"جند الأقصى" ينسحب من "جيش الفتح".. استدارة نحو "النصرة"؟

عقيل حسين

الثلاثاء 2015/10/27
أدى قرار قيادة لواء "جند الأقصى" الانسحاب من تحالف "جيش الفتح"، مؤخراً، إلى خلق أزمة داخل هذا التحالف الذي يضم سبعة فصائل أساسية. وقد تمكّن "جيش الفتح" منذ بداية العام 2015 من تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة، أهمها طرد قوات النظام من محافظة إدلب بشكل شبه كامل.

ورغم أن عناصر اللواء حافظوا على مواقعهم في الجبهات التي ينتشر فيها "جيش الفتح"، إلا أن انعكاسات هذا القرار أدت إلى وقف "معركة تحرير حماة" التي أعلن عنها "جيش الفتح" في وقت سابق.

قيادة لواء "جند الأقصى" أصدرت بياناً حول هذا القرار، جاء فيه أن ثلاثة أسباب رئيسية دفعت لاتخاذ هذا القرار؛ وهي "الضغط على اللواء، وخاصة من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية لمحاربة تنظيم الدولة"، و"موافقة الفصائل على خطة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وقبولها بمشاريع تتصادم مع الشريعة الإسلامية"، بالإضافة إلى "ترحيب الفصائل بالتدخل التركي، وتبنيها الخطاب الانهزامي". البيان طالب بإعلان الحرب على روسيا وأميركا.

ورغم أن قيادة اللواء جددت موقفها الرافض للمواجهة مع تنظيم "الدولة" إلا في حال مهاجمته المناطق التي يتواجد فيها اللواء، غير أن بيان "جند الأقصى" حمل موقفاً متقدماً من تنظيم "الدولة"، جاء فيه: "إن خلافة جماعة الدولة غير منعقدة، ونبرأ إلى الله مما وقعوا فيه من تكفير للمسلمين وسفك للدماء بغير حق". ودعا لواء "جند الأقصى" التنظيم إلى القبول بهدنة بينه وبين الفصائل الإسلامية، من دون الإشارة إلى فصائل الجيش الحر.

ويبدو أن هذا الموقف جاء بالفعل، استجابة للضغوط التي تعرض لها لواء "جند الأقصى" في الفترة الأخيرة، والتي سبقت إصدار "جيش الفتح" بيان إطلاق "معركة حماة". وهذا التطور، أكد ما كان قيد التداول، حول نية لواء "جند الأقصى" الانسحاب من "جيش الفتح"، قبل إطلاق "معركة حماة"، بسبب رفضه مطالب بقية فصائل "الفتح" لتوضيح موقفه من تنظيم "الدولة". ويتحفظ كثير من فصائل المعارضة المسلحة، على تمسك "جند الأقصى" باعتزال قتال تنظيم "الدولة"، لا بل يتم اتهامه بنشر الغلو وتكفير الجيش الحر.

قادة رفيعون في "حركة أحرار الشام"، عبروا عن استغرابهم من تركيز لواء "جند الأقصى" على الحركة في بيانه، وأكدوا أن مطالبة اللواء بتوضيح موقفه من تنظيم "الدولة" كان مطلباً جماعياً ومحقاً: "لكي يعرف الجميع الموقف ممن يكفر المسلمين ويستبيح دماء المجاهدين" حسب قول الشرعي العام للأحرار أبو محمد الصادق.

وأضاف الصادق في تعليق له على بيان "جند الأقصى": "الغريب أن ينسب إلى أحرار الشام الضغط عليهم (جند الأقصى) لكي يقاتلوا الخوارج (تنظيم الدولة)، علماً أنه طُلب منهم بيان موقفهم الضبابي، في ظل بيان كل الفصائل موقفها منهم، وحكم من يعلن تأييدهم ويحتضن رجالهم وأمنييهم، بعلم أو بغير علم".

وشن الصادق هجوماً عنيفاً على اتهامات "جند الأقصى" للفصائل بالقبول بمبادرة الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. ووصف الصادق هذه الاتهامات بـ"المغالطات والافتراءات"، متسائلاً: "من هي الفصائل التي تؤيد مشاريع مصادمة للشريعة، وما هي تلك المشاريع؟".

وبهذا الصدد، قال عضو مجلس شورى "حركة أحرار الشام" أبو عزام الأنصاري: "كان على بيان الجند أن يقول بإن الفصائل رفضت خطة دي ميستورا، كي لا يوهموا القارئ بأن الفصائل أيدتها".

الأنصاري استغرب توقيت طرح لواء "جند الأقصى" لهذه المبررات، واعتبر أن الهدف منها، هو التملص من مطالبتهم بتوضيح موقفهم من تنظيم "الدولة". وردّ الأنصاري على طلب اللواء "إعلان القتال العام"، بالقول: "نحن عازمون على قتال كل من يقاتلنا ويدخل أرضنا غازياً. أما أن نطلب قتال العالم أجمع، فهذا من أعظم الخطأ، واستعراض للبطولة، لن يسبب سوى المزيد من المعاناة والقهر للأهالي".

ورغم أن كلاً من أبو محمد الصادق وأبو عزام الأنصاري، جددا دعوة "جند الأقصى" للعودة إلى "جيش الفتح"، و"عدم شق الصف في هذا التوقيت الحساس"، إلا أن الكثيرين يعتبرون قرار الانسحاب مريحاً للطرفين، في ظل عدم إمكانية التوفيق بين موقف اللواء والفصائل الأخرى. وذلك لا يتعلق فقط بخصوص تنظيم "الدولة" بل في العديد من القضايا المصيرية، وخاصة تلك المتعلقة بالحل السياسي، وطبيعة الدولة المستقبلية في سوريا.

ولا يخفي اللواء رفضه لأي حل سياسي مع النظام، وتأكيده على تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وفق الرؤية التي يتبناها، ويختلف فيها مع رؤية غالبية الفصائل، باستثناء "جبهة النصرة" الشريك الآخر الأساسي في "جيش الفتح". لواء "جند الأقصى" سبق وانشق عن "النصرة" بسبب الحرب بينها وبين تنظيم "الدولة" أواخر العام 2013. ويؤكد الكثيرون أن الموقف من تنظيم "الدولة" هو السبب الحقيقي للخلاف بين اللواء وبقية القوى العسكرية، لكنهم يقولون، إن لواء "جند الأقصى" الذي يبلغ عدد عناصره نحو 800 مقاتل لا يحظى بشعبية تؤهله فعل الكثير في عدم مواجهة تنظيم "الدولة"، على الرغم من دوره القوي في مواجهة قوات النظام، في معارك السيطرة على محافظة إدلب.

ولا يُستبعد انضمام اللواء لاحقاً إلى "جبهة النصرة" بعدما شاركها الحرب ضد عدد من قوى الجيش الحر؛ خاصة "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم". ويقيس المراقبون ذلك على تطور موقف "جيش المهاجرين والأنصار" المنضم حديثاً إلى "النصرة"، والذي كانت أولى خطواته في هذا الاتجاه هي تخليه عن الحياد تجاه تنظيم "الدولة"، وإعلانه للمرة الأولى تجريم التنظيم مع رفض قتاله، في حزيران/يونيو 2015، غداة هجوم التنظيم على ريف حلب الشمالي.

ويقول أصحاب هذا الرأي، إن بيان لواء "جند الأقصى"، يحمل إرهاصات السير في ذات الاتجاه، خاصة مع تضمين البيان رسالة كانت خارج السياق تماماً، تمّ توجيهها إلى زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، الخصم اللدود لزعيم تنظيم "الدولة" أبو بكر البغدادي. البيان وصف الظواهري بـ"شيخ المجاهدين"، ودعاه للصبر والثبات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024