائد الطبي" الذي يترأسه الطبيب رائد بدران، والذي يقدم الخدمات الطبية والمعونات للعناصر الذين يخدمون في قوات النظام ومليشيات "الدفاع الوطني" و"كتائب البعث" في الأشرفية. ويمثل الشيخ عارف شعبان، من مشايخ الموحدين الدروز في أشرفية صحنايا، الدروز في المحافل الرسمية والأماكن التي تحتاج إيران إلى تمثيل الدروز فيها. شعبان الذي ترتبطه علاقة وطيدة جداً مع وئام وهاب، زار إيران أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وعمل على نشر دراسات دينية للتقريب بين مذهب الموحدين الدروز ومذهب الشيعة الإثني عشرية الذي تتبناه إيران.

وتُمّول جميع تلك المؤسسات والجمعيات المحلية من خلال "المستشارية الثقافية الإيرانية" في دمشق، التي تقوم بإرسال هيكلية ومخطط المؤسسات إلى "جمعية الفرات للسلام والسلم الاجتماعي" والتي تتخذ من منطقة المزة في دمشق مقراً لها. ورئيس "جمعية الفرات" حسين المعذب، وأمينتها العامة آسية الماشي، بنت ذياب الماشي عضو مجلس الشعب المشهور. وتقدم "منظمة الفرات" نفسها على أنها تدعم المبادرات التي تؤسس للسلام، وتمتد فروعها إلى كل من العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وهي الجهة الوسيطة التي تقوم بتمويل جميع فعاليات المجتمع المحلي التي ترعى مصالح إيران في سوريا.

أما الجهات والمؤسسات التي تأخذ طابعاً عسكرياً مثل "الحزب القومي العربي" برئاسة عبدالسلام الحراش، أو "الحزب الديموقراطي الفلسطيني" فيتم التواصل لدعمها وتمويلها عن طريق حسن عزالدين مسؤول العلاقات العربية في "حزب الله" اللبناني.

"مجلس العشائر" الذي يشكل جسداً غير واضح الملامح للعديد من الجمعيات والمؤسسات المحلية والقوى السياسية التي تسعى إيران إلى تأهيلها وترتيبها للقيام بعمل اجتماعي سياسي يعود بالفائدة عليها. ونقلت مصادر خاصة لـ"المدن"، أن المجلس لن يبقَى على هيكليته الحالية المرنة غير المتجانسة. فـ"المستشارية الثقافية الإيرانية" في دمشق، المشرف المباشر على نشاط المجلس والقوى الموجودة فيه، ترى فيه إطاراً يمكن للسوريين الذين يمثلون مصالحها أن يتفاعلوا ويقومون بأنشطة سياسية من خلاله، تخدم المصالح الإيرانية.

وذكرت مصادر "المدن" أن المستشارية تدرك التصحر السياسي الذي يعانيه السوريون وتعطشهم للعمل السياسي، لذلك فـ"مجلس العشائر" هو حلقة واسعة تضم العديد من الهيئات وشخصيات المجتمع المحلي يمكن من خلالها أن يتفاعل بعض السوريين، ويشكلوا حالة سياسية تخدم سياسات إيران في سوريا.

وتسعى إيران من خلال العديد من مؤسسات المجتمع المحلي التي ترعاها، والعديد من القوى السياسية التي تقوم بإنشائها والإشراف عليها مباشرة من خلال المستشار الثقافي في إيران مصطفى زنجباري، إلى إيجاد أرضية شعبية لها وتأسيس دور سياسي لها في حال بقاء أو رحيل الأسد، مع تزايد الكلام عن خلاف إيراني-روسي قد يشتعل مع مرور الأيام. فإيران التي تدرك أن روسيا لها السماء والدولة السورية، تسعى إلى تأسيس أرضية بين الناس ترعى مصالحها السياسية هنا، وتكون يدها الخفية في المجتمع السوري.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024