السلطة الفلسطينية العائِدة إلى إسرائيل: أي ذرائع؟

أدهم مناصرة

السبت 2020/11/21
لم تكن إعادة السلطة الفلسطينية علاقاتها الكاملة مع إسرائيل، خطوة مفاجئة، بل كانت متوقعة، بالنظر إلى أسباب السلطة المحلية الظرفية أو تلك الخارجية.

لكن ترويج قيادات السلطة للموضوع على أنه "انتصار" أدى إلى موجة من الغضب الشعبي وحتى بين شخصيات محسوبة على منظمة "التحرير" وحركة "فتح"؛ ذلك أن ما حدث ليس انتصاراً فلسطينياً بل نزولاً عن الشجرة بطريقة "بائسة".

وقد عبّر عن ذلك عضو في تنفيذية منظمة "التحرير" في حديث مع "المدن"؛ إذ بدا غاضبا من "التخريجة المحرجة"، قائلاً: "لم يكن انتصاراً..جمّدنا قبل ستة أشهر العمل بالاتفاقيات مع اسرائيل، ثم تُبعث رسالة فلسطينية إلى منسق الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية تسأل عن التزام إسرائيل بالاتفاقيات!. لنفرحَ بإجابة (نعم)!".

وأكد القيادي أن تنفيذية المنظمة وغالبية مركزية "فتح" لم يعلموا بالاتصالات التي جرت على مدار أشهر سواء الثّنائية مع إسرائيل أو بوساطة أوروبية، حتى أعادت السلطة التنسيق الأمني والمدني مع تل أبيب قبل أيام وقررت استلام أموال "المقاصة".. وهو ما عزز الاعتقاد ان دائرة ضيقة جدا في السلطة هي التي تصنع القرار الفعلي بعيدا عن المؤسسة.

مصدر اوروبي أفاد ل"المدن" أن الاستئناف الفلسطيني للعلاقات مع إسرائيل واستلام "المقاصة" كان حتمياً. لكن قيادة السلطة بحثت عن المخرج لقرارها السياسي الذي اتخذته قبل ستة اشهر بوقف العلاقة مع إسرائيل ردا على مخطط "ضم" مناطق بالضفة الغربية.

وأوضح المصدر أن "الاتحاد الأوروبي بعث رسائل دائمة لقيادة السلطة مفادها ان التوقف عن تسلم أموال الضرائب من إسرائيل هو خطأ لأنها بالنهاية ضرائب من جيب المواطن الفلسطيني وليست منّة من إسرائيل.. وقد تضاعفت تحذيراتنا من خطر انهيار السلطة خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2020. لذا لا بد من مَخرج".

ويكشف المصدر الأوروبي ل"المدن"، عن أن السلطة أبلغت الاتحاد قبل شهرين أنها راغبة بإعادة العلاقة مع إسرائيل بعد الانتخابات الأميركية أي في هذا التوقيت؛ "كي تكون بادرة إيجابية إذا ما فاز بايدن برئاسة الولايات المتحدة".

لكن توقيت إعلان السلطة عن عودة العلاقة مع تل أبيب ارتبط بمساعيها لايجاد دافع ولو شكلي أمام الرأي العام الفلسطيني لتسويق النزول عن الشجرة، أكثر من كونها توطئة لمرحلة بايدن.. لأن المصدر الأوروبي نفسه أوضح أن السلطة كانت ستضطر بجميع الأحوال لاستلام أموال المقاصة حتى لو فاز ترامب؛ خشية الانهيار والانفجار.

وساهمت 4 عوامل باستئناف السلطة العلاقة مع إسرائيل بالرغم من أن دافع الخطوة أساساً وهو مخطط "الضم" لم يتلاشَ؛ كي يُقال إن السلطة جنت ثمناً مقابل إعادة العلاقة!.. ويتصدر العوامل الصراع الخفيّ في أروقة السلطة الفلسطينية بشأن جدوى الاشتباك مع إسرائيل والدول العربية التي طبّعت مؤخرا.

ويبدو أن التيار الرافض لهذه الخطوات هو الذي انتصر "متسلّحاً" بالتلويح بخطر انهيار السلطة وفقدانها السيطرة، ومتذرعاً بأن "الخطوة انتحار حتى لو كانت مجرد ردة فعل غاضبة وربما ُمُناورة مدتها أشهر".

ويرتبط العامل الثاني بالبنوك الفلسطينية التي لم تعد قادرة على إقراض الحكومة لصرف أجزاء من رواتب موظفيها على غرار أشهر الأزمة. في حين، تجسد العامل الثالث بالدور الأوروبي الذي ساعد السلطة على النزول عن الشجرة. وكانت مخرجات الانتخابات الأميركية العامل الرابع باعتبارها "السبب الأوجَه" لإعادة العلاقة، بالرغم من إجماع المراقبين على أن أمريكا في عهد بايدن لن تختلف كثيرا عن ولاية ترامب.

الواقع، أن بعض الفلسطينيين يشككون في خلفية أزمة "المقاصة" أصلاً، مستندين إلى حديث  ترامب خلال احتفالية التوقيع على اتفاق التطبيع الاماراتي-الإسرائيلي في البيت الابيض، عن "الضغط المالي على الفلسطينيين حتى التجاوب مع خطته والتفاوض مع إسرائيل".. ليبرز السؤال "هل أصل الأزمة ضغوط مالية أميركية للتهيئة لمرحلة جديدة ام أنها بالفعل قرار احتجاجي بحت من السلطة..ثم، ما معنى معاناة موظفي السلطة أشهراً ما دامت السلطة ستعيد العلاقات؟!".

عموماّ، يُعتقد أن القيادة الفلسطينية تمنت فوز بايدن "للتخلص من حرج ترامب ولأنه سيؤجل حل الأزمة، وسيضمن الركود لا وِزر الحل".. وقد أشار رئيس السلطة محمود عباس في إحدى كلماته الرافضة لصفقة القرن، إلى "تفضيله الوضع الراهن".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024