إسلاميو تونس وعلمانيّوها: التخفي وراء النقاب

بسمة بوزكري

السبت 2016/03/26

عاد موضوع منع النقاب في تونس إلى واجهة الأحداث ليتحول إلى قضية رأي عام تخفي صراعاً سياسياً غير معلن بين العلمانيين والإسلاميين، وخاصة بعدما تقدم أحد الأحزاب بمشروع قانون للبرلمان لمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة كخطوة جديدة لـ"محاربة الإرهاب"، وهو ما دفع عدداً من الجماعات السلفية إلى إطلاق حملة كبيرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تطالب بسحب المشروع وتدعو للفصل بين النقاب والإرهاب، قابلتها حملة أخرى تطالب بمنع "اللباس الأفغاني" في البلاد، فيما أكد استطلاع للرأي أن أغلب التونسيين يرفضون النقاب.

كتلة "الحرة" التابعة لحركة "مشروع تونس" (أسسه الأمين العام السابق لحزب نداء تونس محسن مرزوق) تقدمت قبل أيام بمشروع قانون في البرلمان يتعلق بـ"منع إخفاء الوجه في الفضاءات العمومية"، وبررت هذا الأمر بـ"تطوير المنظومة العقابية في مجال مكافحة الجريمة والكشف عن مرتكبيها، وإلى تعزيز القدرة على الوقاية من الجريمة الإرهابية خصوصاً، وإلى حماية الأمن العام وحقوق الغير، وتجسيد أحكام الدستور والمعاهدات التي صادقت عليها الجمهورية التونسية في ما يتعلق بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بدون تمييز".


غير أن مقترح الحزب ذي التوجهات العلمانية لم يرق لكثير من الجماعات السلفية، حيث عقدت بعض المنقبات ندوة صحافية أكدن فيها حقهن في ارتداء النقاب ورفض أي قانون يمنع ذلك، وأشرن بالمقابل إلى استعدادهن للخضوع للتفتيش الأمني ورفضهن للإرهاب، كما دعين إلى تقبّل جميع التونسيين لبعضهم البعض بغض النظر عن اختلاف الأفكار واللباس.


رئيس مجلس شورى حزب "جبهة الإصلاح" الإسلامي رفيق العوني أكد لـ"المدن" أن تفتيش المنقبات والتأكد من هويتهن "هو أمر ضروري في ظل الوضع المخيف الذي تعيشه البلاد مع استمرار العمليات الإرهابية"، لكنه دعا إلى عدم استغلال الظروف الأمنية الحساسة التي تعيشها البلاد لضرب الحريات، كما طالب، بالمقابل، بالاهتمام بـ"القضايا الملحة حاليا أمام التونسيين والتي تتعلق التنمية والتشغيل".


حركة "النهضة" الإسلامية حاولت النأي بنفسها عن الموضوع، حيث أكد أمينها العام علي العريّض، في تصريحات صحافية، أن الحركة ستجتمع قريباً لتحسم موقفها من مقترح كتلة "الحرة"، مشيراً إلى أنه "أنه لا يمكن الحد من الحريات إلا لاعتبارات استثنائية جداً".


مؤسسة "سيغما كونساي" المتخصصة باستطلاعات الرأي سارعت لإجراء استبيان حول موقف التونسيين من اللباس الديني، حيث أكد 93 في المئة من المستجوبين رفضهم للنقاب، كما عبر 73 في المئة منهم عن رفضهم للقميص أو اللباس الأفغاني للذكور، فيما أكد 60 في المئة تأييدهم للحجاب.


الجدل على أرض واقع خلق "معركة" افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق عشرات الناشطين حملة كبيرة على "فايسبوك" بعنوان "حملة نصرة النقاب في تونس"، طالبوا من خلالها بسحب المشروع الذي يطلب بمنع النقاب ومنع ربطه بالإرهاب، وأطلقوا عدة وسوم من قبيل "#انصر_اختك المنتقبة" و"#كون_راجل" وغيرها.


في المقابل، أسس المؤيدون للمشروع صفحة تضم آلاف المشتركين بعنوان "الحملة الوطنية لمقاومة اللباس الأفغاني"، حاولوا فيها الربط بين النقاب والإرهاب، مذكرين ببعض الأخبار التي تشير إلى اعتقال السلطات التونسية لعدد من المتطرفين القادمين من الأراضي الليبية والمتنكرين بلباس منقبات، بهدف تنفيذ عمليات إرهابية في البلاد.


رئيس تيار "المحبة" الهاشمي الحامدي كتب على صفحته في "فايسبوك" قائلاً: "المنقبة أختي في الوطن ولها حرية اللباس. والتحرش بحقوقها الدستورية مراهقة سياسية وعدوان على الدستور وعلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أميركا تسمح بالنقاب، وبريطانيا وألمانيا. وستكون فضيحة جديدة لبلادنا أن نصبح أول دولة عربية تمنع النقاب كما كنا من قبل أول دولة عربية تمنع الحجاب وتسميه بالزي الطائفي".


وأضاف "نحن لا نحارب الإرهاب بمصادرة حرية المنقبات، وإنما بالعدل، واحترام حقوق الإنسان، ومحاربة الفقر والبطالة واليأس والإحباط، وبزيادة الدعم المادي والمعنوي لقواتنا المسلحة والأمنية".


يُذكر أن مفتي تونس عثمان بطّيخ أكد في وقت سابق أنه "يجوز شرعاً وقانوناً منع النقاب في حال تحوّل إلى خطر على المجتمع"، معتبراً أن ارتداء النقاب "من عادات وتقاليد بعض البلدان، وهو ليس من الإسلام الذي لم يحدد لباساً بعينه للمرأة والرجل". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024