مخيم اليرموك: العودة إلى الركام

المدن - عرب وعالم

الأربعاء 2018/11/07
أعلن نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، عن صدور "قرار رسمي" يسمح بعودة جميع أهالي مخيم اليرموك جنوبي دمشق، إلى بيوتهم، مؤكداً "رغبة سوريا في قطع الإشاعات حول تهجير الفلسطينيين"، ومتهماً "بعض الدول" بعرقلة عودة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين إلى بلادهم، "رغم تسهيلاتنا"، على حد تعبيره.

وكان مخيم اليرموك قد خرج عن سيطرة النظام في العام 2012 لصالح مجموعات معارضة، لتسيطر عليه "داعش" في العام 2015. واستعاد النظام السيطرة على المخيم في أيار/مايو بدعم جوي روسي ما خلّف دماراً بنسبة تتجاوز 60% منه. وتكفلت قوات النظام بتعفيش المخيم، ليتحول إلى مكان غير مؤهل للسكن، على صعيد البنية التحتية والمرافق المدمرة، وعلى صعيد البيوت الخاوية أيضاً، بحسب مراسل "المدن" فادي خوري.

مخيم اليرموك له رمزيته الخاصة، فقد كان "عاصمة الشتات الفلسطيني"، بوصفه أكبر تجمع سكني للاجئين الفلسطينيين في العالم، ويضم المقرات المركزية للعديد من التنظيمات الفلسطينية والرموز التاريخية لها، ويتجاوز عدد سكانه 400 ألف نسمة بين سوري وفلسطيني، وتضم الاونرا في سجلاتها اسماء 160 ألف فلسطيني في المخيم.

ويفتقر قرار النظام، على افتراض جديته، لإمكانية التنفيذ، بسبب المعطيات الفعلية على الأرض، واستحالة العيش في المخيم ضمن الظروف الراهنة، واستحالة عودة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في الخارج إلى سوريا، ضمن الشرط السياسي الحالي. القرار السوري الذي أعلنه المقداد، بشكله السياسي، جاء خالياً من أي تاريخ أو جدول زمني لسريانه وبدء تنفيذه والسماح للأهالي بالعودة. القرار يتناقض مع توجهات النظام الرسمية التي سبق وأعطت تعليماتها لإنشاء مخططات تنظيمية جديدة للمخيم، أسوة بباقي المناطق المدمرة.

إعلامياً يهدف النظام من خلال إعلانه السماح لأهالي المخيم بالعودة إلى بيوتهم، إلى تجميل صورته، وإظهار صفة المرونة لديه أمام الضغوط الدولية والمنظمات الأممية ومنها "الاونروا" التي عبّر مديرها العام في سوريا محمد آدار، قبل فترة، أن "القضية الأساسية بالنسبة لنا هي مستقبل المخيم، هل ستسمح الحكومة للناس بالعودة أم لا؟". آدار أكد عدم مساهمة المنظمة في أي عملية إعمار مقلبة، ولكنه ميّز في الوقت نفسه بين "إعادة الإعمار" وبين "التأهيل الضروري" لبعض منشآت المنظمة البالغ عددها 23، وبينها 16 مدرسة.

سياسياً تأتي الخطوة في إطار ابتزاز المجتمع الدولي وتحميله مسؤولية عدم عودة اللاجئين، في مسعى من النظام لخلط الأوراق ورمي الكرة في ملعب الآخرين، مفضلاً الدخول هذه المرة من البوابة الفلسطينية ذات الحساسية والرمزية العالية سوريّاً وعربياً وحتى دولياً. وتندرج أبعاد الخطوة السياسية الاقتصادية ضمن إطار تسول الدعم الدولي بصيغ مناطقية مجزأة لـ"إعادة الإعمار" التي يعجز عنها النظام بمفرده أو مع حلفائه. وهو ما ظهر واضحاً بقول المقداد إن "سوريا" لا تمانع أي دور أو جهد للسلطة الفلسطينية والأونروا في إعادة إعمار المخيم.

وسبق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أن تكفل بتغطية الأعباء المادية المترتبة عن إزالة الأنقاض في المخيم، بعد زيارة قام بها وفد السلطة الفلسطينية إلى دمشق أواسط أيلول/سبتمبر. وتمت المباشرة حينها بإزالة الأنقاض في أرجاء المخيم بما فيها الشارع الواصل بين مخيمي فلسطين واليرموك.

مهما تكون أهداف النظام وراء إعلانه، إلا أن الواقع الصعب الذي يعيشه السوريون والفلسطينيون المهجرون داخلياً، بمن فيهم أهالي مخيم اليرموك، سيضع هذا القرار موضع الترحيب لكثيرين منهم بما ينطوي ضمناً على استعادة ما تبقى من ركام أملاكهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024