اغلاق مدارس السريان في القامشلي: فوضى يستغلها النظام؟

سعيد قاسم

الأربعاء 2018/08/29
تظاهر المئات من سريان مدينة القامشلي، الثلاثاء، أمام "مدرسة الأمل الخاصة" في حي الوسطى ذي الغالبية المسيحية، منددين بقرار "الإدارة الذاتية" التابعة لحزب "الاتحاد الديموقراطي بإغلاق المدارس الخاصة بالسريان.

المتظاهرون رفعوا أعلام النظام السوري، ورايات تحمل رسم النسر السرياني، ورددوا شعار: "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد"، فيما نادى البعض منهم: "بالروح بالدم نفديك يا بشار"، مطالبين بعودة المؤسسات الحكومية. وكسر المتظاهرون أقفال الأبواب الرئيسية لمدارس الأمل ومار أفرام ومار كبرئيل، فيما دق آخرون أجراس كنيسة العذراء دعماً للمحتجين.

وقال المكتب الإعلامي لـ"التجمع المدني المسيحي"، لـ"المدن"، إنه اعتصام بهدف الحفاظ على المدارس ولا يحمل أهدافاً سياسية أو توجهاً ضد طرف معين، مؤكداً أن المعتصمين لم يكونوا من المسيحيين فقط وإنما من الأكراد والعرب أيضاً. وأضاف: "الهدف من الاعتصام هو إعادة فتح مدارس الأمل الواقعة في كنيسة العذراء، ومار قرياقس في حي الاربوية، مار أفرام في الحي الغربي، ومار كبريئيل في حي الوسطى".

"المرصد الآشوري لحقوق الانسان" ندد بإغلاق "الإدارة الذاتية" للمدارس، معرباً عن تخوفه من ان يكون الهدف هو "استهداف الوجود المسيحي في المنطقة".

والمدارس السريانية هي مدارس أهلية تتبع للكنائس المسيحية، ومرخصة من قبل النظام منذ عقود، ويتم فيها الى جانب تدريس منهاج وزارة التربية السورية تدريس اللغة السريانية. وظلت هذه المدارس تُدرّسُ منهاج النظام، على الرغم من فرض "الادارة الذاتية" مناهجها في مناطق سيطرتها منذ ثلاث سنوات. وكانت "هيئة التربية والتعليم" في "الادارة الذاتية" قد أصدرت مناهج خاصة لكل مكون اثني من مكونات المنطقة.

وبرزت الأزمة بين "الادارة الذاتية" والكنائس المسيحية عقب تعميم أصدرته "هيئة التربية والتعليم" في "الإدارة" منتصف آب/أغسطس، بإغلاق جميع المدارس الخاصة بداعي أنها غير مرخصة من قبلها، ولمخالفتها "أحكام هيئة التربية والتعليم". الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات ردت ببيان في 18 آب، دعوا فيه "الادارة الذاتية" لعدم التعدي على حقوق المسيحيين معتبرة ان المدارس لا تختلف عن الكنائس، وأن هذه الاجراءات تمس الوجود المسيحي في المنطقة. "هيئة التربية" اتهمت في ردها محضر اجتماع رؤساء الكنائس بالكذب، معتبرة أنه "لا توجد مدارس خاصة بالأرمن والمسيحيين، وأن المدارس الموجودة هي معابر لتمرير فكر البعث".

ودخلت "هيئة التنسيق الوطنية" على خط الأزمة، وانتقدت قرار "الادارة الذاتية" في بيان أصدرته في 19 آب، واعتبرته تمزيقاً للنسيج الوطني، ودعت "الادارة الذاتية" للعدول عن قرارها لـ"الحفاظ على الوحدة الوطنية والمساهمة في تأسيس الدولة المدنية الديموقراطية التداولية".

حزب "الاتحاد السرياني" المنضوي ضمن "مجلس سوريا الديموقراطي" أيد قرار "الادارة الذاتية" واعتبر في بيان أصدره في 23 آب، أن لنوعية المناهج التعليمية "أهمية بالغة في الارتقاء بالشعوب، وتقدمها وازدهارها وعلى عكس ذلك فعل حزب البعث وصاغ مناهج على مقاس إيديولوجيته وانكار جميع الهويات غير العربية في الدستور السوري وانعكس ذلك على ضياع ثقافة ولغة الشعب السرياني ما جعل شخصيته فاقدة للابداع والتطور".

وأضاف "الاتحاد السرياني" أن "اللغة التي تدرس في المدارس السريانية هي لغة طقسية داعيا الى تعلم الطالب ثقافته وتراثه من خلال مناهج سريانية خاصة".

السجال بين "الادارة" والكنائس تصاعد بعد تعثّر المفاوضات بين النظام و"مسد" حول اللامركزية، وتزامن مع تصريحات صدرت من مسؤولين في "جامعة الفرات" باغلاق فرعها في الحسكة قبل أن تنفي الجامعة ذلك، الأمر الذي اعتبره البعض جزءاً من الأزمة.

وتواجه "هيئة التربية والتعليم" في "الادارة الذاتية" مشاكل وتحديات على مستويات مختلفة، وتتصاعد وتيرة الانتقادات لها؛ فمن جهة تفتقر إلى الكوادر المناسبة للقيام بالعملية التربوية وفق مساراتها الصحيحة، ومن جهة اخرى تفتقر الى الشرعية والاعتراف الدولي، كونها تابعة لسلطة لم تحصل لغاية الان على الاعتراف الرسمي. هذا عدا عن اتهامات من قبل معارضي "الاتحاد الديموقراطي"، للهيئة بأدلجة المناهج. ويضع ذلك مناهج "الادارة الذاتية" أمام تحدٍ بعدم التقبل الجماهيري لها من مختلف المكونات، ويدفع قسماً كبيراً من الجمهور لتفضيل المنهاج "التربوي" للنظام.

ويتهم مراقبون النظام، الذي لم يتدخل لغاية الآن على الرغم من ان مكان التظاهرة في حي الوسطى يقع في المربع الأمني للنظام، بالوقوف وراء تحرك الكنائس المسيحية، لإثارة أهم المواضيع التي تشغل الناس. ويأتي ذلك في وقت يبدو فيه النظام ضعيفاً في مسار مفاوضاته مع "مسد"، وعاجزاً عن المواجهة المباشرة ومجاراة النسق العسكري المتصاعد للولايات المتحدة، حليفة "قوات سوريا الديموقراطية"، بالتزامن مع توقف عملية التفاوض.

وكانت الولايات المتحدة قد كثفت خلال الاسبوعين الماضيين من نشاطها السياسي والعسكري في مناطق "قسد" سواء من خلال ارسال المزيد من الشحنات العسكرية، أو زيارات مسؤوليها، أو توسيع بعض مطاراتها العسكرية وتزويدها بالرادارات، بالاضافة لإقامة مطار عسكري جديد في ديرالزور.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024